لم تكن "أمل" تركز عينيها على القريب منها في الأحلام، بل كانت دائماً عيناها معلقتين بالبعيد، بالمستحيل، بغير الممكن، فهي فتاة تنتمي إلى أسرة بإمكانات محدودة جداً، وسط اجتماعي بسيط، وعلى الرغم من أنّ أفراد أسرتها يطلبون منها أن تحجم مستوى الطموح لديها لأنّ ما ترسمه بداخلها صعب التحقيق، إلاّ أنّها دائماً ما كانت تعلق: "سترون"، وفي كل مرة تخرج إلى الأماكن العامة تركز عينيها على مبنى تجاري ضخم، وتشير إليه محدثةً أمها: "يوماً ما سأمتلك مثل هذا المبنى، وسأبني لنا قصراً نعيش فيه، يحتوي على حديقة كبيرة، وملعب أطفال"، فيما تنشغل عنها والدتها بتوزيع الشطائر، قبل أن تعلق: "احلمي على قدك يا بنتي، نحن وين وهذا المبنى وين؟"، لكن "أمل" تستمر في حلمها بأن تكون سيدة مجتمع يشار لها بالبنان، وأن تحقق آمالها الكبيرة. ومع التغيّر الاقتصادي والتقني والاجتماعي الكبير الذي طرأ مؤخراً؛ ظهرت في الوقت الحالي الأسرة المتغيّرة التي لم تعد طموحاتها وأحلامها بحجم إمكاناتها، فأفراد الأسرة أصبحوا يطلبون بشكل يفوق طاقاتهم الإمكانية، فالحلم أصبح يرافق جميع أفراد الأسرة، إلاّ أنّ تلك الأحلام لم تعد بسيطة كما كانت في السابق، بل أصبح الحلم كبيراً، إذ تمدد حتى أصبحت بعض الأسرة البسيطة تحلم بأن تسافر إلى دولة أوروبية، وأن تقيم في أغلى الفنادق، وربما حلم البعض أن يقفز فوق جميع الحواجز المادية، ليصل بالطموح إلى مستوى بعيد جداً عن الواقع؛ مما يخلق تساؤلاً: أين هي المشكلة؟، هل هي في الحلم الذي تضخم نتيجة المعطيات والتغيرات؟، أم في كيفية تحقيق الحلم؟، أم هي في الإمكانات التي تحد من مستوى الحلم ليتحول لدى البعض لمجرد كابوس؟ طموح أناني وذكر "حمود خليفة" أنّ طموح الأبناء داخل الأسرة أصبح كبيراً، حتى أنه بات من الصعب على رب الأسرة أن يجاريها، فنموذج الابن القنوع والابنة الراضية لم يعد موجودا مع التغيير الذي طرأ على المجتمع، حيث انّ حجم الاستهلاك زاد حتى وصل إلى التضخم!، والمعطيات والمغريات متعددة ويصعب مقاومتها، والقدرة المادية للموظف مهما كانت جيدة فإنّها تقف عند جميع تلك الطموحات عاجزة ، فالابن الكبير في الأسرة يحلم بأن يدعمه أبوه حتى يتزوج، وإذا دفعه إلى الزواج أصبح يطلب منه ليسافر مع زوجته في إحدى الدول المكلفة، والزوجة تحلم ببيت عمر يفوق تصورات المحيطين بها من الأقارب، والابنة تحلم بأن توفر لها جميع وسائل الاتصال والترفيه الذي تشاهدها لدى صديقاتها، وبات الجميع يحلم حتى تضخم مع أحلامه، فلم يعد يرى ما تحت قدميه. وأشار إلى أنّه من الجميل أن يكون لدى الأسرة طموحات، ولكن لابد أن يكون المرء عادلاً فيما يتصوره، فهناك أحلام تأتي وتتحقق لكنها على حساب راحة الآخرين، وهناك أحلام تذهب من أجل الآخرين، ويجب على جميع أفراد الأسرة أن يدركوا تلك المعادلة، لافتاً إلى أهمية أن يكون لديهم القدرة على ترتيب الأولويات، واحترام الإمكانات المتاحة مع تطويرها -إن أمكن ذلك-، موضحاً بأنّ الأبناء أصبح لديهم من الطموحات مادفعهم لأنّ يتحولوا إلى أنانين غير قادرين على التفكير إلاّ بما يطمحون إليه. مشاعرك جزء من أحلامك التي لا تنهزم أمام الآخرين «عدسة: هنادي العبدالسلام» انتقي أحلامك ورأت "ابتهال عبداللطيف" أنّ واقع الأسر تغيّر عن السابق كثيراً؛ بسبب التغيّر الكبير الذي طرأ في المجتمع، فأصبح كل شيء لا يتحقق إلاّ بالمادة، وبمدى قدرة الفرد على أن يجاري الإستهلاك المتضخم الموجود في كل مكان، إلاّ أنّ المشكلة ليس في حجم الطموح والأحلام، بل في النظرة لتحقيق تلك الطموحات، مشيرة إلى أنه من الجيد أن يكون لدى المرء داخل الأسرة أحلام يرغب في أن تتحقق، ولكن عليه أن يعرف كيف يسعى في ذلك، حتى لا تكون على حساب الآخرين، بمعنى أن لا ينتظر من يأتي ليحقق عنه تلك الأحلام. وأضافت أنّه من المهم جداّ أن تعمق الأسرة ثقافة انتقاء الطموحات، ولابد أن يسهم فيها الوالدان مع الأبناء بشكل جيد، مع التوضيح لهم بأن هناك أحلاما لابد أن تكون قريبة التوقيت، فيما يجب أن نحتفظ ببعضها بقلوبنا، حتى يأتي موعدها لتتحقق، مشددةً على ضرورة أن نعوّد الأبناء على تفهم الحلم وليس تحجيمه، فليس كل الأحلام قابلة للتحقق، وليس كل الأحلام هي مفيدة وجيدة لنا، فالطموحات يجب أن تختلف، كل بحسب ما يحتاجه في الحياة، وليس بالضرورة أن يكون لدى ابن أخي جهاز خلوي باهظ الثمن لأحلم بأن يكون لدى ابني ذات الجهاز، فالأحلام لابد أن تحمل التخصيص في شكلها. أحلام الطفولة تكبر مع كنز القناعة تسطيح الأحلام وانتقدت "أم باسم" بعض طموحات الأبناء والتي تفوق قدرة الوالدين، حيث أصبح البعض يحلم بأمور غير هامة لمجرد أنها تشاهد لدى الآخرين، معتبرةً أنّ المشكلة الكبيرة حينما نجد بأن الأسر البسيطة بإمكاناتها المحدودة تفكر بذات الطريقة، بدل أن تنمي دخلها بمنجز يدر عليها فوائد جيدة، مشيرة إلى قصة جارتها التي تعاني من ضعف إمكاناتها المادية مع زوجها، وعائدهما يعتمد على راتب بسيط وبعض الإعانات من الجمعيات الخيرية، وحينما ظهر للزوجة إرث بمبلغ بسيط يصل إلى (10.000) ريال؛ فوجئ الجميع بأنها استهلكت المبلغ على أمور غير مهمة، فاشترت لابنها الصغير البالغ من العمر (9) سنوات جهاز آيفون، ولابنتها جهاز محمول ب(3000) ريال، وسافرت الأسرة ببقية المبلغ إلى إحدى الدول الخليجية القريبة، ولم تستثمر في أي شيء نافع، وحينما سألها من حولها عن سبب تصرفها ذلك علّقت بأن أبناءها كانوا يحلمون بتلك الأشياء، ففضلت أن تحقق لهم ما يحلمون به!، موضحةً أنّ الإشكالية بأنّ مستوى الحلم أصبح مسطحا وساذجا لا يرتقي إلى تعبير مفردة "حلم"، فالجميع يحلم بما يوجد لدى الآخرين، لمجرد أن يغرد بداخل السرب وليس خارجه. تطور هائل وقالت "منال الصومالي" -أخصائية اجتماعية في مستشفى الملك فهد بجدة-: "التغيّر هو الهدف الوحيد الذي يعيش عليه الفرد والمجتمع، حيث يُبني على طموحات وأحلام، والطرق الكفيلة بتحقيق الطموحات مختلفة ومتعددة، كأن يتم ربط الأهداف بمبادئ الأسرة وتحديد وتوضيح الآليات الخاصة التي تكفل تحقيق تلك الأحلام"، منوهةً بأنّه لم يعد في الوقت الحالي من الممكن تحجيم الأحلام بحسب إمكانات الأسر، حيث انّ التطورات التي حدثت على مستوى الاتصال هائلة، من خلال التقنية أو التعليم، وأصبح من السهل الاطلاع على تجاربها من خلال وسائل الاتصال الحديثة. التخطيط يحقق الأحلام وإن كانت صعبة حقوق الآخرين وأوضحت "منال" أنّ الإغلاق لم يعد ذا جدوى بداخل الأسر بتحجيم الأحلام والطموحات فيها، فمن يطبق ذلك الأسلوب لم يعد يستطيع أن يحصر الطموحات للأبناء في زاوية ما، معتبرةً أنّ الأسر والمجتمعات التي تحجم من مستوى الطموحات غالباً ما تكون لديها مشاكل، بحيث تكون غير مستقرة، أما النموذج الآخر المستقر من الأسر والمجتمعات فإنّها لا تحجم الأحلام، بل تكون منشغلة بالإنجاز والإنتاج، حيث انّ أي انجاز -على المستوى الفردي أو الجماعي- كانت بدايته حلم. وأضافت أنّ محاولة البعض لأن يحبط من الطموحات بأن يقول للأبناء "احلم بقدر معطياتك" فإنّ تلك المقولة لن تؤدي إلى صناعة الإنتاج، فهي لن تقدم التطور في الحياة، فكلما كبر الحجم كلما زادت الرغبة في تحقيقه، وكلما زاد التغير كلما تحقق ذلك الحلم، وحتى الأسر البسيطة يحق لها أن تحلم، فمن يملك العقل يحق له أن يحلم بقدر ما يستطيع أن يرى ذلك الحلم، ويحق له تنفيذ ذلك الحلم شريطة أن لا ينتهك حقوق الآخرين.