الساعات الأخيرة، للصيف! والعد التنازلي بدأ، ولابد أن إعلانات العودة إلى المدرسة تملأ شوارع مدننا وشاشات التلفزيون، فأحسن طريقة لتقبل فكرة العودة للعمل وترك الصيف بكل لحظات الراحة التي فيه هو أن تنفق بعض المال، وتشتري حقيبة جديدة ومقلمة آخر موديل أو اكسسوارات من برادا وجوتشي أو سيارة جديدة، فاقتناء الأشياء علاج نفسي فعال! اسألوا مدمني الأسواق فهم يعرفون أكثر من أي معالج أو طبيب نفسي أفنى نصف عمره بين أحضان الكتب وفي ردهات المستشفيات! ونحن في هذه اللحظات الأخيرة من الصيف، نحاول أن نوقف الزمن، نريد أن نتشبث بأوقات الصفاء هذه بأي طريقة، سواء أقضينا صيفنا في حجرة مغلقة نطالع كل برامج القنوات الفضائية أو نقلب صفحات كتب جمعناها على مدار العام، أم نتسوق في الرياض أو جدة أو لندن أو نيويورك أو باريس أو ميلانو، أو نتجول في جبال الألب أو في مسارح «الويست إند» أو مكتبات شيرنج كروس أو شارع تيرمونت أو في دورة نتعلم فيها لغة جديدة أو برنامج كومبيوتر أو شيئاً عن السيطرة عن النفس وتطويرها، أو حتى تنتقل بين حفلة وأخرى أو زواج وآخر، أو على ضفة المحيط نطالع هؤلاء الذي يمارسون رياضة التزلج على الماء أو يصيدون أو يتأملون الموج الذي يذكرك بالدنيا والناس بكل اختلافاتهم وتشابهاتهم. أينما كنت؟ ومهما كنت تفعل؟ ومهما قضيت وقتاً على الهاتف تتحدث عن شوقك للعودة للعمل للمدرسة للانشغال وكيف أن ساعات الراحة والتأمل أو المرح والانشغال كانت ممتعة وزودتك بما يكفي لتبدأ عاماً دراسياً أو عملياً جديداً. لكن شيء ما في داخلك يريد أن يبقى في منطقة الراحة هذه، يريد أن يعيش هذه الأيام مرة أخرى أو يخطط لأن يعيشها في العام القادم، وهو لا يدري ان الأشياء تتغير وأنه هو يتغير وأن ما يبهره اليوم قد يثير ملله غداً أو ما يشغله في هذه اللحظة قد يريد أن يهرب منه غداً، وانه هو قد لا يكون هو غداً أو قد لا يكون موجوداً على ظهر هذه الأرض غداً. كما قلت لكم ينتهي الصيف ونحن نوعد أنفسنا بأننا سنعود لنفس المكان ونقوم بنفس الأشياء ونظن أننا سنعيش نفس المشاعر، ونفس درجة الاستمتاع وننسى أننا نتغير نظرتنا للأشياء تتغير وأن كل يوم مختلف، بكل ما فيه من روتين هو مختلف، لذلك قد نصاب بخيبة أمل حين نعود لمكان ما ونظن أننا سنعيش فيه ما عشناه في الماضي. وكما تصيبا الأماكن بخيبة أمل يصيبنا الأشخاص بخيبة أمل أكبر. بيني وبينكم حين بدأت كتابة المقال لم أكن أتوقع أنني سأنهيه بهذه الطريقة!