من أجمل ما كشف لنا عنه برنامج "عرب غوت تالنت" لهذا الموسم، موهبة تستدعي التأمل والتفكير خاصة بعد أدائها الثاني على مسرح البرنامج. ففي هذه المرة لم يكشف البرنامج عن موهبة عربية لكنه كشف عن فن عربي يمكن أن يلهم موهبة غير عربية. جنيفر جراوت ظهرت لأول مرة في العروض الأولية للمواهب على الشاشة وهي تتكلم باللغة الإنجليزية، لتظهر على المسرح بالعود وما إن بدأت بالغناء حتى أدت مقطعاً لأغنية أم كلثوم بتمكن. ثم عادت مرة أخرى في التصفيات نصف النهائية لتؤدي أغنية أسمهان "يا طيور" بكل إحساس واقتدار رغم صعوبة الأغنية والطبقات الصوتية التي تتطلبها وبلسان عربي طليق. تكشف لنا جنيفر دون أن تشعر، كيف يمكن للفن أن يخاطب الوجدان ويؤثر فيها. فهي لا تعرف العربية، ولم تنحدر من أي أصول عربية أو حتى تركية، وتقول في مقطع من البرنامج إنها كانت تأخذ في الجامعة مادة عن الشرق الأوسط وسمعت الموسيقى العربية في معرض بحثها عن هذه المنطقة، ولكن الموسيقى أسرتها عندما سمعتها، وأصبحت ترغب في تعلمها وغنائها. وتقول أيضاً إنها تطلب حين تغني أن تترجم لها الأغاني، أي إنها في سماعها الأول لها لا تفهم الكلمات، ولكنها تحس بالموسيقى واللحن، وإذا أحست أنه وصل إليها، طلبت الترجمة حتى تتفاعل أكثر معها وتؤديها بكل إحساس. وجنيفر، بالمناسبة، ليست حالة خاصة، ولكنها لأنها موهوبة أولاً وبسبب حضورها إلى البرنامج ثانياً فقد عرفناها، ولكن هناك غربيين كثر سحرتهم الموسيقى العربية والغناء العربي. هذا ما يفعله الفن من موسيقى وغناء وفن تشكيلي وسينما ومسرح؛ فهو يتخطى كل حواجز العقل ليدخل إلى القلب مباشرة، محدثاً أثراً من نوع خاص. ولذلك تحرص الأمم المتقدمة على الفنون لأنها من خلالها تستطيع أن تجذب وتؤثر، وأن تنقل ما يعكس تاريخها وتراثها. هناك من يتحدث عن حوار الحضارات بإقامة ندوات ومحاضرات، ولا يعرف أنه يمكن أن يختصروا الكثير من الوقت بعروض فنية تفي وتصل بشكل أقوى بكثير من أي محاضرة أو ندوة. الفنون واجهة حضارية بدونها لا يمكن لأي حضارة أن تدعي التفوق أو التميز. هي شيء أساسي وليس كمالياً أو للترفيه فقط، كما يعتقد البعض، لأنها هي من تلهم وتثير الخيال والإبداع للعمل في شتى المجالات، وهي أيضاً أسرع الطرق للتأثير والتواصل مع الحضارات والشعوب الأخرى. من وصلة جنيفر في نصف نهائي البرنامج