احتد النقاش بين "علي" و"سالم"؛ بسبب طلب الأول من صديقه إعطاء سائقه الخاص جواز السفر والإقامة التابعة له، على أساس أن ذلك يعد حقاً من حقوقه الخاصة، وعندما أخذ "سالم" بنصيحته أطلق السائق ساقيه للريح تاركاً السيارة في وضع التشغيل أمام باب مدرسة "أم العيال" كردة فعل على إبدائها له بعض الملاحظات من منطلق الحرص على تنظيف السيارة وعدم التدخين أثناء قيادته لها، إلى جانب عدم اهتمامه في الآونة الأخيرة بغسل فناء المنزل، وكذلك الاهتمام بالنوم باكراً؛ لكي لا يتأخر في إيصال أبنائها إلى مدارسهم، إلاّ أنها ما إن انتهت من ذلك كله حتى تفاجأت برده عليها بصوت عالٍ وبلكنة آسيوية صرفة:"مدام أنا ما يبغى شغل عند إنتي إنتي كتير قرقر"، حينها استعانت بسائق صديقتها ليوقف سيارتها بشكل آمن على جانب الطريق قبل أن تذهب برفقة صديقتها وسائقها لإيصالها إلى منزلها. وأدى هذا الموقف بين الصديقين إلى نشوء خصام بينهما لفترة طويلة، خاصة عندما تأكد "سالم" أن سائقه الهارب يعمل لدى أحد أقارب صديقه "علي"، معتبراً نصيحته له بمثابة الفخ الذي نصبه له، وبعدها قرر "سالم" أن ينصح جميع معارفه بعدم تسليم السائق وثائقه الرسمية مهما كلف الأمر. وهناك ثقافة سائدة لدى العديد من أفراد مجتمعنا تدعو إلى عدم إعطاء "المكفولين" أوراقهم الثبوتية؛ خشية هروبهم منهم، في الوقت الذي ترفض فيه جمعيات حقوق الإنسان هذا المسلك الذي يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان. وثائق رسمية وأوضحت "سيرين جمال" -مديرة صالون تجميل- أن سائقها الخاص كان يعمل لدى كفيل سابق قبل أن يهرب منه لتحصل عليه، مضيفة أنه سرق سيارتها الجديدة في الوقت الذي كانت تنوي فيه استخراج وثائق رسمية له، مبينة أنها كانت تستعد للذهاب لعملها صباحاً في ذلك اليوم بسيارتها الجديدة، وما أن وضعت قدميها على طرف الرصيف لتركب السيارة حتى فوجئت بعدم وجودها في الموقف المخصص لها، مشيرة إلى أنها اتصلت حينها بالسائق على هاتفه المحمول، بيد أنه كان مغلقاً، الأمر الذي جعلها تسأل بعض السائقين الذين يعملون لدى جيرانها، ولكن إجاباتهم المريبة أثارت مخاوفها. وأضافت أنها اضطرت بعد ذلك إلى الذهاب لعملها بسيارة أجرة وظلت تتصل بهاتف سائقها بين فترة وأخرى دون جدوى، موضحة أنها تأكدت حينها أنه هرب بسيارتها، مشيرة إلى أنها لم تعثر عليها إلاّ بعد مرور ستة أشهر بعد أن تركها السائق أمام منزلها وفرّ هارباً. عقل الباهلي سائق هارب وبينت "فاطمة القحطاني" أن سائقها الخاص كان يلح عليها كثيراً لتسمح له بالاحتفاظ بأوراقه الثبوتية أسوة بأصدقائه السائقين من منطلق أنهم كانوا يتندرون عليه نتيجة عدم وجودها معه، مضيفة أنها وافقت بعد ذلك وسلمته إياها، موضحة أن أداءه في العمل تحسن بعد ذلك، بيد أنه فرّ بعد ذلك بالسيارة بعد أن أوصلها في أحد الأيام للسوق، مشيرة إلى أن زوجها اضطر لإبلاغ الجهات الأمنية عن هروبه بعد أن مرّت عدة أيام دون أن يظهر للعيان من جديد، لافتة إلى أن إحدى صديقاتها شاهدته يقف بالسيارة أمام إحدى العيادات الطبية، لكن عندما همت بإيقافه فرّ هارباً بعد أن تعرف إليها بشكل واضح. وأضافت أن أحد السائقين الآسيويين جاء بعد عدة أيام إلى منزلها لتسليم زوجها مفتاح السيارة، موضحة أن زوجها وجد السيارة متوقفة في أحد الأحياء العشوائية البعيدة بعد أن قرر السائق الهارب إيقافها هناك؛ خوفاً من تحمل مصاريف إصلاحها بعد تعرضها لصدمة قوية أتلفت أجزاء كبيرة منها، بناءً على ما ذكره صديقه الآسيوي الذي توارى هو الآخر عن أنظار زوجها بمجرد وصولهما إلى مكان وجود السيارة. حسابات معقدة وقال "م.هاشم السعدي":"جاء أحد السائقين للعمل لدينا بعد أن زكاه لنا أحد أبناء جلدته، وكان السائق ذا أخلاق عالية ومهارات كبيرة في قيادة السيارة"، مضيفاً أنه كان يرغب في نقل كفالته إليه، بيد أنه لم يكن مهتما بالأمر نتيجة معاناته السابقة جرَّاء هروب السائق الأسبق الذي كان يعمل لديه، مشيراً إلى أنه تفاجأ صبيحة أحد الأيام بوفاته داخل غرفته بسكتة قلبية، لافتاً إلى أن ذلك أدخله في دوامة من الحسابات المعقدة أمام الجهات الأمنية، إلى جانب انتشار الخبر في بعض الأحياء المجاورة، وهو ما أدى إلى توافد أعداد من أبناء بلده لمعرفة أسباب وفاته. د.سهيلة زين العابدين وأضاف أن الجهات الأمنية باشرت تحقيقاتها التي أكدت وفاته بشكل طبيعي، موضحاً أنها طلبت حضور كفيله الذي استطاع الوصول له أحد أصدقاء السائق، مشيراً إلى انه كان متعاوناً جداً وأنهي إجراءات سفره لدفنه في بلاده، لافتاً إلى أن الموضوع انتهى بعد ذلك بسلام، مؤكداً على أنه لا يمكن الاعتماد على وجود الأوراق الرسمية للسائق لدى كفيله كضمان لعدم هروبه، إذ أن العامل متى ما لاحت له فكرة الهروب فإنه سيهرب مهما كلف الأمر. احتياطات ذاتية وأشار "عقل الباهلي" -حقوقي- إلى أن العديد من أفراد المجتمع يعتقدون أن وجود الوثائق لدى صاحب العمل سواء العائلة أو المؤسسة هو الضمان لعدم هروب العامل، ومع ذلك فإنه تم تسجيل العديد من الحالات التي يهرب فيها العامل تاركاً وراءه وثائقه الرسمية لدى الكفيل، مضيفاً أن مشكلة هذه الضمانات أنه لا يوجد احتياطات ذاتية من أي مخاطر من الممكن أن يفعلها العامل بحق من يعمل لديهم؛ ولذلك فإنه لا بد من اليقظة وعدم منحه أي إمكانات ليغدر بنا ويأخذ من ممتلكاتنا، مؤكداً على أنه يحق للعامل أن يحتفظ بوثائقه الرسمية؛ لأن عكس ذلك يتعارض مع حقوق الإنسان، وبالتالي فإن على الكفيل ألا يستند في حماية نفسه على الاحتفاظ بهذه الوثائق. وأضاف:"من الممكن أن نتعرّض للسرقة من العاملة التي تعمل في بيوتنا؛ ولذلك نحن بحاجة إلى الأمن الذاتي، وأعتقد أن ذلك لا يعني الاحتفاظ بوثائقها، بل يجب أن يحفز الناس لأن يتعاملوا معها من منطلق أنها غريبة"، موضحاً أن هناك من يتوهم الحصول على الأمن باحتفاظه بأوراق لن تحميه ولن تعيد العامل الهارب إليه، مستشهداً بحدوث العديد من حالات السرقة التي فقدت من ورائها أشياء ثمينة في الوقت الذي لم تتمكن فيه الأسرة من الإبلاغ عنها، لخشية أفرادها من اتهام العامل أو الخادمة دون وجود دليل يستندون عليه في الشكوى. يحيى آل مقبول حق الكفيل وترفض "د.سهيلة زين العابدين" -حقوقية- فكرة إعطاء العامل المنزلي أوراقه الثبوتية؛ لأنه بمجرد استلامها سيهرب وحده أو مع السيارة، كما أن الشغالة قد ترتكب جريمة أو تسرق وتختفي، معللة رفضها بأن السائق أو الشغالة يعملان لدى أصحاب المنزل وهما يدخلان ويخرجان برفقتهم، مما يعني عدم الحاجة لتركها في أيديهما، مشيرة إلى أن العامل يستطيع التنقل والتصرف والسفر إلى بلاده عبر حمله أوراقه الثبوتية دون الرجوع للكفيل، مستثنية من ذلك العمالة التي تعمل في الشركات، ومن ذلك المهندسون، لافتة إلى أنهم يكونون عادةً على مستوى عالٍ من التعليم والثقة واحترام العقد، بيد أن بعض من يعملون في المنازل قد لا يلتزمون بالعقود، إذ أنهم يأتون من أجل السرقة والابتزاز، خاصة إذا كانت مدة التجربة قصيرة بين الكفيل والمكفول ولم تصل لدرجة الثقة المطلوبة. واستشهدت في هذا الشأن بأن البعض عندما يحتاجون لسائق أو شغالة فإن عروض العمل تأتي من جانب الهاربين من كفلائهم الذين ربما وثقوا فيهم وسلموهم وثائقهم الرسمية، مؤكدة على أن عدم إعطاء العامل أوراقه الثبوتية لا يدخل ضمن انتهاك حقوقه، بل إن ذلك يعد انتهاكاً لحق الكفيل في حال هروب مكفوله، مشيرة إلى أن الكفيل سيخسر حينها رسوم الاستقدام وتتعطل مصالحه ومصالح أسرته، لافتة إلى أن تسليم العامل جواز سفره يعد بمثابة منحه تذكرة سفر مفتوحة للهرب في الوقت الذي يشاء. أنظمة جديدة ولفت "يحيى آل مقبول" -رئيس لجنة مكتب الاستقدام بغرفة جدة- إلى أن العامل لن يستطيع السفر دون الرجوع للكفيل، مشيراً إلى أن جواز سفر وإقامة العامل تعد من ممتلكاته إلا في حال اتفق مع كفيله على تركها معه، مضيفاً أن هناك تراكمات سلبية سابقة في هذا المجال أدت إلى انتشار هذه الصورة، موضحاً أنه في ظل وجود الأنظمة الجديدة لوزارتي العمل والداخلية القاضية بتصحيح أوضاع العمالة، فإن العامل يجب ألا يعمل إلاّ لدى كفيله، لافتاً إلى أن ذلك سيحد من هروب العمالة. جواز سفر وإقامة العامل تعد من ممتلكاته إلاّ في حال اتفق مع كفيله على تركها معه قد يهرب السائق تاركاً وراءه وثائقه الرسمية لدى كفيله