كشفت منظمة العمل الدولية أن العالم يخسر (1.5) تريليون دولار أميركي سنوياً؛ نتيجة تعطل طاقات (70%) من المعوقين، حيث تُقدر أعدادهم في العالم ممن بلغوا سن العمل (386) مليون نسمة. وعلى الرغم من أن المعوقين حُرموا من نعمة الحياة الطبيعية بسبب إصاباتهم، وتجرعوا طعم الحرمان ومرارته، وتحملوا نظرة المجتمع لهم ونعتهم بالنقص، إلاّ أنهم أثبتوا قدرتهم على منازلة ظروف الحياة ومعاركها الشرسة، بل أثبتوا مقدرتهم على تحمل صعوبات العمل ومجهوداته الجبارة؛ ليقنعوا المجتمع في النهاية أنهم أعضاء فاعلون فيه، وأنهم أبناء صالحون للوطن يحبون العمل من أجل رفعته كما يحبه الآخرون، إلى جانب نجاحهم في مجالات متنوعة وميادين مختلفة سواء كانت ثقافية أو علمية أو رياضية داخل المملكة وخارجها، كما أنهم ضربوا لنا أروع الأمثلة وأصعبها بقوة الإرادة والعزيمة والإصرار، ومع هذا لا زالت معاناتهم الكبيرة تتمركز في عدم حصولهم على وظائف تناسب إعاقاتهم ومؤهلاتهم، مما أسهم في زيادة "معدل البطالة" بين مختلف فئاتهم، واستغلال القطاع الخاص لهم في التوظيف الوهمي، كأفراد معوقين يقابل الواحد منهم أربعة مواطنين، ومن أجل الحصول على "نطاقات السعودة"، ورفع فئة تصنيف المنشأة من اللون الأحمر إلى الأصفر والأخضر، مع استلام المعوق لراتب متدن لا يتجاوز (1500) ريال!. "الرياض" تطرح قضية المعوقين وكذلك معاناتهم في العمل، فكان هذا التحقيق. الدافع المادي ليس أهم من اندماج المعوق في المجتمع واثبات تفوقه ونجاحه مثل غيره حافز تجاهلنا في البداية قال "عبدالله الجاسر" -إعاقة شلل في العمود الفقري-: لم يشمل "مشروع حافز" المعوقين؛ بسبب أنه يستلم إعانة من الشؤون الاجتماعية قدرها (833) ريالا، وإعانة ضمان تبلغ (862) ريالا، بما مجموعه (1695) ريالا شهرياً، مضيفاً أنه عند تدوين ذلك في بيانات الدخل الشهري أثناء التسجيل في حافز تم استبعاده، مشيراً إلى أن تلك الإعانات المصروفة من وزارة الشؤون الاجتماعية متعلقة بالإعاقة وليس بالعمل، حيث يتم استهلاكها في شراء احتياجاتي الخاصة، من كرسي متحرك وأدوية ومستلزمات طبية، حتى بعد التحاقي بأي عمل فإنها مستمرة ولا تتوقف بشرط إلاّ يزيد راتبي عن (2500) ريال، ذاكراً أن وزارة العمل وجهتهم إلى صندوق الموارد البشرية "هدف" بعد مطالبتهم بشمولهم ضمن إعانة حافز إلاّ أن هناك وعودا مستمرة تجاوزت الثلاثة أشهر، لم تثمر عن أي شيء. «حافز» تجاهلهم بسبب إعانة الشؤون الاجتماعية..ورواتبهم أقل! ضغط وتنفير وانتقد "فيصل البجيدي" -إعاقة شلل أطفال في الطرف الأيمن- تعامل القطاع الخاص مع المعوقين بشكل عام، حيث لم يراع توظيفهم وفقاً للمؤهلات التي يحملونها، وكذلك وضعهم في بيئة عمل غير مهيأة، بل ولا تتناسب مع إعاقة كل فرد، مضيفاً أن ممرات الدخول والخروج خالية من المنحدرات، مع وجود دورات مياه ضيقة، إضافةً إلى ساعات عمل طويلة دون تخصيص فترة للراحة، إلى جانب استخدام أسلوب الضغط والتنفير من العمل، مشيراً إلى أن القطاع الخاص يعمل على استغلالهم فيما يسمى ب"التوظيف الوهمي"، من أجل تنفيذ القرارات التي تلزمهم بسعودة الوظائف، باعتبار المعوق الواحد عن أربعة مواطنين، دون تكليفهم بالعمل أو الحضور، موضحاً أنه نتيجة لاستغلالهم في التوظيف الوهمي فهم يتقاضون رواتب متدنية جداًّ وهم في منازلهم؛ لأنهم لا يزاولون المهنة، معتبراً ذلك تحايلاً على نظام السعودة وعلى وزارة العمل، كل ذلك من أجل الحصول على "نطاقات السعودة"، ورفع فئة تصنيف المنشأة من اللون الأحمر إلى الممتاز والأخضر؛ للحصول على المزايا والتسهيلات من قبل الوزارة، موجهاً اللوم على وزارة الخدمة المدنية في عدم إعطاء المعوقين الأولوية في التوظيف الحكومي، مما جعلهم كالأدوات يستغلهم القطاع الخاص من أجل الحصول على شهادات المثالية والتميز في خدمة التوظيف والسعودة. «الرياض» التقت معوقين تذمروا من صمت وزارة العمل تجاه استغلال القطاع الخاص في توظيفهم سن أنظمة وتساءل "عبدالرحمن الرشيد" -إعاقة حركية- عن عدم إعطاء المعوقين الأولوية في التوظيف من قبل وزارة الخدمة المدنية، وتجاهل أهمية تشريع نظام يتعلق بالأولوية، وكذلك تحويلهم على القطاع الخاص الذي لا يستثني أحداً في شدة العمل، مما أصاب الكثير منهم بتقرحات الأرجل وتقوسات الظهر وارتخاء الأعصاب وضعف التحكم فيها، مطالباً وزارة العمل بضرورة وضع حد أدنى لرواتب المعوقين، بحيث لا يقل مثلاً عن (5000) ريال، إضافةً إلى سن أنظمة تراعي ظروف إعاقتهم في العمل كتقليص ساعات الدوام، والنظر في التقاعد المبكر، واحتساب العام الواحدة في الخدمة بعامين. واقترح "زياد الزايد" -إعاقة حركية- إصدار نظام يتعلق بزيادة أيام الإجازة السنوية لهم، وعدم مساواتهم بالآخرين، منتقداً نظام وزارة الشؤون الاجتماعية في إيقاف إعانة الإعاقة عند التحاقه بعمل، رغم أن ارتباط صرفها في الأساس متعلق بوجود إعاقة وعجز، متسائلاً هل معنى ذلك أنه في حالة التحاق المعوق بالوظيفة تلاشت الإعاقة منه وشفي منها؟. بدل النقل وشدد "مبارك الدوسري" -إعاقة شلل رباعي- على ضرورة زيادة بدل النقل للمعوقين العاملين، مبرراً ذلك بالمصاريف التي تستنزف جيوبهم في عملية النقل اليومي من وإلى مقر العمل بسيارات الأجرة، منوهاً إلى أن بعض المعوقين لا يستطيع قيادة السيارة، مشيراً إلى أن القطاع الخاص يحارب توظيف المعوقين بعدة طرق، منها تهميشهم من الترقيات والحوافز والمكافآت والانتدابات؛ من أجل التضييق عليهم وقبولهم ب"التوظيف الوهمي" مقابل مبلغ زهيد جداًّ، محذراً من "سماسرة المعوقين" الذين يدعون أنهم يحبون الخير ويطلبون الأجر في سعيهم لتوظيف المعوقين، وهم في حقيقة الأمر يتاجرون بأسمائنا ويساومون القطاع الخاص من أجل تطبيق السعودة الوهمية، كون المعوق الواحد يقابل أربعة مواطنين. معوقون يتحدثون إلى الزميل العثمان عن معاناتهم «عدسة: يحيى الفيفي» رواتب متدنية ولم تكن الفتيات المعوقات أفضل حظاً من الشباب المعوقين في توظيف القطاع الخاص لهن، حيث تحكي "البندري الناصر" -إعاقة حركية- عن معاناتها بعد ما التحقت بوظيفة في إحدى المؤسسات التجارية، حيث لم تستلم راتبها الشهري لأكثر من أربعة أشهر، مشيرةً إلى أن المنشأة الخاصة استغلت اسمها من أجل الحصول على تصنيف في نطاقات السعودة فقط. وتحدثتا "نجوى المعروف" و"أم مهند" بنبرة حزن وألم عن القسوة في التعامل معهن كمعوقات في العمل، سواء فيما يتعلق بالمعاملة الشخصية، أو في متطلبات العمل والمهام، وكذلك في ساعة وقت الدخول والخروج، ورغم ذلك يتقاضين رواتب متدنية، وأوضحتا أنهن كمعوقات متذمرات من قيمة الإعانة البسيطة التي تصرف لهن من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية، حيث طالبن هيئة حقوق الإنسان بإصدار أنظمة وتوصيات تخدم المعوقين والمعوقات، وتلامس احتياجاتهم في جميع المجالات. د.مفلح القحطاني معوقات التوظيف وأشار "أنور بن محمد الصقعبي" -مساعد مدير إدارة التربية الخاصة بتعليم الرياض- في الدراسة التي عمل بها تحت عنوان: "دور القطاع الخاص في توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة"، إلى أهم معوقات التوظيف ومنها: عدم توفر وسيلة نقل خاصة به، وضعف المهارات التدريبية والعلمية لديهم، والظروف الصحية التي تؤثر على أدائهم، إضافةً إلى طبيعة المؤسسة وهيكلها البنائي يؤثر على تحركاتهم، إلى جانب عدم تفهمهم والاهتمام بهم، وكذلك ضعف دور الإعلام في توضيح أهمية توظيفهم، ونقص الوعي المجتمعي نحوهم، ونظرة المجتمع العاطفية لهذه الفئات تحد من توظيفهم، وقدم الباحث في الدراسة عددا من المقترحات التي تسهم في توظيفهم ومنها: عدم استغلالهم بتخفيض رواتبهم الشهرية، وإيجاد وتنفيذ برامج تدريبية مناسبة لقدراتهم تؤهلهم للعمل، وتنفيذ برامج تدريبية وتطويرية وهم على رأس العمل، وتوفير المعدات والتسهيلات المناسبة لمتطلبات إعاقتهم داخل المؤسسة، إلى جانب الابتعاد عن معاملتهم بمبدأ الشفقة والرحمة، وزيادة وعي المجتمع بخصائصهم، إضافةً إلى عمل محاضرات تعريفية بهم داخل المؤسسة تسهل من تقبل الزملاء لهم. د.مازن خياط تأثير نفسي وأكدت "أريج المعلم" -رئيسة قسم الصحة النفسية بمركز الأمير سلمان لأمراض الكلى- على أن عدم توظيف المعوق والمعوقة قد يؤثر على صحتهما النفسية؛ لأنه حرم حق من حقوقه وهو أن يستخدم عقله ومهاراته ليفيد ويستفيد، ويمارس حياته بالشكل الطبيعي، ويشعر بقيمته وذاته، مضيفةً أن الإعاقة ليست إبادة، ناصحةً الأُسر والمجتمع بدعم المعوق حتى لا يهوي بأفكاره إلى الإحباط أو الانحراف بالتفكير، إلى مسار قد يضر به مجتمعه ويسيء صورته، مشيرةً إلى أن الدعم يعود إيجاباً على المعوق نفسه وعلى أسرته ومجتمعه، بل ويُحدث تحولاً في حياته، بأن يكون فرداً منتجاً يتميز بتحديه للإعاقة وقهره للعجز، وانخراطه في المجتمع بشكل يشابه الأفراد العاديين الأصحاء. د.محسن الحازمي جهات حكومية وعلّق "د.مفلح بن ربيعان القحطاني" -رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان- على موضوع توظيف المعوقين قائلاً: بلاشك نظام المعوق يقابل أربعة مواطنين أثناء السعودة في التوظيف، الأمر الذي يُعد داعماً للجهات من أجل الترحيب بهم وتوظيفهم، مؤكداً على أن الجمعية رصدت عددا من الملاحظات أثناء توظيفهم، منها عدم تهيئة بيئة العمل بتصميم هندسي يراعي نوع الإعاقة، ما يدفع تلك الجهات إلى التفاوض معهم لبقائهم في منازلهم دون تكليفهم بالحضور، إضافةً إلى إعطائهم رواتب بسيطة من أجل نظام السعودة، مشيراً إلى أن الجمعية استقبلت مجموعة من الطلبات المتعلقة بتوظيفهم من كلا الجنسين، بالإضافة إلى المطالبة بحصولهم على بعض الاحتياجات مثل الكراسي المتحركة وغيرها، كما تظلم البعض منهم من عدم حصوله على بعض الحقوق، مبيناً أن الجمعية سعت في حلها والمطالبة بها، ذاكراً أن موضوع توظيف المعوقين مرتبط بعدة جهات حكومية، وتمت مخاطبة تلك الجهات بخصوص حقوق المعوق، وأصدر كتاب عن ذلك؛ من أجل مساعدتهم للمطالبة بها، مبيناً أن تشريع عدد من المزايا المتعلقة بعمل المعوقين سواء في القطاع الحكومي أو الخاص بحاجة إلى دراسة متعمقة، والاطلاع على القواعد النظامية، من أجل تقديم رؤية شاملة. أنور الصقعبي حق مشروع وقدّر "د.مازن خياط" -عضو اللجنة الاجتماعية والأسرة والشباب بمجلس الشورى- نسبة توظيف المعوقين والمعوقات بأنها نسبة متدنية، بل ولم يتم توظيفهم على أكمل وجه، حاثاً أفراد المجتمع والجهات الحكومية والمؤسسات الخاصة على تفهم أهمية توظيفهم، معتبراً ذلك حقا مشروعا لهم، كون لدى العديد منهم كفاءات في عدة مجالات مختلفة سواء كانت طبية أو صناعية أو هندسية، ومن خلال تلك الكفاءات يمكن الإفادة من الموهبة والطاقة والقدرة التي يحملونها، وهذا ما يقود إلى التقليل من الإعانات التي تقدمها لهم الدولة، إلى جانب أن توظيفهم يساهم في الحد من معاناتهم النفسية والجسدية والاجتماعية المتزامنة مع إعاقتهم. وانتقد "د.محسن علي الحازمي"- عضو مجلس إدارة جمعية الأطفال المعوقين وعضو جمعية حقوق الإنسان- نظام توظيف المعوقين الذي لم يطبق بشكل واسع، وقال: هناك حاجة إلى إلقاء الضوء على أهمية توظيفهم، ومتابعة التحاقهم بالعمل، ومن ثم تقييم عملية التوظيف، وهل هي شاملة وكافية ومناسبة لكل فئة من فئات الإعاقة، إضافةً إلى دراسة الصعوبات التي تواجههم أثناء التوظيف وتذليلها، مطالباً وزارة العمل وجمعيات المعوقين ومراكز البحوث في الجامعات بإجراء دراسة تتعلق بتوظيفهم وتقييمها- مع دراسة أسباب عدم قبولهم ومعوقات ذلك، إلى جانب تمويل تلك الدراسة ودعمها. ..وآخران يشتكيان من استغلال القطاع الخاص لمعاناتهم