الفنان عبد العزيز الحماد من جيل الرواد في الحركة الفنية السعودية، واكب ولادة التلفزيون والإذاعة ومن خلالهما سطعت نجوميته، كما أن أبا حسام من أوائل الفنانين التشكيليين الذين مارسوا هذا الفن وأقاموا معارض لأعمالهم، ولعل تجربته الأولى في المنطقة الشرقية هي التي شكلت منه ذلك الفنان وعلمته الصبر والاستمرار، هذه الحادثة وغيرها من الذكريات الجميلة سنعرفها في لقائنا هذا الذي كشف لنا عن مدى ثراء وجمال تجربة الفنان الكبير عبدالعزيز الحماد: @ متى كانت بداية الفن وميلاده عند عبد العزيز الحماد؟ - كانت اللحظات الأولى التي غرست الفن في روحي هي حبي لحصة التربية الفنية عندما كنت أدرس في سنواتي الأولى في عدد من قرى ومدن المنطقة الوسطى، حيث وهبني الله هواية الرسم إلى جانب تفوقي في دراستي وحبي للنشاطات وإعداد المسابقات وتأليف المسرحيات المدرسية والتمثيل، لذا كان الكل يطلبني، واذكر أنني في الصف السادس الابتدائي ترددت بين أربع مدارس في (أثيثة) و(شقراء) و(الدلم) وصولاً إلى العاصمة (الرياض)، كل هذه الأمور أسهمت في بداية تغلغل الفن في روحي. @ ومتى كانت البداية الفعلية؟ - عندما انضممت إلى معهد إعداد المعلمين، واخترت مباشرةً قسم التربية الفنية الذي كان معلموه من خيرة الفنانين العراقيين الذين تعاقدت معهم وزارة المعارف لتدريس الطلاب السعوديين في المعهد، وقد كان لهم أثر كبير في تعزيز موهبتي في الرسم، فعلى يد هؤلاء الأساتذة الأفاضل تتلمذت وتعلمت مبادئ الفن التشكيلي، وفي هذا الصدد أتذكر معلمي الأول (الأستاذ عصمت) أيام المراحل الابتدائية الذي أهداني وأنا في التاسعة من عمري علبة ألوان مائية كان لها أثر كبير في حبي واتجاهي إلى الفن. @ ومتى مارست الفن التشكيلي كمهنة؟ - في الحقيقة لا أخفيك أن الرياض في ذلك الوقت لم تكن أرضاً مناسبة لبدايتي كفنان، حيث كان الفن لا يعني الشيء الكثير فيها، كان مجرد فكرة غير واضحة المعالم، لذا اخترت المنطقة الشرقية لتكون محطتي الأولى وأقيم أول معرض لي فيها. @ لماذا المنطقة الشرقية بالتحديد؟ - لأنها كانت أكثر انفتاحاً وقبولاً للفن، فوجود شركة (أرامكو) ساهم بالتأكيد في ارتفاع نسبة الوعي عند سكان المنطقة، لذا انطلقت في منتصف الستينات الميلادية تقريباً إلى مدينة الخبر وسكنت في بيت أختي حاملاً معي لوحاتي الأربعين، وكلي أمل بأن أصبح في يوم من الأيام فناناً شهيراً في بلادي!. @ أشعر بشيء من الخيبة تعتري نبرتك.. أولم تصبح فناناً شهيراً؟ - ليس بهذا المعنى، فعلاً أصبحت مشهوراً لكن ليس في المجال الذي كنت أود أن أشتهر فيه، فأول معرض أقمته في المنطقة الشرقية كاد أن ينهي ارتباطي بالفن التشكيلي للأبد!. @ وماذا حصل في ذلك المعرض؟ - بعد أن وصلت إلى مدينة الخبر قمت بتوزيع الدعوات في كافة أنحاء المدينة، وخصصت دعوة قمت بإرسالها إلى محافظ المنطقة الشرقية في ذلك الوقت (الأمير عبدالله بن جلوي) الذي وعدني بالحضور، ثم اتفقت مع مدير إحدى المدارس على إقامة المعرض فرحب بي على الفور، وتلك كانت لحظة السعادة الوحيدة التي عشتها في ذلك اليوم، فبعد أن رتبت كل شيء على أحسن ما يرام، فوجئت بعدم حضور أي أحد في الوقت المحدد، وبعد مضي ساعات من افتتاحي للمعرض لاحت في الأفق سيارة قادمة خرج منها رجل يقول إنه من طرف الأمير عبدالله بن جلوي وأخبرني أن الأمير اعتذر لظرف طارئ ألم به في اللحظات الأخيرة، فأعطيته المقص ليقص الشريط ويفتتح المعرض، وقد كنت وإياه الوحيدان اللذان تجولا في أول معرض أقمته في حياتي!. @ هل أصبت بخيبة أمل بعد هذه الحادثة؟ - أصبت بخيبة أمل نعم، لكنني لم أفقد الأمل ولم أقرر العزوف عن الفن التشكيلي كما كان غيري سيفعل لو قُدر له أن يعيش مرارة التجربة التي عشتها في معرضي الأول في المنطقة الشرقية التي أصررت على المحاولة مرة أخرى وإقامة معرض ثان فيها ولا أعلم لماذا؟ هل هو نوع من رد الاعتبار أم هو حدس الفنان بأنه سيصيب هذه المرة، وهذا ما حصل بالفعل حيث كان معرضي الثاني الذي أقمته ناجحاً بكل المقاييس. @ إذن بعد النجاح في الشرقية ألم تفكر بإقامة معرض في الرياض؟ - في منتصف السبعينات الميلادية أقمت معرضي الأول في منطقة الرياض وكان من ضمن الحضور صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل الذي كان مديراً لرعاية الشباب حينها، وأذكر أنه أبدى إعجابه بأعمالي وأشترى بعضها. وهنا لابد أن أذكر موقفاً حصل لي في العام 1985حين حضرتُ معرضاً تشكيلياً لسموه في الرياض وقد ظننتُ حينها أنه لن يتذكرني وإذا به يقترب مني ويخبرني بأن اللوحات التي اشتراها من معرضي الأول في الرياض لا يزال يحتفظ بها في بيته. @ طيب حتى الآن عرفنا عبدالعزيز الحماد الفنان التشكيلي.. ماذا عن عبد العزيز الحماد النجم التلفزيوني؟ - قبل مرحلة التلفزيون كان التمثيل على المسرح بالنسبة لي هوايتي المفضلة بعد الرسم، وأذكر أنه في أيام دراستي في المعهد كنت أنا وزميلي (محمد الطويان) ومجموعة أخرى من الزملاء نمثل في مسرحية تدور أحداثها في الغرب الأمريكي، وكنت ألعب دور كاوبوي والطويان دور واحد من الهنود الحمر، وقد كنا نحب الأفلام الهوليودية كثيراً حيث كنت مع زملاء المعهد نستأجر كل أسبوع آلة العرض السينمائية مع مجموعة من أفلام الويسترن وكان نجمنا المفضل حينها (جون واين)، المهم أنه في أثناء عرضنا للمسرحية كان من ضمن الحضور مخرجان يعملان في التلفزيون وهما (محمد المضراب) و(بشير مارديني)، وقد أعجبا بما قدمناه في المسرحية فطلبا منا الحضور إلى مبنى التلفزيون والمساهمة في تمثيل المسلسلات والبرامج الذي يعرضها التلفزيون الذي لم يتجاوز عمره في تلك الفترة السنتين حسب ما أذكر. ويبدو أن محطاتي الأولى دائماً يجافيها النجاح، فبعد أن ذهبنا أنا ومحمد الطويان تعرفنا هناك على أحد الأشخاص كان يعمل مصوراً فحياه أحدنا وبادر هو برد التحية بصوت عال مما أحدث بعض الضوضاء في المكان، فخرج علينا أحد كبار المسؤولين في التلفزيون معنفاً، وعلى إثر ذلك خرج بشير مارديني الذي تنصل من معرفته بنا خشية غضب ذلك المسئول!. @ وماذا فعلت بعدها؟ - اتجهت إلى المسرح، وكان من بين المسرحيات التي شاركت فيها مسرحية بعنوان (ثمن الفداء) للكاتب الراحل (عبدالحليم عبدالله) ومن إخراج الأستاذ (محسن الغزاوي) الذي عرفني على المخرج المبدع (سعد الفريح) رحمة الله عليه الذي عملت معه أول مسلسل تلفزيوني. @ وما هو عنوان ذلك المسلسل؟ - (الوجه الآخر) الذي كان من كتابتي ومن إخراج الفريح وكان ذلك في عام 1968م، وتدور أحداث العمل في إطار نقدي حول المشاكل الإدارية المتعلقة ببعض الجهات الحكومية، وصدقني مازلت أتعجب من شدة جرأتنا وصراحتنا في ذلك المسلسل!. @ هذه أول تجربة تلفزيونية.. فهل واجهتكم بعض الصعوبات أثناء العمل؟ - بالتأكيد، لكن خبرة المرحوم سعد الفريح الكبيرة ساعدتنا في تجاوز بعض الصعوبات والمعوقات، خاصة إذا عرف القراء الكرام أنه كان يعمل في تلفزيون شركة (أرامكو) التي تعتبر ثاني تلفزيون في المنطقة بعد تلفزيون بغداد، لكن الصعوبات كانت تكمن في ضعف الإمكانيات وعدم امتلاكنا لأجهزة مونتاج، وسأعطيك مثالاً يوضح لك الصعوبة والحذر الذي كنا نعيشه أثناء التصوير، كانت مدة الحلقة ثلاثين دقيقة، فلو ارتكبنا خطأ في الدقيقة سبعة وعشرين هذا يعني أننا سنوقف التصوير ونعيد التمثيل من البداية، هذا فضلاً عن عدم وجود ممثلات يؤدين أدوار شخصيات نسائية!. @ وما هي الأعمال الأخرى التي قمت بها في تلك الفترة؟ - في عام 1969جاءتني دعوة من التلفزيون التونسي للمشاركة في مسلسل عربي بعنوان (عمارة العجائب) وشارك فيه نخبة من النجوم السعوديين أيضاً مثل حسن دردير ولطفي زيني، والطريف في الأمر أن في هذا المسلسل تقاطعت موهبتيّ الرسم والتمثيل معي لأول مرة حيث لعبت دور فنان تشكيلي! وبعد هذا العمل شاركت في الإذاعة لأول مرة عام 1970م في عمل خاص بي وكان بعنوان (عشر دقائق لقلبك) الذي تحول الآن إلى (سواليف الناس) الذي استمر مرتبطاً باسمي حتى منتصف السبعينات عندما سافرت إلى أمريكا لإكمال الدراسة. @ أخبرنا أكثر عن (سواليف الناس)؟ - هو عمل درامي يناقش ويسلط الضوء في كل حلقة على مشكلة اجتماعية، ومن حسن حظي أن لقي العمل قبولاً عند الجمهور والمسئولين في الإذاعة، وكان من تبعات ذلك أن ازدادت مساحة الحرية التي أعطيت لي لمناقشة أي مظهر أو قضية تهم المجتمع، لكنني لا زلت أذكر حادثة وقعت لي في أواخر الثمانينات عندما اتصل بي أحد موظفي الإذاعة وطلب مني الحضور فوراً إلى مبنى الإذاعة وهناك أخبرني أن الملك فهد رحمه الله طلب نسخة من إحدى حلقات المسلسل التي بثت قبل يومين بناءاً على شكوى وصلت إليه تقول بأن هنالك مساساً وسخرية بالدين تضمنتها تلك الحلقة!. @ وهل هذا صحيح؟ - إطلاقاً، كل ما هنالك أن الحلقة جرى فيها نقاش بين تاجرين يتفاصلان بالسعر حول بضاعتين، ليكتشف الجمهور في الأخير أن هاتين البضاعتين ليستا إلا امرأتين يريد كل منهما الزواج بها (أو شراءها حسب مضمون الحلقة)، وأبداً لم يكن فيها لا استهزاء بالدين ولا بأهله كما جاءت عليه الشكوى! كل ما في الأمر أننا أردنا أن نبين كرامة المرأة وأن الإسلام حفظ لها مكانتها، والجميل في كل هذا أن الملك فهد رحمه الله استمع إلى الحلقة وأعجب بها إعجاباً كبيراً، ووصلني بعدها خطاب شكر وتقدير من وزير الإعلام، وأخبرني أنها نالت استحسان ورضا الملك. @ وما هي الأعمال الأخرى التي قدمتها قبل سفرك إلى أمريكا؟ - قبل سفري لأمريكا، كان هناك مسلسل (سحابة صيف) وهو عمل درامي، ثم قدمت عملاً بعنوان (المهمة الأخيرة) وهو يحمل طابعا بوليسيا مثيرا ورغم أنني قدمته باللغة الفصحى إلا أنه لقي قبولا واسعا لدى المستمعين في تلك الفترة. @ وسافرت إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد ذلك؟ - صحيح.. سافرت لأكمل دراستي في الفن التشكيلي في الولاياتالمتحدةالأمريكية بولاية أوريغون، وكان ابتعاثي من قبل وزارة المعارف، وتوقفت حينها عن العمل الدرامي حتى عودتي إلى أرض الوطن بعد ثماني سنوات. @ وبعد العودة ماذا تغير؟ - للأسف لم يتغير شيء. فعند عودتي وجدت الفنانين التشكيليين قد تكاثروا فجأة! لكن الكثير منهم بعيد جداً عن هذا الفن الجميل كبعد المشرق عن المغرب! ولكن التغير الأكبر الذي طرأ على مسيرتي الفنية هو طغيان الجانب التعبيري المتمثل في المسرح والتلفزيون والإذاعة على الجانب التشكيلي!. @ أخبرنا عن هذه الفترة؟ - في الحقيقة قد يستغرب القراء الكرام عندما أقول إنني شاركت في هذه الفترة بأعمال لا أفتخر بها إطلاقاً، وصدقني أتمنى أن ينساها التاريخ ولا يذكرها لي، وكان الهدف في بعضها لقمة العيش لا أكثر!. @ وما هي الأعمال التي تعتز بها؟ - قليلة جداً للأسف، لكن أهمها على الإطلاق مشاركتي في الاحتفال الوطني الكبير بمناسبة مرور مائة عام على توحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، وقد شاركت بلوحة تمثيلية أديت فيها دور رجل انكليزي اسمه (شكسبير)، ولا أقصد به الكاتب المسرحي العظيم، بل الرجل الذي كان يعمل مصوراً وكان معجباً بشخصية الملك عبدالعزيز وكان خلفه وهو ينسج لحمة هذا الوطن. إنني افتخر بهذا العمل بشدة، بالإضافة إلى عملي الإذاعي (سواليف الناس) الذي أشهرني وقدمني إلى الجمهور. @ أبا حسام، شهدت مدينة الرياض مؤخراً عرساً مسرحياً تمثل في المهرجان الرابع للمسرح السعودي؟ كيف تقيمه؟ وكيف كانت مشاركتك فيه؟ - أولاً إذا كنت تريد أن تقيس ثقافة أي مجتمع انظر إلى مسرحه، نعم نحن نخطو خطوات حثيثة نحو إيجاد أرضية حقيقية لمسرح سعودي راق، وقد تحقق هذا بشكل طيب في هذا المهرجان الذي حضرت في يوم الافتتاح، وقد أصر الدكتور العزيز السبيّل على حضوري مع أنني كما تعرفون أعاني من اعتلال في صحتي لكنه قال لي (أبا حسام لن نعذرك ولا بد أن تحضر ولو على نقالة!)، لقد كانت لكلماته أثر كبير لحضوري في اليوم الأول، لكن وضعي الصحي لم يسعفني ومنعني عن الحضور بقية أيام المهرجان للأسف. أبا حسام نتمنى لك طول العمر والشفاء العاجل بإذن الله، وأن تعود من جديد للوقوف على خشبة المسرح وأن نشاهدك في أعمال تلفزيونية قادمة.