يحلم "أحمد" بامتلاك ثروة مالية تلبي احتياجاته وطموحاته، ويحرص على المشاركة في جميع المسابقات التلفزيونية أو الإذاعية، غير مبالٍ بما يتكبده من خسائر تفاقم ضائقته المالية التي يعيشها، ويستنجد بمن حوله لمساعدته في الخروج من نفقها المظلم، وأحياناً ينصاع وراء الشائعات التي تروج إمكانية الإعلان عن زيادة في الراتب، وقد تتوسع دائرة أحلامه فيتخيل أنّ السماء قد تمطر ذهباً فوق رأسه أو أنّه قد يصبح أحد الأثرياء بعد أن يرث أحد أقاربه الذي يعيش في الطرف الآخر من الكرة الأرضية، ولا تكاد تنتهي أحلام اليقظة لديه بامتلاك ثروة. ويردد غالبية أفراد المجتمع أنّ الراتب لا يفي بمتطلباتها، ولذلك تحاول أن تبحث عن حلٍ أحياناً يكون مؤقتاً لدى الآخرين، وذلك بسلفة تسدد آخر الشهر أو بعض الحلول العاجلة دون أن يكلّف نفسه محاولة البحث عن حل في داخل نفسه، وأحياناً لا يمانع هذا الشاكي من أن يظل مكتوف اليدين وعاجزاً عن الحركة، فالمهم أن يأتي الحل من الآخرين!!. الأحمري: «الطبقة الوسطى» تعاني من الضغط المادي سلم الرواتب وقال "د.عبدالوهاب القحطاني" -أستاذ الإدارة الإستراتيجية وتنمية الموارد البشرية بجامعة الملك فهد-: "شكوى المواطن بأنّ راتبه لا يفي بمتطلباته الحقيقية، وذلك نتيجة أنّه لم يحدث تحسين لدخل المواطن في ظل غلاء المعيشة وتناقص فرص العمل في السوق السعودي، ولم يحدث أي تغيير جوهري في سلم الرواتب منذ حوالي (40) عاماً، في الوقت الذي تتناقص فيه القوة الشرائية للريال السعودي بحوالي (60%)، ولذا من الضروري أن يكون هناك تعديل في سلم الرواتب للقطاعين الخاص والحكومي؛ لمواكبة ما يحدث من تضخم مالي يؤثر في ارتفاع تكلفة مستوي المعيشة، وحتى يستطيع المواطن إدارة دخله لتلبية احتياجاته المعيشية، حيث إنّ هناك مشكلة حقيقية في كيفية إدارة المواطن لدخله الشهري، والتي لها علاقة كبيرة في تلبية احتياجه، وكلما كان يصرف بترشيد محكم كانت لديه الاستطاعة في عدم الاستدانة أو عدم اللجوء للآخرين في تلبية الفجوة المالية بين ما يحتاج وبين الواقع، وذلك عندما ينفق على أشياء غير أساسية؛ ما يجعله يحتاج المزيد من الدخل لتلبية الاحتياجات الأساسية". د.القحطاني: سلم الرواتب لم يتغيّر منذ (40) عاماً.. تضخم مالي وأضاف "د.القحطاني": "نحن لا نعيش الآن في طفرة الثروة البترولية، بل نعيش في ثورة سكنية متزايدة ومصاريف حكومية على مشروعات ساهمت إلى حد كبير في التضخم المالي بالمملكة؛ ما يشير إلى أهمية أن تكون الحكومة شريكاً في حل المشكلة، من خلال تعديل الرواتب بطريقة لا تضر بميزانية الدولة ولا تؤثر على احتياجات المواطن الأساسية، في ظل أسعار مستقرة للبترول خاصة وأنّه قد مضي وقت طويل على تعديل الرواتب، بما يستدعي إعادة النظر في زيادتها بما يتوافق مع التضخم المالي الذي يحصل في المملكة، والذي عاشته جميع دول العالم وواجهته بتعديل الرواتب، وزاد مستوى المعيشة في تلك البلدان بما يتوافق مع التضخم المالي". د.الشيخ: نحتاج توازناً ما بين فرص العمل ودعم الدولة مستوى المعيشة وأشار "د.القحطاني" إلى أنّ تكلفة مستوى المعيشة بالمملكة في تنامي مستمر؛ ما يضغط على أفراد الأسرة في البحث عن المزيد لتوفير مستلزماتهم، وقد يحتاج البعض من المواطنين للأقارب والأصدقاء لمساعدتهم في مواجهة مستوى المعيشة المتصاعد، إلى جانب أنّ وزارة التجارة والصناعة تحتاج للمزيد من الحزم والصرامة في التحكم بالأسعار بمنطق (لا ضرر ولا ضرار)، بحيث لا يتضرر التجار ولا المستهلك، مبيّناً أنّ الضائقة المالية التي يعيشها المواطن من ذوي الدخل المحدود بعد تضخم اسعار المواد الاساسية الغذائية دفعت المواطن لأن يرمي همومه المالية على الآخرين، منوهاً بأهمية أن يعي الموطن كيفية إدارة شؤونه المالية بطريقة حكيمة، ويستغني عن التبذير والصرف في أشياء غير أساسية. العمل في بيع الخضار والفواكه يدر ربحاً وفيراً تقليد البذخ وبيّن "عبدالله الأحمري" -كاتب ومحلل اقتصادي- أنّ المشكلة الحقيقية تكمن في النظر للطبقية العالية ومحاولة تقليدها، فالذين يستطيعون أن يصرفوا ببذخ يحاول البعض أن يجاريهم في تصرفاتهم، وهذا بمثابة انتحار المالي للأسرة ولمن يقدم على هذا العمل؛ لأنّه يدرك أنّ نهايته محتومة، ويعي أنّه يتجه بمصيره إلى المجهول عندما يتحمل أعباء مالية من أجل التقليد الأعمى، حتى وإن جاءت مكرمة لم تكن في الحسبان فإن التعامل معها يكون بعشوائية، مقترحاً أن يتخذ من يشتكي من تدني راتبه من الحي الذي يقطن فيه أو أحد الأحياء الفقيرة مكاناً وباع فيه بعض الخضار والفواكه للأسر المحتاجة بسعر رمزي، لوجد لنفسه دخل آخر حتى، وإن كان بسيطاً، أو أن يعمل سائق "ليموزين" بعد انتهاء دوامه. وقال:"هناك بعض الوظائف التكميلية التي يستطيع اللحاق بها في الوقت الإضافي له، والتي تعرضها بعض المؤسسات والشركات والدولة سمحت بممارسة ذلك، ولكن المشكلة من الذي يستطيع الاعتماد على نفسه دون أن يجعل الناس تبحث له عن حلول، ويستطيع المواطن ان يتدبر أموره بتقليص المصروفات في أضيق الحدود". أنماط المجتمع وأوضح "د.عبدالغني الشيخ" -أمين عام الغرفة التجارية ببيشة سابقاً- أنّ المجتمع يتكون من عدة أنماط؛ منهم الاتكالي الذي يعتمد على الآخرين في مأكله ومشربه وجميع أمور حياته، ويتعالى حتى على العمل ورغباته وحاجاته الأساسية، والمشكلة أنّ الدعم لهذه الفئة أصبح أكثر من الدولة كلما اشتكوا وتعالت أصواتهم، وساهم في ذلك الإعلام. د. عبدالوهاب القحطاني وقال:"لا أنكر أنّ هناك فئة ضعيفة جداً وتحتاج لتحسين أوضاعها وتنمية دخلها، وشريحة أخرى نسبتها كبيرة من المجتمع دخلها ضعيف ولا يفي لاحتياجاتها الحياتية، خصوصاً مع تنامي الغلاء وارتفاع مستوى المعيشة، وهذة الفئة تدعمها الدولة وتدعم نسبة البطالة وضعف المشاركة في التنمية ورفع الدخل، ونتيجة لذلك أصبحت هي الشريحة البارزة في المجتمع ويتعالى اصواتها ويدعمها الأعلام في كثير من المناشط، و(الفئة الثانية) هي الفئة التي تحاول تطوير نفسها وتوسع من مصادر رزقها وترفع من دخلها ومعيشة أبنائها، وهي الفئة تقريباً السائدة في المجتمع، وتشمل الموظفين الذين يتقاضون راتباً ثابتاً لا يتحرك إلاّ بمحرك خارجي عبارة عن محفزات خارجية، و(الفئة الثالثة) المحفزة للغير فهي لا تكتفي بتحفيز نفسها بل تساهم في تحفيز الغير، ولا تكتفي بتطوير نفسها النشطة الباحث عن مصادر رزق متعددة ومنهم من يساهم في تطوير نفسه". د. صالح الدبل وأضاف أنّ الحلول المقترحة تكمن في إضافة توازن في التنمية، فالإمكانات متوفرة، ولكن يجب أن يكون هناك توازن في التنمية بين فرص العمل وما تقدمه الدولة، حتى يكون هناك تساوي في الفرص بين أفراد المجتمع، بمعنى أنّ الجميع يجب أن يعمل فلا تكون هناك طبقة كادحة بنسبة كبيرة في وقت اتسعت فيها الطبقة المخملية على حساب الطبقة الفقيرة، والطبقة المتوسطة بدأت تتلاشى؛ بسبب الضغط المادي للمعيشة. نتاج تربوي وشدد "د.صالح الدبل" -استشاري علم الاجتماع- على أنّ الاتكالية أصلها جزء من التربية وتحدد من عمر السنوات الأولى للطفل، فالإتكاليون يعتبرون أنّ العمل والجد وزيادة الدخل أمر لا داعي له، ويركزون على موعد وصول الراتب الشهري، وهذه الإتكالية ناتجة من التربية، حيث إنّ بعض الآباء لا يحفزون أبناءهم على العمل والجد والتحصيل والكسب، وعندما يلاحظ الأصدقاء صديقاً لهم قد تفوق أو اجتهد يصفونه بأوصاف غير جيدة، فمن يعمل لساعات طويلة يعتبرونه شخصاً يتعب من أجل المادة وأنّ حياته ضائعة، وهذا يرسخ مفهوم الاتكالية لدى الأفراد، ولذلك يجب أن تضطلع المدرسة والبيت بدور كبير تجاه النشء، من حيث تدريبهم وتعويدهم على البيع والشراء، والبيت يشجعهم على العمل ومكافأتهم بمبالغ رمزية يتم وضعها في الحصالة، ويستخدم المال الذي ادخر في شراء حاجياته البسيطة، وبالتالي ينمي ذلك حس الاعتماد على النفس. د. عبدالغني الشيخ