لم تتناقل الجماهير الرياضية السعودية عبارة كما هي "متصدر لا تكلمني" الذي يعد واحدا من أكثر هاشتاقات "تويتر" تفاعلا وشهرة، والأكثر حضوراً في مجالس الرياضيين، بل وحتى يتداولها كثير ممن لا ينتسبون للوسط الرياضي، وحين أقول إن الجماهير الرياضية عموماً تتناقلها ولم أقتصر ذلك على جماهير النصر فإني أعني ما أقول، لقد حظيت العبارة التي يتغنى بها النصراويون بعد عودة فريقهم لصدارة ترتيب الدوري السعودي وسيطرته على ترشيحات حصوله على اللقب الكبير بعد طول غياب، وسط مستويات فنية عالية. وبالعودة للعبارات التي تتردد كل موسم بين الرياضيين نلحظ طغيان السخرية من المنافس على الإشادة بالفريق المحبوب، وهو ما جعلها عبارات غير مقبولة في مجتمعنا فتجد انتقادات شديدة من العقلاء؛ في الوقت الذي نجحت فيه "متصدر لا تكلمني" نجاحا باهراً، فأخذت بعداً اجتماعياً نظير بساطتها، وعدم إساءتها للمنافسين، فتواجدت بقوة في مجالس الشباب وحتى الكبار، ويتناقلها الموظفون والمراجعون بأسلوب لا يخلو من اللطافة، كما أن طلابنا المبتعثين شاركوا في نشر العبارة بأساليبهم الخاصة المحببة عبر حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت أحد جسور التواصل معهم، وآخر ما تابعناه سيارة العريس متوجها لحفل الزفاف وقد تزينت باللونين الأصفر والأزرق وورود وقلوب وكتب في الزجاج الخلفي عبارة "عريس .. لا تكلمني". وكان البعد الفني حاضراً مع الأيام الأولى لانتشار هذا الهاشتاق، حين قدم ملحن (الأماكن) ناصر الصالح والشاعر المعروف عبدالله أبو راس عملاً فنياً حمل اسم "متصدر لا تكلمني"، لتتغنى بها الجماهير دون المساس بكرامة أحد، وفي حال كان الصالح ملحناً مشهوراً على مستوى الفن وأهله كما هو حال من هم خلف الكواليس تصدى لغناء هذه الأغنية لإدراكه بأنها ستكون بوابة شهرته الواسعة بين الشباب. ولم يترك الاقتصاديون الفرصة لالتقاط الأنفاس حتى حاكت شركة الاتصالات السعودية هذه العبارة الأسبوع الماضي حين أعلنت عن مسابقة عنوانها "متمسك .. لا تكلمني" لجذب عملائهم من الشباب وغيرهم، وسنشاهد قريباً تحول هذه العبارة وما هو قريب منها لأسماء تجارية. لقد أثبتت "متصدر لا تكلمني" أن الرياضة ذات تأثير كبير على المجتمع السعودي بكل مجالاته وفئاته وأعماره من الجنسين، وهو ما يفتح أبواب تساؤلات عدم الاستفادة المثلى للأندية استثمارياً كما يجب وسط هذا الاهتمام المجتمعي اللافت بالرياضة، وأجدني مسانداً لمثل هذه العبارات اللطيفة التي تكشف فخر قائليها بناديهم، وتخلو في الوقت ذاته من الإساءة للمنافس والتي تعزز رفض العبارات الخادشة للحياء، وتلك العنصرية، وكل ما يمس الأندية والمنتسبين لها. لقد قدم المجتمع السعودي صورة مثالية لدعم المنافسة الشريفة، والترحيب بالعبارات التي يفخر بها العاشق بناديه؛ مع نبذ التعصب والألفاظ الجارحة، التي ماتت في مهدها في زمن يشعرنا بتفاؤل أن الثورة التقنية ومواقع التواصل المنتشرة باتت قائدة لكل ما هو جميل.