المرأة السعودية كاتبة المقال حين تعقد نية الكتابة. تصبح لها حسابات مع الكتابة مختلفة .فهو الفضاء الذي تظن أنه يمنحها حرية الرأي والتعبير عن الذات وأيضا تدوين أحلامها التي تتأرجح في مخيلتها. تظن أن الكتابة طريق أخضر مكسو بالخيالات الندية. لكنها ما أن تبدأ الكتابة إلا وتشعر أنها مثقلة بالقيود الذاتية والاجتماعية . وأن لديها أولويات وقضايا متعددة. وأن لها معركة في الدفاع عن حقوقها وعن وجودها. هذه الحالة الكتابية قد تخلق عوائق كتابية . وقد تجعل الكاتبة تدور في فلك قضايا محددة. هيا المنيع : كثير من الأقلام النسائية تمارس الكتابة وفق رؤية توافقية لذا جاءت هذه الأسئلة: تبدو كاتبة المقال تعيش مأزق خيارات الكتابة فهل مضمون المقال يأتي كردة فعل لما يحدث في المجتمع من قضايا تتعلق بشأن المرأة .. أم هو نتاج حالة من التأمل ؟ هل ما يطرح من كتابات المقالات في الصحف والمجلات السعودية يمثل حالة متناغمة بمعنى يشكل تيار ضاغط في قضايا ما ..أم أن كل كاتبة تعبر عن حالتها الفردية ؟ خطاب الكاتبات اللاتي يكتبن في الشأن التنويري هل هو خطاب مفتوح الأفق أم هو خطاب ضيق يتحرك في قضايا شأن المرأة ويكتفي بها ؟ في ظل تلك الأسئلة السابقة كانت الرؤى التي تحمل وجهات نظر مختلفة ومتباينة من ضيفات هذا الاستطلاع من كتابات المقال في الصحف السعودية .. د.هيا عبد العزيز المنيع .. عضو مجلس الشورى وكاتبة منذ بداياتي في عالم الكتابة لم أكن ممن يستسغن التصنيف النوعي ... حسب جنس حامل القلم سابقا وناقر الكيبورد حاليا... فالمقالة أو القصة أو الشعر أو أي شكل أو نص إبداعي هو مخاض يعيشه الإنسان ليحل بيننا عملا فنيا نستمتع به ويخلده الزمن بحجم قوته ودرجه إبداعه... من هنا لا أجد أن كاتبة المقال تعيش الاستثناء في كثير من حالها إلا في هدفها الذي تسعى له... فهي بين تأمل وبين رد فعل تبحث عن خروجها مع أخواتها من بنات جنسها من مواقع التهميش إلى حيث تكون مواطنه كاملة الأهلية واجبا وحقا...الكتابة حاله من الإبداع تأتي في سياق ثقافي واجتماعي تتبادل معه المنافع تارة والاختلاف تارة أخرى وقد تدخل في التصادم بين فينة وأخرى......وكثير من الأقلام النسائية تمارس الكتابة وفق رؤية توافقية .. تهتم بارتفاع قامة طموحات المرأة وواقع اجتماعي متباين النظرة والتوقع تجاه ومن المرأة .. مع انفتاح المجال واتساع مساحه المسموح به تنوعت تجليات الأقلام النسائية في محتوى المقال.. اليوم لم يعد الشأن الاجتماعي المحور الأوحد ولكنه بقي المحور المفضل والأكثر حضورا نسائيا بين إبداع وتلقٍ. هناك من تكتب في الاقتصاد وأخريات في الرياضة وأيضا الشأن السياسي وطبعا الديني والثقافي ... وبقي المجال الاجتماعي بكل تنوعاته وتداخلاته مع مجالات أخرى الأرض الأكثر احتواء لنشاط المقال النسائي بل بات متنفسا للكثير من مشاعر الرفض لواقع غير عادل معها... فهي ذات الموقع الإداري العالي لا تستطيع ان تستخرج جوازها بنفسها .. هنا إلا ترى أن رد الفعل فيه شيء من التأمل.. وفيه أشياء من السخرية حيث يمكنها أيضا كتابه مسرحية كوميدية تعرض في احتفالات العيد.. تضحك منها النساء إلى حد البكاء... بين هذا وذاك لا تنطلق المقالة النسائية من حالة انفراد أو ما يشبه التسلل في عالم كرة القدم بل محتوى المقال غالبا حصيلة تفاعل دائم مع الهم الإنساني عموما والنسائي على وجه الخصوص حيث تجذرت كثير من حقوق المرأة في عالم التأجيل أو الرفض أو الممانعة الذكورية عبر عرف اجتماعي يسحق بقوة كل الأنظمة...أو ولي أمر يعتقد أن نجاح المرأة يتم جزه من نجاحه ...مقال المرأة اليوم يتجاوز حدود التذمر إلى حيث الرؤية وكثير من موضوعية المعالجة رغم إننا نتفق ان الإعلامي أو الكاتب ليس ملزما بإعطاء الحلول فهو من يعلق الجرس وأصحاب الشأن عليهم إيجاد الحلول ولكن في كثير من المقالات الناعمة اسما اليوم تجد طرحا بحجم الشعور بالمعاناة.. بل وبشكل مبكر تجاوز المقال النسائي الوقوف عند الحالة الخاصة إلى حيث يكون الهم العام ... هل ترى اليوم كاتبة تتمركز حول همها الذاتي أو الشخصي أقلام النساء اليوم تناضل بقوة لفتح ملف المرأة وتحريك المياه الراكدة في تجاذب وتداخل بين تأمل متفائل ورد فعل متألم لمواقف بعضها يناقض شريعتنا الإسلامية.. هيلدا إسماعيل سجيني.. شاعرة وكاتبة ليس لدي اطلاع تام وشامل على كل ما تكتبه المرأة من مقالات، إنّما أتابع بعضاً مما يطرح كلما سمح لي وقتي المشحون بالالتزامات، ومن منطلق ما أقرؤه حالياً.. يمكنني القول بأن ما تكتبه المرأة من آراء.. هو بشكل عام لا يختلف كثيراً عما يكتبه الرجل عدا قلة تعتبر قضية المرأة متعة فريدة من نوعها، وفي مقدمة أولوياتها.من جهة أخرى هناك تباينات واضحة بين الكاتبات، فليس كل ما نكتبه يأتي كشكل من أشكال التعليق الحي واللهاث وراء ما يجري من أحداث يومية، بل هناك كاتبات يمارسن نوعاً من كتابة المفاهيم والجدليات والفكر كمواطنات قبل أن يكن نساء، فهن يتآلفن مع الشخصيات والأمكنة والآراء بمنأى عن تجاربهن الشخصية، بحيث يتناولن القضايا الكبرى ابتداء من حق الإنسان وانتهاء بحق الحب والأمومة. وهذا بالطبع لا يعني عدم وجود فئة عريضة تتفاعل بشكل سريع مع مستوجبات اللحظة وتتناولها خارجة تواً من تنور الحدث طازجة ودافئة، خصوصاً الكاتبات اللاتي لهن زوايا يومية. رحاب أبو زيد أما عن حرية الكتابة ، فما أعرفه هو أن بعض المقالات .. لا تعبر بالضرورة عن رأي المطبوعة كما يكتب عادة، وفي نظري لا تعبّر أيضاً عن رأي كاتبتها، ليس نتيجة تدخلات أو خوف من مقص الرقيب فقط، بل لمسائل اجتماعية وعُرفية بحتة. فصحيح أن ظاهرة الأسماء المستعارة بدأت تختفي بشكل واضح من بين الكاتبات، إلا أننا لم نستطع بعد القضاء على ظاهرة اختباء لقب القبيلة أو الانتماء العائلي. في الوقت ذاته نحن نؤمن بأن العالم يتقلّص تدريجياً للدرجة التي لا يمكن أن نتجاهل فيها ما يحدث خارجنا، حتى هذا الخارج أصبح قريباً يصارع الضغوط ويحاول التناغم مع مفاهيم التعايش والانتماء. شمس علي : السمة الغالبة للمقالات بشكل عام تأتي كردة فعل لأي قضية اجتماعية، أو ثقافية وحينما نتحدث عن الكتابات التنويرية لابد أن نعترف أننا أمام مفاهيم كثيرة مشوشة غير واضحة المعالم، تتأرجح بين الحريات والحركات النسوية والليبرالية والإسلامية والتغريب ومحاربة الاستبداد والاضطهاد والعنصرية.... إلخ من المصطلحات التي يتم فيها تصنيف كل كاتب على حدة أو اتهامه أو التصفيق له، إنما لانستطع أبداً إنكار جرأة بعض الكاتبات في الطرح واجتياح المعنى التنويري داخل السطور وبينها، خاصة لدى بعض أقلامٍ تمارس دسّ صفعاتها داخل قفاز من حرير، كما تصوّب سهم الكتابة باتجاه قلب وصميم مسألة حيوية . وهذا خلافاً عمّا كان يحدث في السابق من كتابات بنفسجية ووردية تخشى من الغوص عمقاً، بل تلامس السطح.. وتكتفي به. رحاب أبو زيد. روائية وكاتبة فيما يتعلق بي ككاتبة مقال أسبوعي، أكتب ما أشعر به ملحاً مسبباً الكثير من القلق والضغط في داخلي، ما يسكن عقلي ووجداني لأمد ثم يتحول إلى ثورة عارمة لا تفتأ تدفعني إلى الظن بأنه التوقيت المناسب، الكاتب في المجمل لا يمتلك دائماً ملفات معلومات سرية لكل القضايا لكنه يجب أن يمتلك ما هو أهم من المعلومة، الحدس.. والإحساس الدقيق والشفيف بالتطورات التي قد تطرأ على قضية ما، بعد ذلك تأتي الرؤية التي تنطلق بلا شك من زاوية مختلفة عن السائد أو هكذا يجب أن تكون، لا أحب أن أردد ما قيل وكتب في أعمدة أسبوعية أو يومية خاصة إذا أشبع الموضوع إحاطة وتنويهاً، فأتساءل دوماً ما هو الجديد الذي يمكنني أن أضيفه؟ قد تجدني أحياناً كثيرة أعيد تسليط الضوء على موضوع قد شرد عنه الناس والتهوا بحديث الساعة، وهنا يبرز الفرق المهم وهو إجادة الربط والتحليل، صحيح أن الأحداث متلاحقة ومتسارعة ومن الضروري للكاتب الصحفي مواكبتها للتعليق عليها، ولكن إذا لم يأت هذا التعليق بجديد سوى إعادة تدوير ما يدور بأرجاء مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر، فليس للمقال من أهمية مؤثرة على مدى تاريخه وتأريخ الأحداث،إذ لا أعتبر مهمتي هي تجميع آراء الناس في اتجاه معين لأسبكه في مقالة، مهمتي لفت نظرهم لزوايا جديدة، وهنا أستطيع القول إن القارئ لصحيفة يومية بحاجة لجرعات من الجمال والإيجابية وما يبعث فيه الإلهام والقدرة على العطاء والاستمرار، وتركيزنا نحن الكتاب على قضايا الفساد المتكررة يشحن الأجواء - أحياناً- بالمزيد من الاضطراب والتوتر، كما أن الكاتب نفسه يحتاج بين الحين والآخر للتغيير لينقذ روحه من الترسبات.. أما ما يطرح من كتابات المقالات في الصحف والمجلات السعودية يمثل حالة متناغمة بمعنى يشكل تيار ضاغط في قضايا ما فاعتقد أن الإجابة تحتمل نعم ولا .. هناك تناغم بين مجموعة أسماء معروفة ومواقفها مشهودة وبعيدون كل البعد عن التناقض مع ذواتهم وبين ما يطرحون في الصحف وفي مواقع التواصل الاجتماعي مثلاً، وهؤلاء ينجحون في تشكيل هذا التيار الضاغط الذي إن لم يؤت ثماره اليوم ستصل أرجاء المعمورة أصداء كلماته يوماً ما، وهناك من تنطلق من زاوية أحادية الرؤية لتشكل حالة فردية وفريدة من نوعها سواء في التجدد والطرح المميز أو في تلبسها دور البوق لموروثاتنا الاجتماعية التي أفلحت بتقديمها بشكل أكثر أكاديمية وأناقة فقط لا غير، هي لا تغرد إذاً خارج السرب إنما بقيت أسيرة فكر سائد لإرضائه تجنح لتجاهل المستجدات وإنما تسخرها دائماً طوع هذا التيار أو ذاك، لست مع كوننا صوراً مكررة أو متشابهة من بعض لكنني أزعم أن عدم تحقيق المرأة الكاتبة لنجاحات تذكر هو أنها تفتقر لوحدة الصف والمطالبات وعدم تقديمنا لأي دعم لبعضنا البعض بخلاً أو تعالياً ربما! إذا كان ثمة تفرد مرغوب فلا بد أن يكون ضمن السياق الإيجابي للمرحلة العامة لا بد أن نوسّع المدارك والرؤية للاتفاق وليس للفرقة بداعي الشهرة وإرضاء الآخرين.. ربما لم يعد هذا هو زمن الكتابة المتخصصة فالشأن الاقتصادي والسياسي والفكري والثقافي والاجتماعي متداخل ويؤثر ويتأثر كله ببعضه والعكس صحيح، ليس لي تقييم زميلاتي، لكني أقيّم أدائي ووجودي بالوسط كل أسبوع، وأتردد في الحضور لو نفدت بضاعتي وقدرتي على تقديم المستنير من الأفكار والزوايا غير المدببة في الطرح، لا أتفق مطلقاً مع فكرة حصر قضايا المرأة على الكاتبة ولا في حصر الرجل الكاتب في قضايا مجتمعه لأنه لا تشغله وحده، وذكرت مراراً أن المرأة ليست نصف المجتمع بل هي كل المجتمع في وحدة وتكامل مع الرجل الشريك في الحياة والموارد والمعطيات، فهل يمكن حصر الكاتب في قضايا الذكورة والرجولة مثلاً؟! لذلك أمرر بشكل معجون مع الفكرة الرئيسة في المقالة العديد من المستويات التي أرجو بصدق أن تصل لتوعية القارئ بطريقة غير مباشرة إلى الرقي بفكره ومسلماته ونظرته للأمور، فتضرب المقالة في عدة اتجاهات، ويكفيني نجاحا حينذاك أن أجد قارئاً يعيد التفكير في أمر كان يشكل بالنسبة له يقيناً لا رجعة فيه! شمس علي.. قاصة وكاتبة أجد أن السمة الغالبة لمادة المقالات المنشورة في صحفنا بشكل عام وليست فقط تلك التي تتناولها الأقلام النسائية أو تلك التي تثير وتناقش قضايا المرأة، عادة ما تأتي كردة فعل لطفو أي قضية اجتماعية، أو ثقافية، أو صحية على السطح بعد أن يفجرها حدوث جريمة أو حادثة أو تصريح مسؤول، وقتها تنهمر على القارئ العشرات من المقالات التي تتحدث حول نفس القضية المثارة في هذا الوقت تحديدا لسبب أو آخر، وللأسف لاتلبث الزوبعة أن تتلاشى كما جاءت دون أن تحرك عادة المسؤولين نحو تحمل مسؤوليتهم في اجتراح حلول جذرية لها، لتأخذ قضية أخرى دورها في الطابور المتخم بالقضايا-وما أكثر قضايانا- والمؤسف أيضا أننا ننتظر في كثير من الأحيان حدوث كارثة، حتى يتم إثارة قضية ومناقشة مسبباتها. لا أجد أن المقالات لدينا تمثل حقيقة ورقة ضاغطة، لو كانت تمثل بالفعل ورقة ضاغطة لانحلت العديد من القضايا العالقة منذ زمن والتي يتم إثارتها من وقت لآخر، ولانحلت مثلا قضية مثل قضية قيادة المرأة للسيارة، تم مناقشتها في الصحف حد السأم من قبل معظم كتاب الرأي إن لم يكن جميعهم، وأجمع الكثير منهم على أحقية المرأة بالقيادة. أما عن خطاب الكاتبات اللاتي يكتبن في الشأن التنويري لا يختلف كثيرا عن خطاب الكتاب الذين يكتبون في هذا الشأن، فهناك الجيد المنفتح على كل الأفق وهناك الردئ والإنشائي، والمكرور. هناك الطرح العميق المقنع الذي لايستهين بعقلية القارئ، والطرح الذي لاغاية لكاتبه أو كاتبته سوى تحقيق المزيد من مكاسب الإثارة، والطرح الذي رغم ادعائه التنوير يتطرف فيما يطرح ويقصي الآخر المختلف معه، والأمر نفسه تجده ينطبق أيضا على بقية كتاب التيارات الأخرى.