الانستغرام، يبتلع المواقع الأخرى ويتقدم. هل هو حنين الإنسان للغته الأم الأولى، الصورة؛ أم هي أميةٌ جديدة آخذة في التوسع في عالم صار أضيق من زقاقِ حيٍ شعبي؟. لقد تأسس موقع "الانستغرام"، في أكتوبر 2010 وهو يمتلك (حسب إحصاءات شهر نوفمبر 2013)، "150" مليون مشترك نشط يومياً، حيث يُرفع كل يوم للموقع "55" مليون صورة، ليحتل ال"lnstagram" موقع الصدارة في مواقع "مشاركة الصورة الاجتماعية". موقع "فيسبوك"، تنبه لشرارة الخطر الانستغرامي المستقبلي والقادم، خصوصاً وأن "فيسبوك" سجل تراجعاً وخاصة بين المراهقين في أمريكا وكندا، لصالح مواقع تواصل أخرى. هذا التخوف، انتهى سريعاً عندما أعلن "مارك زوكربيرغ عبر حسابه في الفيسبوك عن نجاح صفقه استحواذ تطبيق الانستقرام وضمه إلى مجموعه الفيسبوك مقابل بليون دولار". اقتصادياً، سيطرت "امبراطورية فيسبوك" على " انستغرام" لكن فكرة مشاركة الصورة وفرادة الصورة وتسيدها واجهة التواصل الاجتماعي، آخذة في التصاعد المتزايد، لا محال. ففي منطقة الخليج والعالم العربي، سجل "انستغرام" إقبالاً اجتماعياً ملحوظاً، وهو يدفعنا للتفكير في هذا النزوح الجماعي نحو هذا التطبيق الجاذب. هل سيصبح نزوحاً استهلاكياً، كما حدث مع "الفيسبوك" الذي كان بمثابة موجة لقيت رواجاً كبيراً في منطقة الخليج العربي، ثم خفت لصالح، "تويتر"؟. أياً يكن الأمر وحتى لو ظهرت تطبيقات جديدة أخرى، تبقى الفكرة الانستغرامية، هي الأجدر بالتأمل، بعد أن صارت الأولوية للصورة وليس للكلمة، بأن تكون الصورة لغة الاتصال ومنطقه، بكل عالميته المجتازة لحدود اختلاف اللغة بين هذا البلد أو ذاك، فضلاً عن أن تشاركية الصورة مع الآخرين، تأتي كنوع من التأكيد على حقيقة النزوع الإنساني نحو الاجتماع القائم على التواصل (الإنسان حيوان اجتماعي)، والتي جاءت كامتداد لتطور مبكر في تاريخ الكاميرات، عندما ظهرت منتصف الخمسينات أول الكاميرات الفورية "الصورة ذات الإطار الأبيض" والتي أحدثت وثبة مهمة في عالم التصوير الكلاسيكي؛ إذ لم تعد الصورة مجرد حالة ذاتية وخاصة، توضع في الألبومات، بعد المرور على مرحلة التحميض، كما عند كاميرا كوداك، بل صار بمقدور الشخص أن يشارك الآخرين، تلك اللحظة الملتقطة، فوراً، من خلال كاميرا التصوير الفورية (البولارويد) التي يعتقد صاحب كتاب (تحولات الصورة) أثير السادة، بأن اللحظة الرقيمة التي نعيشها اليوم قد انبنت على تلك الكاميرا الفورية، مؤكداً في دراسة له بعنوان (من كوداك إلى انستغرام): "على نوايا الكاميرا الفورية الأولية والتي مهدت لاستخدامات الصورة اليوم، وطرق إنتاجها، فهذا الدفق اليومي للصور الرقمية عبر قنوات التواصل الاجتماعية هو الاستجابة الطبيعية للرغبات التي بادرت (بولاوريد) إلى التعبير عنها وأسهمت في توسيعها، والمتصلة بسرعة إنتاج الصورة، وتبسيط الممارسة بكاملها، وتعزيز مفهوم المشاركة فيها". هكذا إذن، أفلست كوداك التي طرحت عام 1888 أول كاميرا صغيرة ورخيصة بعد أن كان التصوير عملاً شبه فني، يقتصر على تصوير المناظر الطبيعية أو تخليد صور الزعماء والارستقراط..الخ. أفلست كوداك وهي التي زحزحت المعنى الأول للصورة واختفت كذلك الكاميرا الفورية، إلا من بعض المواقع السياحية في العالم، على سبيل الاستخدام المتحفي لا أكثر؛ إننا نعيش زمن "انستغرام". حيث اختزال المعنى المراد إيصاله في صورةٍ، تتكفل بشرح ما نحن عليه، للآخرين؛ شخصياتنا وكيف نفكر ونأكل ونعيش، ذلك بفضل مفهوم "المشاركة" التي كانت السبب الأول، للإقبال (الانسان الاجتماعي) على موقع ك"انستغرام". إلا أن السؤال الأول يبقى هو الأهم، هل جاء تزايد النزوح لدخول عالم "انستغرام" بدافع حنين الإنسان، اللاواعي، للغته الأم الأولى (الصورة)، عندما كان إنسان الحضارة الأولى في الألف الرابع قبل الميلاد، يتصل بأخيه الإنسان عبر رسم (صور) تعبر عن رغباته وحاجاته، كأن يرسم حبلاً أو حيواناً طريداً أو فأساً أو رمحاً للصيد، وفق ما وجد في الكهوف القديمة؟. هل كان الحنين لبدائية الصورة كلغةِ أمٍ أولى هو السبب لكثافة الإقبال على مواقع "الصورة التشاركية"، أم أن ثمة أمية جديدة، آخذة في الهيمنة على الوعي البشري، بدأت تنتشر، بأن تحل الصورة (المقدرة بألف كلمة وفق الحكمة الصينية) مكان اللغة والقراءة وما لهذا الأمر من حساسية على وعي الجيل الحالي والقادم، في عصر، انتصرت فيه القيم الاستهلاكية، على الفكرة الخلافة والمعنى وصار الأكثر حضوراً وترويجاً، في مواقع التواصل الاجتماعية، هو الأكثر وصولاً واتصالاً، بصرف النظر عن محتوى ما يروج؟. وأخيراً، أياً يكن سبب الإقبال الكبير على انستغرام (حنينٌ للغتنا الأم الأولى.. الصورة أو "أمية" جديدة) فكلا المسألتين، ترتبطان "لسانياً" و"ذهنياً" بالأم، الأصل، الجذر، الأول للإنسان، ذلك الكائن الذي كان ينظر إلى نفسه على سطح ماء النهر، ثم في المرآة، أو في مرايا الآخرين.. الإنستغرام.