تتجه وزارة التربية والتعليم إلى ما سمَّته جريدة الشرق الأوسط الأسبوع الماضي: «مرحلة تجديد الدماء والبحث عن الكفاءات المميزة لقيادة إدارات التعليم... بعد أن استمر عمل مديري التعليم لسنوات طويلة.. وتسعى وزارة التربية إلى تطبيق المدد النظامية لعمل مديري التعليم البالغ عددهم (83) بتحديد مدة عملهم بثلاث سنوات». بلاشك أن استمرار عمل مدير التعليم لمدة طويلة خلل إداري جرَّ كثيراً من إدارات التعليم إلى كوارث وراكم السلبيات والأخطاء حتى تحوَّلت بعض إدارات التعليم إلى تجمع (شللي) وعائلي وأصدقائي أكثر من كونه أداءً مهنياً يصب في مصلحة التربية والتعليم.. فإذا كانت هذه من إحدى سلبيات وأخطاء التربية والتعليم فإن هناك كارثة إدارية أكبر تشمل أجهزة قطاعات الدولة وهو استمرار عدد من المعمرين وظيفياً في مناصبهم وهم وكلاء الوزارات والوكلاء المساعدون ومديرو العموم... فتجد بعض وكلاء الوزارات في قطاع الخدمات في وزارات: التعليم العام، والتعليم العالي، والصحة، والتجارة، والصناعة، والنقل، والمياه، والكهرباء، والبلديات، والمالية. أي القطاعات ذات العلاقة والاحتكاك المباشر بمصالح المواطنين تجد أن بعض الوكلاء معمّرون يصل بقاؤه وكيلاً لأكثر من خمسة عشر عاما والبعض قد يصل إلى ربع قرن في حين أن الوزير نفسه قد تغير أكثر من مرة فيرحل وزير ويأتي آخر والوكيل باقٍ بلا حراك ولا زحزحة حتى أن بعض الوزارات شملها تغيير الوزير واسم الوزارة ودمجت أكثر من وزارة ببعضها وضمت وزارة إلى أخرى ووكيل الوزارة باقٍ وياجبل ما يهزك ريح.. هذه بالفعل الكارثة الإدارية لأن الوكلاء والوكلاء المساعدين في بعض الحالات هم الوزراء الفعليون وهم من يمسك بمفاصل وتلابيب الوزارة .إذن ما هي الجدوى من من مجيء وزير جديد إذا كان الوزراء متحركين والوكلاء ثابتين دون أن يهتزوا وهم التخطيطيون والإشرافيون والتنفيذيون.. فالوكلاء بعد أي تشكيل وزاري يعطون الوزير فسحة من الوقت لا تطول أكثر من شهرين أو ثلاثة أشهر للتصريحات الصحفية، وعرض الخطط والطموحات الجديدة وبعد ذلك يباشر الوكلاء في استحواذ الصلاحيات والمسك بأمور الوزارة من جديد. وحتى ننهض بالعمل الإداري ونطور من أدائنا لابد أن يكون هناك تنظيم لمدد وكلاء الوزارة وتحدد الفترة الزمنية لبقائهم إما بثلاث أو أربع سنوات وغير ذلك .أما أن تكون مناصب وكلاء الوزارات مناصب لها صفة الديمومة وتصبح ضمن الأملاك الخاصة وملازمة لشخص المسؤول فهذا من الأخطاء الادارية التي تجرنا إلى الخلف وتعيق جميع مشاريعنا الإصلاحية وتوقف طموحنا في محاربة الرتابة الادارية وأيضاً الفساد الإداري. ثم لماذا نعطي وكيل الوزارة حصانة خاصة وحماية لبقائه أكثر من 15 سنة في حين أن الوزراء قد لا يستمرون إلا فترة واحدة فإذا لم يرافق تجديد الوزراء نظام يدعم الوزير في تفكيك الوكلاء المعمرين وإحلال وكلاء بدماء جديدة وتقنية جديدة وفكر إداري جديد فإن لم نقدم على هذه الخطوة فنحن نعزز من سيطرة الإدارة التقليدية والمتنفذين الذين يقفون في وجه الإصلاحات التي ينوي الوزير الجديد إحداثها في الوزارة. الأمر المهم في تحديد مدد وكلاء الوزارات هو هذا الجيل الذي ينتظر على هامش الوقت بحثاً عن منصب اداري بعد أن تأهل في جامعاتنا أو الجامعات الأجنبية وطوَّر أداءه إدارياً واكتسب خبرة أكاديمية وميدانية وتمرس بالعمل المهني لكنه بقي صفاً ثانياً أو ثالثاً لا يستطيع أن يخدم بلاده بالصورة التي يرضى عنها ،وأصبح معزولاً عن القرار أو حتى المشاركة فيه ، يصاب جيل مؤهل بالإحباط وينتهي إما (مركونا) في إحدى المكاتب الخلفية للوزارة أو للتقاعد المبكر أو الانتقال للقطاع الخاص وتخسره الوزارة التي ساهمت في تعليمه وتدريبه وابتعاثه داخلياً أو خارجياً فهل نحن نعاقب هذا الجيل بالإحباطات والتململ. تدوير مناصب وكلاء الوزارات ومديري العموم هو ركيزة أساسية لإنجاح العمل الإداري وهدف تخطيطي لمنح أبناء المجتمع فرصة المشاركة في صياغة قرارات بلادهم... وإعطائهم دوراً في بناء هياكل قطاعات الدولة... ومنحهم فرصة المساهمة في تثبيت الرخاء الوظيفي والشعور في العدالة الإدارية بدلاً من جعل وكلاء الوزارات حكراً على أسماء محدودة ووجوه محدودة فنحن نغير بأسماء الوزراء وأسماء الوزارات بحثاً عن التطوير والتجديد والإصلاح الإداري لكننا نقع في أخطاء كارثية عندما نبقي على البنية التحتية الإدارية والفنية من الوكلاء ومديري العموم كما هي ،ويصبح الوزير الجديد محاصراً بإدارة ووجوه قد لا تناسب مرحلته من حيث التطوير وتحسين الأداء والإصلاح الذي تنشده قيادتنا وتحثنا على تنفيذه.