دعا مختصون ومواطنون إلى تبني مراكز الأحياء والبلديات والعُمد لفكرة التواصل الاجتماعي بين أبناء الحي الواحد، من خلال إنشاء "موقع إلكتروني" شامل تحت مظلة حكومية أو خاصة، مما يُعزّز مكانة الجوار وينبئ عن أحوال السكان، وكذلك زيادة فرص التواصل. وتُعد فكرة إنشاء شبكة اجتماعية تربط سكان الحي الواحد امتداداً لمثيلتها في أوروبا وأمريكا، التي استطاعت ربط الأفراد ببعضهم حسب اهتماماتهم أو مدنهم وأحيائهم, إلاّ أنه لابد من رسم أهداف واضحة لها؛ على أن تكون خدمة الحي في المقدمة، إضافةً إلى المُساهمة في تطوير العلاقات بين الجيران، والتعاون مع الجهات الحكومية، إلى جانب توثيق العلاقة بالمؤسسات التي تقدم الخدمات. ولكي نُحقق فكرة "موقع إلكتروني" لكل حي سكني، لابد من تفعيل دور "عُمد" الأحياء، وهذا يتطلب تفعيل آلية واضحة ودقيقة وصارمة في اختيار الشخصيات المناسبة، إضافةً إلى تفعيل مجالس الأحياء وإعطائها الرعاية والصلاحيات تحت مظلة رسمية. يُتيح الموقع الالكتروني معرفة أحوال الحي من أي مكان تكافل اجتماعي وقال المواطن "ماجد الجهني": إن تبني هذا الطرح من قبل أي جهة يُعزّز من فرص التكافل الاجتماعي بين أبناء الحي الواحد، ويجعل كل فرد يعي واجباته ومسؤولياته تجاه جيرانه، امتثالاً لوصايا النبي صلى الله عليه وسلم, مضيفاً أن الحياة اليوم جعلت الفرد بعيداً عن الجار والأقارب، لكن الاستخدام الأمثل للتقنية من شأنه تقوية العلاقات والصلات, حيث سيجد المريض من يعوده, والمدين من يعينه, ومن ابتلي بفقد عزيز من يعزيه ويواسيه, ومن لديه مناسبة فرح من يهنئه ويشاركه فرحه، مقترحاً أن يحوي الموقع دليلاً بأسماء سكان الحي وأرقام هواتفهم ومواقع منازلهم، وكذلك طبيعة أعمالهم وشهاداتهم واهتماماتهم, على أن يضم قسما خاصا بالفتيات وآخر بالشباب، إلى جانب تخصيص قسم يُعزّز المردود الاقتصادي للأسر المنتجة والتعريف بمنتجاتها, وآخر خاصا بالمناسبات لإيصال دعوات الخطوبة والزواج أو غير ذلك من المناسبات, إضافةً إلى أهمية وجود مكان لعرض مشاكل الحي والخدمات التي يحتاجها, وأن يسبق ذلك تعريف بالحي تاريخياً من خلال كبار السن. يُسهم الموقع في تقديم معلومات صحيحة للأجهزة الحكومية لقاءات الجارات وأوضحت المواطنة "أم يوسف الحربي" أن مقترح إنشاء موقع إلكتروني للحي جدير بالاهتمام، ومن شأنه عودة لقاءات الجارات التي طوتها المدنية لبعد الناس وانشغالهم, مضيفةً أن وجود موقع إلكتروني في الحي يُعزّز الجانب الأمني من خلال معرفة السكان، جنسياتهم وأعمالهم وأسرهم وعلاقاتهم بالآخرين، مؤكدةً على أن ذلك من شأنه منع وجود أشخاص دخلاء أو أصحاب أفكار منحرفة أو مخالفين للأنظمة, كذلك يُسهم في إيجاد علاقات صداقة جديدة بين الأجيال المختلفة أو الفتيات ذوات الاهتمامات المشتركة, محذرةً من الجانب السلبي للاستخدام غير الصحيح إن وجد، مما يجعل على الأمهات دوراً وواجباً أكبر في زيادة الوعي وتربية الجيل. وجود صفحات للحي على مواقع التواصل يزيد من الترابط بين أفراده يحقق التواصل مع الجيران والتعاون مع الأجهزة الحكومية في تقديم البلاغات الأمنية وتنفيذ المشروعات ماضي جميل وأكد "د.حميد بن محمد الأحمدي" -باحث تربوي- على أن الإسلام أوصى بالاهتمام بالجار وعظم حقوقه، قال تعالى: "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ", قال الرسول صلى الله عليه وسلم" "مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت إنه سيورثه", مبيناً أنه حينما نسترجع الماضي في المدينةالمنورة على سبيل المثال نجدها كانت مقسمة إلى أحواش، كل حوش تعيش فيه مجموعة من الأسر تشكل حياً، وتتكامل هذه الأسر فيما بينها، فنرى على سبيل المثال في مناسبات الزواج يفتح الجيران القريبين مكاناً من أهل الفرح بيوتهم لتكون مقراً لإقامة الزواج، ويعدون هم وجميع الجيران الطعام في بيوتهم كل حسب استطاعته، ثم يجمع هذا الطعام ويوضع في المكان المخصص لإقامة الحفل، وكأن هذا الحي بيت واحد, موضحاً أنه كان التواصل بينهم مستمر، وتزينه المودة والمحبة المبنية على الاحترام والتقدير, مشيراً إلى أنه في عصرنا الحاضر كبرت الأحياء وكثر الناس وازدادت مشاغلهم، وضعف التواصل بين الجيران، حتى أن بعض جماعة المسجد الواحد الكثير لا يعرف اسم جاره ولا عمله، ناهيك عن أحواله!. د.حميد الأحمدي خدمة الحي وأوضح "د.الأحمدي" أنه لتفعيل التواصل بين الجيران وتأصيله، وتوثيق الصلة بينهم، فإني أؤيد مقترح تأسيس موقع الكتروني لكل حي من الأحياء، يعمل وفق الأنظمة والأدب العام، ويشرف عليه عمدة الحي، حيث يُسهم في ربط أهل الحي ببعض، وكذلك زيادة روابط المحبة والألفة بين أهل الحي، ومعرفة أحوال الجيران والتفاعل مع كل مناسبة، إضافةً إلى الإفادة من تخصصات أهل الحي، والتواصل حول ما يطرح من أفكار ومقترحات لتطويره وتحسينه. وأكد "باسم حسن الحولي" -فني أجهزة تحكم في إحدى شركات الاتصال- على أن فكرة إنشاء شبكات اجتماعية تربط سكان الحي الواحد هو امتداد لظاهرة الشبكات الاجتماعية في أووروبا وأمريكا، والتي استطاعت خلال وقت قياسي ربط الأفراد ببعضهم حسب اهتماماتهم أو مدنهم وأحيائهم, مضيفاً أن هذه الظاهرة يجب أن تدعم وتعزز بشرط معرفة القائمين عليها، وكذلك رسم أهداف واضحة لها، وفي مقدمتها خدمة مجتمع الحي، والاهتمام بما يقدم له، إضافةً إلى تطوير البيئة والعلاقات بين الجيران، وتقديم المساعدة فيما بينهم للمستحق، والتعريف بالمناسبات المختلفة، إلى جانب مساعدة الجهات الحكومية، وزيادة التواصل بشتى المؤسسات التي تقدم الخدمة للحي, مُشدداً على أهمية نشر الثقافة والوعي بين مستخدمي الشبكة للإفادة من الموقع وتفعيله بالشكل المناسب. باسم الحولي رؤى وأفكار وقال الأستاذ "عبدالله الجميلي" -أكاديمي في قسم التربية بالجامعة الإسلامية-: إن التقنية الإلكترونية الحديثة ومواقع وبرامج تواصلها المختلفة، أصبحت نافذة وقنوات تواصل في شتى المجالات ومنها العلاقات الاجتماعية, لكن للأسف فإن استخدام المجتمعات العربية للإنترنت وما يتبعها من برامج يغلب عليه بحسب الإحصاءات والدراسات الحديثة الجانب السلبي بصوره المختلفة، مضيفاً أنه عندما نضيق الدائرة ونصل إلى محطة مجتمع المملكة نجده من أكثر المجتمعات تفاعلاً وتواصلاً مع الإنترنت ومواقعها المتنوعة؛ ف (12%) من السعوديين ساكنون في "تويتر"، وأعلى نسبة مشاهدة في العالم ل"اليوتيوب" محجوزة للسعوديين ب(90) مليوناً, مشيراً إلى أنه للتأكيد على ذلك التفاعل الكبير مع برنامج "الواتس آب"، مُشدداً على أهمية استخدام التقنية في تواصل أهل الحي، ذاكراً أنه من الجميل أن يكون لكل حي سكني موقعه ومنتداه الخاص الإنترنت وصفحته على "الفيسبوك" و"تويتر" و"اليوتيوب" وغيرها، من خلالها يتبادل الجيران الرؤى والأفكار ويتفقدون بعضهم، ويطرحون مشاكلهم وحاجياتهم بيسر وسهولة ودون تكاليف أو عناء أو صعوبات اجتماع. عبدالله الجميلي دور العُمدة وأوضح "الجميلي" أن هناك عقبة ربما تقف في طريق نجاح هذه الفكرة أو التجربة على نطاق واسع، وهي أنّ التقنية ومواقع وصفحات التواصل الاجتماعي مع أن لها دوراً إيجابياً، إلاّ أن لها سلبيات كثيرة وخطيرة، كنشر الشائعات وبعض الأفكار والسلوكيات المنحرفة، التي قد تهدد أمن الوطن وأخلاقيات وأفكار أبنائه, مضيفاً أن هناك أموراً وإجراءات تسبق خطوة الإفادة من التقنية والإنترنت في تواصل أهل الحي، ومنها تفعيل دور "عمدة" الحي، لكي تعود له مكانته ورسالته، وهذا يتطلب تفعيل آلية واضحة ودقيقة وصارمة في اختيار الشخصيات المناسبة لهذا المنصب، ثم إصدار تشريعات تساعده، إضافةً إلى منحه إمكانات تعينه، ومن ذلك تهيئة المقر المناسب له، ثمّ هناك تفعيل مجالس الأحياء وإعطائها الرعاية والصلاحيات بإشراف العُمدة تحت مظلة رسمية ربما تكون جهة مشتركة بين إمارات المناطق أو المحافظات والبلديات والشؤون الاجتماعية, متمنياً تحقيق أن يكون لكل حيّ في وطننا مركز حضري يشتمل على مقر لعُمدة الحي ولمجلسه وساحات وصالات رياضية وقاعة احتفالات ومحاضرات ومكتبة. وتساءل: هو مجرد حلم، فهل يتحقق؟، إذا تم ذلك يمكن أن يكون لكل حي موقع على الإنترنت وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، مُشدداً على أهمية أن يكون بإشراف رسمي ومراقبة لا تمنع الحريات المنضبطة، لكنها تقف في وجه التجاوزات والمخالفات.