تعددت أساليب استغلال ظروف إعاقة «ذوي الاحتياجات الخاصة»، حتى تحولت إلى ظاهرة، بل وأصبحت سبيلاً للكسب المادي لدى بعض الأسر، وأياًّ كانت الصورة فالغاية واحدة وهي الاستيلاء على حقوقهم «عيني عينك»، دون النظر إلى حالاتهم التي تتطلب الوقوف بجانبهم على الدوام. شركات توظّف «المعوق» براتب ضعيف وتطلب منه البقاء في منزله بحثاً عن «النطاق الأخضر» وتتمثّل صور استغلال «المعوقين» عبر توظيفهم في القطاع الخاص برواتب متدنية، على اعتبار أن توظيف «المعوق» الواحد يعادل أربعة مواطنين، وهو ما جعل بعض الشركات تُقدم لهم رواتب ضعيفة ثم طلب البقاء في منازلهم، أملاً في تحقيق «النطاق الأخضر» للحصول على دعم وزارة العمل، وهنا لابد من إقرار برنامج متابعة ميداني يحصر واقع الأعمال المخصصة ل»ذوي الاحتياجات الخاصة»، إضافةً إلى متابعة تطبيق تنفيذ طريقة توظيفهم، كما أنه من المهم طرح وزارة العمل «نطاقاً خاصاً» ب»المعوقين»، واعتباره أحد الحوافز المرتبطة بالمنشآت الملزمة بالتوظيف، حتى لا تضيع حقوق المعوق العملية والمهنية. ولا تقف صور الاستغلال على القطاع الخاص فقط، بل إنه من الممكن أن تستغل أُسرة «المعوق» وضعه في تحقيق بعض المكاسب، حيث إن هناك من يستغل بعض الإعانات المقدمة له لصالحه، كما أن هناك من يتسول ب»المعوق»، كذلك هناك من يستغل إعاقته لاستدرار عطف الآخرين، إلى جانب استغلاله في استقدام الخدم والسائقين، ثم تأجيرهم لصالحهم، وليس غريباً أن يستخدم والد «المعوق» السيارة التي حصل عليها والمُخصصة له في توصيل المعلمات!. «الرياض» تكشف صور الاستغلال التي تواجه المعوق، سواء من الأهل أو من الشركات. الوقوف مع المعوق ودعمه يضمن له النجاح والاستقلالي راتب ضعيف في البداية تحدثت السيدة «منيرة الحارثي» -من ذوات الاحتياجات الخاصة ومتزوجة ولديها ثلاث بنات-: إنها عُينت موظفة بشركة في القصيم للمقاولات براتب (2000) ريال، مضيفةً أنه تمثل استغلالها باعتبارها «معاقة» وعن أربعة موظفين، مبينةً أنها رضيت بهذا الراتب وهذه الوظيفة لسد حاجتها ومساعدة زوجها في مصروفات علاجنا، موضحةً أن الضمان الذي يصرف لهما كمعوقين (800) ريال فقط، إذ أنه لا يكفي لسد متطلباتهم، مشيرةً إلى أنه ما أن التحق زوجها «المعوق» أيضاً بوظيفة حكومية إلاّ وألغي الضمان. وأضافت ان زوجها يتقاضى راتبا شهريا (4000) ريال، ولديه «شلل حركي»، ولا يستطيع الحركة إلاّ عن طريق الكرسي المتحرك، الذي تُعد صيانته مُكلفة أكثر بكثير من راتب التأهيل، متأسفةً على أن الجهات المختصة بالإعاقة هي التي أحبطت المعوق وجعلته يتنازل عن كامل حقوقه. الإعاقة تصنع في الذات تحدياً على تجاوز العقبات «أرشيف الرياض» كسب مادي وحول صور الاستغلال أكدت «منيرة الحارثي» على أن استغلال الأهل يُعد أخطر بكثير، مضيفةً أنه أنه حينما توزع سيارات للمعاقين -والتي تكون أشبه بسيارات الإسعاف وتحمل عيوباً كثيرة-، إلاّ أنه نجد الغالب من الأهل يعرضونها للبيع وصولاً للكسب المادي لا غير، مُطالبةً بإيجاد لائحة تمنع بيع سيارة المعوق ليستفيد منها في تنقلاته، مبينةً أن أحد الآباء رفع معدات ابنه المعوق من السيارة ليحولها إلى «أوتوبيس» لنقل المعلمات للربح المادي دونما أي احتساب لابنه الذي هو بحاجتها. أُسر تستولي على إعانات «المعوق» وتستقدم الخدم والسائقين باسمه طمعاً في تأجيرهم.. وأوضحت السيدة «وضحى القحطاني» -من ذوات الاحتياجات الخاصة ومتزوجة- أن أغلب ذوي الاحتياجات الخاصة يرضخون للوظائف التي تعرضها الشركات لضيقهم في العيش وتلبية طلباتهم، مضيفةً أنها تعلم أن استحقاقهم أكثر بكثير مما تصرفه لهم الشركات التي بخست حقوقهم، مبينةً أن الفرد لا يتقاضى إلاّ (2000) ريال، مؤكدةً على أن المستفيد هم وزارة العمل والشركات -حسب قولها-. عطف الناس وأشارت «مريم التميمي» -من ذوات الاحتياجات الخاصة- إلى أن صور الاستغلال كثيرة جداًّ، وعايشه البعض ممن ابتلاهم الله بالإعاقة، مضيفةً أن من الأهالي من يستغل الإعانة أو بطاقة التخفيض التابعة للخطوط ثم استغلال أي ميزة تُقدم للمعاق لصالحهم، وقد يكون ذلك بعلمه أو بغير علمه، مبينةً أن هناك من يستغل هذه الفئات من أجل أن يرفع اسمه ويقال عنه فاعل خير ويحقق الشهرة لنفسه على أكتاف المعوقين، وهناك نوع آخر من الاستغلال نادر وهو «التسول» بالمعوق وسلبه حقوقه كإنسان، ذاكرةً أن هناك نوعا آخر وهو استغلال المعوق لنفسه، فنجده يستغل إعاقته لاستدرار عطف الآخرين عليه، كذلك تكثر صور الاستغلال في استقدام الخدم والسائقين ومن ثم تأجيرهم لصالحهم، أو مثلاً باستخراج صك أرض ثم بيعها للتكسب المادي بدلاً من أن يستغلها في مصلحته كمعاق، مؤكدةً على أنه لا أحد يدرك أن لديه شخصا معاقا إلاّ إذا كانت المسألة فقط مادية. نحتاج إلى طرح «نطاق خاص» ب«المعوقين» واعتباره أحد الحوافز المرتبطة بالمنشآت الملزمة بالتوظيف إعادة نظر وشاركتها الرأي السيدة «شيمة الشمري» -تعاني الإعاقة الحركية-، مضيفةً أن الاستغلال الأكثر هو من ناحية التوظيف، مبينةً أنهم كفئة يجب أن تستغل إعاقتهم في كسب الأجر والثواب وليس كسب المال حسبما يفعله الأهالي والشركات، ذاكرةً أن ذوي الاختصاص يجب أن يعيدوا النظر بجدية في ظروف المعوق واحتياجاته المادية والمعنوية والتي تعينه على الاستمرار في حياته ومعايشة واقعه برضى. وأكدت «إيمان البحيري» -من ذوات الإعاقة- على أن الطفل المعوق أيضاً هو من يعاني صور الاستغلال بشتى طرقها، إمّا في التسول أو الاستغلال الجنسي، متمنيةً أن تكون هناك عقوبات رادعة لكل من يمارس أنواع الاستغلال بحق المعوق، مضيفةً أنه فيما يتعلق بالاستغلال في العمل، فإنه تؤخذ أسماؤهم مقابل مبالغ زهيدة يتقاضونها كل آخر شهر من قبل الشركات، حتى لو لم تكن من ذات المنطقة، فالأهم هو التكسب عن طريقنا، مشيرةً إلى أن المعوق يمكن استغلاله بأبسط حقوقه كالأماكن المخصصة لهم، إذ أنه من المفترض إذا استغلت من قبل غيرهم لابد أن تكون هناك غرامة كبيرة. تطبيق النظام وقالت «مشاعل العصيمي» -من ذوات الإعاقة وخريجة بكالوريوس شريعة ودبلوم تربية خاصة-: إنه سبق وأن تقدمت لطلب وظيفة تتناسب وقدراتها إلاّ أنها لم تحصل على ذلك، بل وجدت وظيفة عن بُعد وبراتب (3000) ريال، معاتبةً مكتب العمل على التصرفات السلبية لبعض الشركات، متسائلةً عن تطبيق النظام في التوظيف. وشاركتها الرأي أيضاً «أم أحمد» -أم لطفلين من ذوي الإعاقة- قائلةً: قرأنا الإعلانات عن التوظيف لذوي الاحتياجات الخاصة وعن حاجة الشركة للتوظيف، إلاّ أننا وعند البحث عن الشركة لم نجدها رغم كثرة الاتصالات، مضيفةً أن أبناءها بحاجة إلى العلاج والذي يكلف (3000) ريال شهرياً، مبينةً أنها بحاجة إلى الوظيفة، مطالبةً بوجود رادع من الجهات المعنية، للوقوف بجانب هذه الفئة لتكمل مسيرتها في الحياة. أحد الآباء يعرض مركبة ابنه المعوق للبيع وعي قاصر وأوضح «عبدالله الشلاقي» -مسؤول قسم العلاقات العامة والإعلام في الجمعية الخيرية لرعاية المعوقين هدكا ومعاق حركيا- أنه لا يزال الوعي الاجتماعي بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة قاصراً، بل ولا يتم الحديث حول ذلك تماماً، مضيفاً أن الحاصل هو ربطه بلغة الشفقة ومنح فرصة العمل للشخص المعوق بمجرد المنح، دون أن يبلغ الظن أن يكون المعوق عاملاً منتجاً لا يغالبه من خيوط الضعف، متأسفاً على أنه يظهر استغلال كثير من مؤسسات القطاع الخاص لأنظمة وزارة العمل التي فعّلت دور الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال الفوز بهوية أحدهم مقابل مبلغ زهيد، بل واشترطت تلك الجهات عدم الحاجة لحضوره لتؤكد نظرتها المجحفة، مؤكداً على أنه تحولت نظرة بعض الشركات إلى جشع واحتياج للسعودة بأسرع الطرق من خلال ذوي الإعاقة. وأشار إلى أنه لا يزال الاستغلال حالة اجتماعية غير خفية من قبل أسرهم، إلى جانب ما يعانيه المعوق من استغلال جهات التوظيف، مضيفاً أن بعض الأسر لا تزال تمارس دور وصاية مجحفة بحق أبنائها من ذوي الإعاقة، مما اصطدم بطموحات كثيرين من ذوي الإعاقة في ممارسة حياتهم بشكل يليق بما يصبون إليه، بينما تلك الأسر ترى في ابنها المعوق إمّا خطيئة يجب أن تدفن، مع حرمانه سبل العيش بدءاً من التعليم إلى العلاج والترفيه، أو أنهم يرون فيه طريقاً يسيراً للثراء والتكسب المادي من الجهات الخيرية، إذ قد تجد بينهم معاقاً لا يملك كرسياً لاستخدامه. أربعة مواطنين وتحدثت الأستاذة «منى الحربي» -المشرفة العامة على القسم النسائي بالجمعية الخيرية لرعاية وتأهيل المعوقين في منطقة القصيم- قائلةً: إنه من خلال الاختلاط بذوي الإعاقة وجدنا أنه يوجد استغلال من القطاع الخاص، معللةً ذلك أن الموظف المعوق يعادل أربعة مواطنين، وهذا من شأنه أن يرفع معدل النطاق ليصل إلى اللون الأخضر، فتحصل الشركة على دعم من وزارة العمل، مضيفةً أن بعض المعوقين يُساعدون المستغلين لهم ويُشجعونهم لقبولهم بهذا العمل الوهمي وتقاضي رواتب وهم في منازلهم، لافتةً أن هذا الأمر يعود إلى الخوف من انقطاع الإعانة الشهرية، إضافةً إلى عدم قدرتهم الخروج من المنزل وحاجتهم الماسة للراتب. وحول استغلال الأهل للمعاق ذكرت أنه يوجد استغلال من البعض بغرض الإفادة من الراتب والاستيلاء عليه، أيضاً هناك من يتسول باسم أبنائه المعوقين، مبينةً أن هناك الكثير من يستغل المعوق للصعود على أكتافه سواء الأهل أو القطاع الخاص أو الإعلام، فالكل مستفيد إلاّ المعوق نفسه. وعي أسري وشدّدت الأستاذة «مها السيف» -المختصة بشؤون الإعاقة والإدارة بمنطقة حائل- على أننا بحاجة تشخيص مدى حجم الظاهرة، مضيفةً أنه على وزارة الشؤون الاجتماعية من خلال مراكز الدراسات والبحوث الاجتماعية، أو هيئة حقوق الإنسان أن توضح حجم هذه الظاهرة وأسبابها لنتمكن من تقييمها، مضيفةً أنه حسب علمها لا يوجد بيانات لهذه القضية سوى رصد حالات أو ما شابه ذلك، مبينةً أن هذه الظاهرة ترتبط بالدرجة الأولى بمستوى الوعي الأسري بالمسؤولية تجاه المعوق، أيضاً ترتبط بمستوى تعليم الأسرة ومستوى دخلها الاقتصادي، مُشددةً على أهمية عدم عزل المعوق عن مشاركته لأسرته، فهو جزء منها وشريك لها في المعاش، حتى لا يشعر المعوق بانفصال عن بيئته الاجتماعية، مؤكدةً على أن التعدي الصارخ على حقوق المعوق المادية أو العينية هو تعد صارخ على حقوقه الإنسانية، مشيرةً إلى أن تفعيل أنظمة ولوائح توثيق هوية المعوق واستحقاقاته، والحرص على تطبيقها لدى القائمين على منح وصرف تلك الاستحقاقات، وكذلك تشديد الرقابة عليها من جهات الرقابة والمتابعة الإدارية خارج تلك الأجهزة التي تقدم إعاناتها أو تمنح المعوق استحقاقاته، كفيل بصد وردع الاعتداء على حقوقه المادية أو العينية شرط أن تكون أجهزة الرقابة ليست فقط من داخل الجهة المانحة لهذه الحقوق وهذا قد يسهم في انحسار هذه القضية. متابعة ميدانية وشدّدت «مها السيف» على أنه يتوجب على وزارة العمل أن تتجه لإقرار برنامج متابعة ميداني يحصر واقع الأعمال والمهن المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، وأن تتابع دورياً تطبيق تنفيذ والتزام منشآت القطاع الخاص في توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة، مضيفةً أنه من الأفضل أن تطرح وزارة العمل نطاقا خاصا بتوظيف المعوقين واعتباره أحد الحوافز المرتبطة بخصائص المنشآت الملزمة بالتوظيف أو توطين الوظائف وسعودتها، حتى لا تضيع حقوق المعوق العملية والمهنية وسط النطاقات الأخرى، إضافةً إلى إيجاد قاعدة بيانات حول احتياجات المعوقين الوظيفية وفرص التوظيف، يشترك فيها وزارة العمل وبرنامج جدارة ووزارة الشئون الاجتماعية والتعليم الفني، مؤكدةً على انه من المهم أن تكون هذه الفرص معلنة، وأن تتاح فرص التدريب المنتهي بالتوظيف للمعاقين بصورة واضحة، كما أنه من من المهم الإعلان عن المنشآت المتميزة في استقطاب وتوظيف المعوقين وتكريمها من قبل وزارة العمل. وأضافت: لابد أن استقطاب وزارة الخدمة المدنية فرص التوظيف للمعاقين في القطاعات الحكومية، لتتكامل جهود القطاعين الخاص والحكومي في توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة، ناصحةً بإقامة ملتقيات وورش عمل للتعريف بفرض توظيف المعوقين وتسليط الأضواء عليها.