تمر مراحل علاج المريض عبر أربعة مسارات طبية، تبدأ بالمركز الصحي، ثم المستشفى العام والتخصصي، وتنتهي أحياناً في المدن الطبية، ويُعد هذا التقسيم ملائماً في حال توفرت كافة الخدمات الطبية والتقنية والكادر الطبي، وحتى لا تعيش إحدى الأقسام حالة من الضغط، يجعلها لا تستوعب استقبال مرضى حضروا إليها، أو تم تحويلهم لها نتيجة ضعف، أو قلة الإمكانات في إحدى هذه المسارات، مما يرفع سقف قوائم الانتظار الطويلة، والتي قد تدفع بحياة المرضى أحياناً إلى تفاقم حالاتهم الصحية، وقد يغيّب الموت بعضهم وما زال رقمه في ذات الخانة المتأخرة. وعلى الرغم من أن وزارة الصحة لديها خطط استراتيجية ولديها مشروعات كبيرة للمستشفيات، وخطة علاجية في القرى والمدن، إلاّ أن الحاصل هو ضعف خدمات مراكز الرعاية الصحية الأولية، حيث لا يوجد أخصائيون، والإمكانات الفنية غير مهيأة بشكل جيد؛ مما تسبب في تأخر المراحل الأولى لعلاج المواطن، وبالتالي لجوئه إلى بعض المستشفيات، وربما دخل في "دوامة" المواعيد، وهنا لابد من إعادة النظر في المراكز عبر ترميمها وتجهيزها بالأجهزة الطبية والبشرية. ويبقى من المُهم إنشاء مُدن طبية في مختلف مناطق المملكة، على أن يتم ذلك عبر جدول زمني لتحديد مدة البناء والتجهيز، على أن تبدأ هذه المدن بتجهيز الكوادر من خلال الابتعاث، وكذلك التنسيق بين مستشفيات الجامعات في مناطق المملكة. ضعف التجهيزات يمنع المراكز من أداء دورها نقص الكوادر الوطنية أدى إلى الإعتماد على المتعاقدين فقد الثقة وقال "د.محمد آل زلفة" -عضو مجلس الشورى السابق-: إنّه كان هناك تفاؤل حول المراكز الصحية والرعاية الأولية، وأنّ وجودها سيخدم المريض، ويخلق وعياً صحياً، موضحاً أنّ المواطن يتأمل أن يجد من العناية ما يمكن معالجته وطمأنته على صحته، معتبراً انتشار العيادات والمراكز الصحية الخاصة بقدر ما خفف عن ألم المريض الذي يبحث عن أي مكان ليتعالج فيه، إلاّ أنّها أفقدته ثقته في المراكز الصحية الحكومية. وأضاف أنّه توجد مراكز رعاية صحية أولية في القرى أو المناطق الريفية معوّل عليها لعلاج المرضى، لكن الخدمات فيها متردية، حيث لا يوجد أخصائيون، والإمكانات الفنية غير مهيأة بشكل جيد؛ مما تسبب في تأخر المراحل الأولى لعلاج المواطن، وأدى لإرهاقه، وحيرته إلى أين يذهب ليتعالج؟، نتيجة عدم ثقته بالمراكز الصحية والمستشفيات الحكومية. د.محمد آل زلفة ترميم وتجهيز ورأى "د.آل زلفة" أنّ البنية التحتية لم تتجدد، على الرغم من أنّ وزارة الصحة تنفذ مباني صحية، حيث أنّ بين فترة تنفيذها وتشغيلها تمتد لسنوات، والكثير من المباني مشيدة من سنوات طويلة، وأصبحت بحاجة إلى ترميم وتجهيزها بالأجهزة الطبية والبشرية، لافتاً إلى أن هذا يعني وجود مشكلة، متمنياً من وزارة الصحة أن تعقد اجتماعات دورية بين مسؤوليها في المناطق والمدن؛ لكي يعالجوا هذا الإشكالية، ويضعوا أيديهم على المشكلة، مضيفاً: "ربما وزارة الصحة تعاني من عدم وجود كفاءات طبية معينة؛ نظراً لأنّ وزارة المالية تطالب ألا يزيد راتب الطبيب على (5000) ريال". مدن طبية وأشار "د.آل زلفة" إلى أننا بحاجة لإنجاز المدن الطبية في مختلف مناطق المملكة، بأن يكون هناك جدول زمني لتحديد مدة البناء والتجهيز، وأن تبدأ المدن الطبية الكبرى بتجهيز كوادرها الطبية، من خلال الابتعاث أو تدريب أبناء وبنات البلد للعمل فى هذه المدن، والتنسيق بين مستشفيات الجامعات في المناطق المختلفة أن يعدوا الطلبة للعمل فى هذه المدن الطبية، مشدداً على أهمية أن تعي وزارة الصحة إزدياد أعداد المواطنين، وكذلك تنوع الأمراض، مطالباً بضرورة معرفة أسباب تعسر المشروعات الصحية، ولماذا تتعسر كليات الطب في تخريج الكوادر؟، موضحاً أنّ هذا يعني ضرورة بث الوعي لدى الكادر الطبي بألا يتذمروا من الذهاب للعمل في المناطق النائية، مُشدداً على أهمية منع معاهد التدريب الوهمية التي تخرج كوادر رديئة. غياب النظام وأوضح "أ.د.عبدالرحمن الهيجان" -عضو مجلس الشوري- أنّ حكومة خادم الحرمين بذلت جهداً من أجل رفع المستوى الصحي، من خلال ميزانيات سابقة لوزارة الصحة، معتبراً أنّ لدينا إمكانات، ولكن لا يوجد لدينا النظام الذي يمكن الأطباء من تقديم الخدمات للمواطن، المستحق، لافتاً إلى تجارب وزارة الصحة في إنشاء المراكز الصحية التي لم ترق للمستوى المأمول، حيث أنّ فيها خدمات توازي المستشفيات الكبرى، لكنها تفتقر بشدة للخدمات الطبية التي تقدم العلاج للمراجع. وأشار إلى أنّ الخدمات الصحية في القرى تفتقد للطبيب، والأجهزة، والمكان، وحتى عندما يحول المريض إلى المستشفيات في المناطق لا يستطيع أن يؤكّد على أنّ تشخيصه الطبي صحيح، وعندما يحاول أن يتأكد من التشخيص عن طريق طبيب آخر يكتشف أنّ هناك خطأ، وقد يصل الأمر ببعض الأطباء بأن يتهم المريض بإصابته بحالة نفسية؛ تهرباً من علاجه، حتى انّ المستشفيات في بعض المناطق تكون مزدحمة، والرعاية سلبية، لافتاً إلى أنّ هناك أمراضاً منتشرة في المملكة، مثل: فقر الدم، السكري، والفشل الكلوي، ولو رغب ولي الأمر في استخراج تأمين لابنه المصاب بفقر الدم حتى يخف عناؤه من مراجعة المستشفيات يتفاجأ بأن شركات التأمين لا تغطيها، وإذا ما حاول أن يراجع المستشفيات والمستوصفات الحكومية يعامل كأنه مريض بالزكام!. د.عبدالرحمن الهيجان فن الإدارة وأكّدت "د.صباح أبو زنادة" -استشارية التمريض- على أنّ التسلسل الطبي يجب أن يبدأ بالمراكز الصحية، ثم المستشفيات العامة والمتخصصة، ثم المراكز التأهيلية ومراكز الرعاية، التي تعتبر خدمات مكملة، لكنها شبه معدمة على السطح الطبي، موضحةً أنّ الإدارة قد تكون في القطاع الصحي بيد طبيب، لكن المشكلة أنّه لم يتعلم فن إدارة المستشفيات، اعتقاداً من المسؤولين أنّه كلما زاد عدد المستشفيات فهذا يعني الارتقاء بالعمل الصحي، ولكن المتخصص في التخطيط الصحي أو الصحة العامة يستطيع أن يخلق قطاعاً صحياً متكاملاً، وهذا لا يفهمه إلاّ المختصون بالتخطيط أو إدارة الخدمات الصحية أو الصحة العامة، مؤكّدةً على أننا مقللون من حجم هذه التخصصات، ومتجاهلون خريجيها. د.صباح أبو زنادة أسابيع طويلة وذكرت "د.صباح أبو زنادة" أنّه لمعرفة الأسباب التي تقف وراء ضعف الأداء الصحي تحتاج البدء بصانع القرار، وهو الطبيب المتخصص الدقيق، متسائلةً: "كيف يمكننا تعيينه في الإدارة وتخصصه الطبي يمنعه من ذلك؟"؛ لأنّه غير مدرك بالأمور الإدارية الطبية، وتفتقر دراسته الطبية لهذا التخصص، مبيّنةً أنّ الطبيب في الدول المتقدمة عندما يرغب في ممارسة العمل الإداري يجب أن يدرس تخصصاً تحت مسمى: إدارة للأطباء التنفيذيين، مطالبةً بضرورة إبعاد الأطباء عن الإدارة. ولفتت إلى أنّ إنشاء المستشفيات يُعد مكلفاً، وفي بعض الدول نجد أنّ المنومين فيها هم أشخاص بحاجة ماسة للتنويم، وبمجرد شفائهم يخرجون، لكن مرضانا يظلون لأسابيع طويلة منومين، من دون حاجة أحياناً، معتبرةً أنّ المجتمع يشكله (50%) تحت ال(15) عاماً، و(5%) فوق ال(65%)؛ مما يعني أنّه ليس لدينا هذا الاحتياج للأعداد في المستشفيات، حيث أن لدينا أكثر من (400) مستشفى، في ظل عدم وجود سرير يستوعب مريض جديد!، مشيرةً إلى أنّ الحل يكمن في وجود مراكز تأهيلية لكبار السن، وللرعاية التمريضية، الذين يمثلون (60%) من أسرة المستشفيات حالياً، مؤكدةً على أن لدينا ميزانية بالمليارات ومازالت خدماتنا متردية؛ لأننا نعاني من سوء التخطيط. كوادر فنية ونوّه "د.إبراهيم السليمان" -محامي وعضو سابق بمجلس الشورى وعضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان- بأنّ الدولة لديها توجه بايجاد (3000) مركز رعاية صحية، معتبراً أنّه ليس هناك حاجة لإيجاد المراكز الصحية بهذا العدد إذا لم تتوفر الكوادر الفنية والأجهزة، التي تعطي المساعدة العلاجية في مراحلها الأولى، مبيَناً أنّ الكثير من المراكز الصحية تنقصها التجهيزات والكوادر الفنية، وبالتالي تضطر لتحويل المرضى إلى مستشفى أكثر تخصصاً. وأضاف أنّ بعض المستشفيات التي تأتي بمرحلة الاستشارية تنقصها بعض الأمور التي لها علاقة بالتخصص، فالاستشاريون المتخصصون في بعض العلاجات المزمنة غالباً ما يوجدوا في المستشفيات التخصصية أو المدن الطبية؛ مما يضاعف ذلك من مسؤولية الوزارة في إيجاد الكوادر الفنية لهذه المستشفيات، وفي ظل كثرتها وتزايد الضغط عليها تحتاج إلى كوادر طبية، موضحاً أنّ التشغيل الطبي لدينا يشكله نسبة كبيرة من المتعاقدين، إذ ما زالت كليات الطب لدينا تغطي نسبة متدنية في المستشفيات بالمملكة، ولذلك تضطر الوزارة للتعاقد مع أطباء عن طريق شركات طبية. د.إبراهيم السليمان تعامل تقني وبيّن "د.السليمان" أنّ الوزارة لديها توجهاً لتوحيد الرقم الشخصي للمواطن برقم الهوية الوطنية في جميع المستشفيات الحكومية، من خلال رابط الكتروني، حتى لا يضطر الطبيب للبحث عن أشعة أو تقارير قديمة، فهذا التوحيد سيسهل المتابعة، وستقل مواعيد الانتظار الطويلة، مثل الذي تشهده حالات الأسنان، والتي ستحل عن طريق استشاري في المركز الصحي لو تم وجوده، موضحاً أننا نعيش في عصر التقنية؛ مما يستدعي أن يكون التعامل مع وزارة الصحة تقنياً، بأن تتم المراسلة بين المريض والمركز الصحي، أو المستشفى المتخصص، بواسطة إيميل يوضح وصف الحالة؛ حتى يتم التنسيق لعلاجها. وأشار إلى أنّ وزارة الصحة لديها خطط استراتيجية ولديها مشروعات كبيرة للمستشفيات، وخطة علاجية في القرى، والمدن، وانتشرت كليات الطب على مستوى المملكة، مبيّناً أنّه لابد من وجود مدينة طبية تعليمية لهذه الكليات؛ لتحد من المتاعب التي كان يعاني منها المواطن، إضافةً إلى التركيز على كليات الطب، وقبول أكبر عدد ممكن من الطلبة لتأهيلهم في تخصصات مختلفة؛ مما يمكننا من تغطية جميع المستشفيات بالكوادر الوطنية، مشيراً إلى أنّ الإمكانات سهل توفيرها، ولكن العنصر البشري وبناؤه وتأهيله من أجل أن يكون طبيباً متخصصاً يحتاج إلى وقت؛ مما يستدعي ايجاد الكليات والبيئة الطبية التعليمية لهم.