يشعر البعض بتغير في نوعية ونظام النوم خلال فصل الشتاء وخلال الليالي الباردة. حيث تزداد الرغبة في النوم لدى البعض ويجد صعوبة في الاستيقاظ صباحا في حين يعاني فريق آخر من عدم الراحة في النوم وتقطعه؟ سنحاول في هذا المقال أن نتعرض لموضوعين: الأول: هو التغيرات التي تصاحب النوم في حال نوم الشخص في جو بارد، والموضوع الثاني: هو لماذا يشعر البعض بالنعاس وصعوبة الاستيقاظ مبكرا خلال فصل الشتاء *ماهي التغيرات التي تصاحب النوم في جو بارد؟ -خلال فصل الشتاء تنخفض درجات الحرارة وتتأثر بذلك صحة الإنسان بصور مختلفة ندرك الكثير منها مثل زيادة الإصابة بنزلات البرد والزكام والإنفلونزا، ولكن السؤال الذي تصعب الإجابة عليه، هل تؤثر درجات الحرارة الخارجية في النوم أو وظائف النوم؟. يدرك القراء أن نومهم يكون متقطعًا وغير مستقر في الجو البارد، كما أن الرغبة في التبول تزداد، ولكن هل درس هذا الموضوع بشكل علمي أو هل هناك تفسيرات علمية لهذه الأعراض؟. فكرت في هذا السؤال كثيرًا وبحثت في هذا الموضوع لأصل إلى إجابة شافية، ولكني وجدت أن الأبحاث التي أجريت حول هذا الموضوع قليلة جدًا. رغم ذلك سأحاول في هذا المقال أن أعطي القارئ صورة مبسطة عن تأثير البرودة في النوم. غرفة نوم الأطفال يجب أن تكون دافئة أجري عدد من الدراسات على نوم الحيوانات في الجو البارد، ولكن هذه الدراسات ربما لا تنطبق على الإنسان لأنها تجرى في أجواء لا يعيشها الإنسان الطبيعي. أما الدراسات التي أجريت على الإنسان في الجو البارد فهي نوعان، دراسات أجريت في المختبر وأخرى في أجواء باردة بالطبيعة مثل القطب المتجمد الجنوبي. وسنحاول أن نستعرض نتائج هذه الدراسات باختصار. بينت الدراسات أن تأثر النوم بالبرودة يعتمد على المدة الزمنية التي يقضيها الإنسان في الجو البارد؛ فهناك آلية للتكيف حيث يتحسن النوم مع التعود على الأجواء الباردة. ولكن على العموم أظهرت الأبحاث أن النوم يكون غير مستقر في الجو البارد ويزداد القلق. أما تخطيط النوم فقد أظهر نقصًا في مرحلة الأحلام (حركة العينين السريعة REM Sleep) في الجو البارد، في حين لم يتأثر النوم العميق (المرحلتين الثالثة)كثيرًا. ومرحلة الأحلام مرحلة مهمة لوظائف المخ وهي تساعد على صفاء الذهن والتركيز في النهار. كما حدث زيادة في التبول وإفراز هرمونات التوتر مثل هرمون النور أدرينالين، وهذه هرمونات تزداد في حالات التوتر والإجهاد، كما أنها ترفع ضغط الدم، وهي في العادة تنخفض إلى أدنى مستوياتها خلال النوم، أي إن البرودة تغير فيزيولوجيا النوم الطبيعية. ما سبق يبين أن النوم في الجو البارد يعتبر نوعًا من التوتر والإجهاد وهو ما يفسر نقص مرحلة حركة العينين السريعة وزيادة إفراز هرمونات التوتر وهو ما قد يفسر نظريًا زيادة الإصابة بالالتهابات عند النوم في جو بارد. الغريب في الأمر أن كثيرًا من هذا الظواهر تختفي عند تعوّد الإنسان النوم في الجو البارد (أي بعد مرور عدة ليال). تأثر النوم بالبرودة يعتمد على المدة الزمنية التي يقضيها الإنسان في الجو البارد ما سبق يظهر أهمية أن تكون غرفة النوم دافئة وخاصة للأطفال لأن التغيرات السابقة قد تكون تأثيراتها أكبر في هذه الفئة السنية. كما أن لبس ملابس تساعد على التدفئة كالبيجامات طويلة الكم الثقيلة أمر مهم جدًا في الحفاظ على حرارة الجسم. وقد درس باحثون تأثير الملابس في النوم في الجو البارد دراسة علمية ووجدوا أن التغيرات السابقة الذكر تقل عند الذين يرتدون ملابس تحافظ على حرارة الجسم. ما سبق قد يبدو كلامًا علميًا للبعض، ولكن الرسالة التي نود إيصالها هي المحافظة على غرف النوم بصورة دافئة والحرص على ارتداء الأطفال ملابس تساعدهم على حفظ حرارة أجسامهم في الليل والنهار. * لماذا يشعر البعض خلال فصل الشتاء بالنعاس وصعوبة الاستيقاظ مبكرا؟ تتغير أوقات النوم بين الصيف والشتاء بسبب تغير مواعيد شروق وغروب الشمس. ففي فصل الشتاء، يتأخر وقت شروق الشمس ويصبح من المعتاد الذهاب للعمل صباحاً والأجواء لا زالت مظلمة. وهذا يؤثر على الساعة البيولوجية في الجسم. والساعة البيولوجية، هي ما يحدد متى ننام ومتى نستيقظ. ويمكن بشكل آخر تعريف الساعة الحيوية بأنها قدرة الجسم على التحول من النوم في ساعات معينة (عادة بالليل) إلى الاستيقاظ والنشاط في ساعات أخرى (عادة وقت النهار). الضوء هو العامل الأساسي الذي يضبط الساعة البيولوجية ويعايرها بشكل يومي وذلك عن طريق التحكم في إفراز هرمون النوم (الظلام)، هرمون «الميلاتونين». حيث إن هرمون النوم يفرز من الغدة الصنوبرية في المخ وهي مرتبطة بعصب النظر؛ لذلك تغير أوقات التعرض للضوء يؤثر على إفراز الهرمون.و يزداد إفراز هذا الهرمون مع بداية النوم ويصل أعلى مستوى له في الدم في ساعات الفجر الأولى (2-3 صباحاً) (ويصاحب ذلك انخفاض في درجة حرارة الجسم الأساسية) ثم يبدأ مستوى الهرمون في الانخفاض ويصل أدنى مستوى له خلال ساعات النهار. تغير مواعيد شروق وغروب الشمس يؤثر على إفراز هذا الهرمون ويؤثر بالتالي على توقيت الاستيقاظ المناسب للجسم حيث يفضل الجسم خلال الشتاء التأخر في الاستيقاظ. وقد يزداد الأمر سوءاً عندنا في المملكة لأنه لا يوجد توقيت صيفي وتوقيت شتوي يراعي التغيرات التي تحدث في وقت شروق الشمس. وقد أثبتت الأبحاث هذه النظرية. فقد وجد باحثون في اليابان في بحث سابق أجروه على 10 متطوعين أن وقت الاستيقاظ خلال الشتاء تأخر عندهم بمقدار ساعة وزادت مدة النوم بمقدار بسيط مقارنة بفصل الصيف. كما وجد نفس الباحثين أن هناك تغيرا في الإيقاع اليومي لحرارة الجسم وإفراز هرمون الميلاتونين حيث تأخر موعد «أعلى مستوى لهرمون الميلاتونين» "Acrophase" في الدم بمقدار ساعتين خلال فصل الشتاء مما يعني تغيرا في الساعة البيولوجية في الجسم خلال الفصول المختلفة. كما وجدت دراسة أخرى أجريت على 9 متطوعين تم مراقبتهم لمدة 15 شهرا في القطب الجنوبي أن الإيقاع اليومي لحرارة الجسم وإفراز هرمون الميلاتونين تأخر بمقدار 4 ساعات خلال فصل الشتاء. تأخر الإيقاع اليومي يعني ببساطة أن موعد الاستيقاظ خلال فصل الشتاء يتأخر. لذلك يجد البعض صعوبة في الاستيقاظ نهارا. لذلك ننصح الجميع بمحاولة النوم مبكراً وخاصة خلال فصل الشتاء للتمكن من الاستيقاظ صباحاً في حالة نشاط كامل.