في الوقت الذي نسعد فيه بإعلان جامعاتنا لشغل وظائفها الأكاديمية بشباب وشابات مؤهلين بدرجات علمية عالية طال بهم الانتظار للحصول على وظيفة بالقطاع الحكومي والخاص، نفاجئ من بعض جامعاتنا بأنها أصبحت تشترط - وأحياناً تفضل - صراحة بان الأولوية لخريجي برنامج الابتعاث، ومع قناعة الجميع بالنجاح الذي حققه برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي في تأهيل الجيل الجديد وفي تخصصات يحتاجها سوق العمل، فان توجه الجامعات وفق قاعدة "الحكم المسبق" على خريجي الجامعات السعودية والأجنبية لايمثل التوجه العادل في التوظيف بل يجب أن ننظر له بأفق واسع لتبعاته على خريجي جامعاتنا العاطلين وكتأصيل لأزمة بطالتهم خاصة مع نشر الجامعات وتخريج أعداد كبيرة بالدراسات العليا، فإذا كانت جامعاتنا ترفض تعيين خريجيها، فان ذلك بالتأكيد سيفتح المجال لجهاتنا الحكومية وشركات القطاع الخاص على رفض تعيين خريجي جامعاتنا وتفضيل خريجي الابتعاث! فهل هذا يمثل معياراً عادلاً لشغل الوظيفة لدينا؟! ومع أن هناك قناعة بأهمية تنويع جامعاتنا لمصادر الكفاءات كجهات تعليمية عليا واستفادتها من قدرات المؤهلين من الجامعات العالمية العريقة الممارسين لثقافات راقية، فان انتشار ثقافة تفضيل خريجي الابتعاث على خريجي جامعتنا يمثل إقراراً من جامعاتنا بعدم جودة خريجيها وهو مالا يتفق مع الواقع مع جميع الخريجين الذين يجب أن يحصلوا على فرص متساوية في التوظيف! وإذا كنا نعاني فعلا من تدني مستوى بعض خريجي جامعاتنا ومنهم ممن حصل على الدكتوراه، فان لدينا في نفس الوقت كفاءات تحمل شهادات عليا من جامعاتنا بتخصصات مختلفة تقود بتأهيلها وفكرها إدارات وكيانات متفوقة بمراحل على أجانب وسعوديين مؤهلين من جامعات عالمية، وفي الجانب الآخر الذي نجد فيه خريجي برنامج الابتعاث بما يحملونه من تأهيل عال ولغة وقدرات وفكر نير، هناك خريجون عادوا بشهادات ولغة أجنبية وللأسف بمستوى وعقلية محبطة! مع العلم بأن بعضاً ممن تم ابتعاثه هم ممن لم يحصلوا على قبول بجامعاتنا لضعف معدلاتهم، أي هناك تباين بين الخريجين في التأهيل والقدرات وليس لمكان الدراسة دور أساسي في الحكم على المستوى، وهو مايجبرنا على البعد عن الحكم النظري المسبق على الجميع ونتخذ قرارات وإجراءات تتسبب في إلحاق الظلم بشريحة كبيرة من المجتمع. إننا نعاني فعلاً من بطالة خريجي برنامج الابتعاث غير المبررة إطلاقا ولكن يجب ان لا تكون الحلول مؤقتة وعلى حساب من تمكن بمعدلاته العالية من الحصول على قبول بجامعاتنا وتفوق بها، كما يجب أن لاتتحمل وزارة التعليم العالي والجامعات وخريجي جامعاتنا تبعات فشل الجهات المختصة بتوظيف المؤهلين بالقطاع الحكومي والخاص، فوزارة التعليم العالي عندما تبنت إستراتيجية التعليم العالي بزيادة ونشر الجامعات بمناطق المملكة ووضع تخصصات الابتعاث حرصت على التنسيق المباشر مع وزارات الخدمة المدنية والعمل والاقتصاد والتخطيط لتحديد التخصصات التي يحتاجها سوق العمل، ولذلك عندما تنفذ الوزارة خططها وتؤهل الخريجين بالتخصصات المطلوبة ولاتتمكن جهاتنا المختصة من شغل مئات الآلاف من الوظائف المناسبة الحكومية وبالقطاع الخاص المشغولة بأجانب بأعلى الرواتب، فان ذلك يمثل فشلا كبيرا لتلك الجهات في تنفيذ ما التزمت به ولا تتحمل وزارة التعليم العالي والجامعات مسؤولية ذلك باستيعاب خريجي الابتعاث، فالجامعات وجهاتنا الحكومية يجب أن تسد حاجتها بنسب عالية من المواطنين المؤهلين من جامعاتنا ودول الابتعاث بدلا من الأجانب الذين لانعلم عن صحة مؤهلاتهم، ويجب أن نطبق معايير موضوعية ومحددة لجميع المؤهلين وبدون التمييز بين خريجي جامعاتنا وبرنامج الابتعاث وبحيث تحدد نتيجة المفاضلة العادلة أحقية التعيين، كما يجب أن تُلزم وزارة العمل بالجدية مع جميع الشركات وخصوصا التي تُمنح آلاف التأشيرات لتوفير الأجانب للبنوك والشركات الكبرى كتحايل على السعودة بوضع معايير معلنة للتوظيف لاستيعاب خريجي الابتعاث وغيرهم الذين تم تأهيلهم بما يحتاجه سوق العمل بدلا من التعيين الوهمي للطلاب والأمهات والأجداد واعتبار ذلك نجاحاً يُفتخر به.