لا ادري كم مرة ظللت ألهو بفكرة تعلم أصول العناية بالنباتات وزراعة الأشجار والزهور بحديقة المنزل. ربما منذ أن تعرفت إلى هذا العالم حينما كنت أزور قريبتي المسنة في حديقة بيتها وأراها متكيفة تماماً مع العمل بالتربة وغرس البذور والحديث عن كل التفاصيل المتعلقة بها. وكنت أبدو محرجة لأنني لم أكن أعرف أكثر. لذا كنت أسألها عن كل خطوة ثم أبدأ مشاركتها بقص بعض أغصان الشجر بعد ارتداء القفازات الخاصة واتبع خطواتها دون ملل. ثم لاحظت كيف كان الوقت يمرق بيننا سريعاً وكيف أن حتى الاستراحة تحت الظل على المقاعد الخشبية حيث أكواب الشاي لم يكن يطول. ولاحظت أيضا كيف كانت المرأة الناضجة تعتني بزرعها المتنوع وتلفحها الشمس في فصل الصيف، يحمر وجهها وتشكو الحر ولكنها أبداً لا تتوقف عن عشقها بالحديقة وما تزرعه فيها. وأحببت ملامسة التربة وقدرة تشكيلها ورائحتها. ومنذ أسابيع كنت أردد مازحة عن حاجتنا لمعلمة متخصصة واعترضت ابنتي التي بدأت بزرع النعناع والبطاطا الحلوة وبعض الأعشاب- هوايتها الجديدة، وتؤكد بان الإنترنت أحسن معلم. ووافقتها بانه مصدر جيد للمعرفة لاشك غير ان تجربة التعليم الحي له فوائده أيضا. خاصة واننا نختلف جغرافياً بما يخص الأجواء ونوع التربة ومدى توفر الأمطار مما يعني تعلم لغة اعتناء خاصة ولا يمكن تعميمها على كل شيء بالطبع. وكلنا يعلم مدى روعة الجلوس بجوار الطبيعة سواء كان ذلك بحراً أو براً أو غابات... ولأننا لا نملك كل هذا التنوع الاختياري فإن العمل على ابتكار شيء قريب من هذه العوالم له إحساس جميل وشعور بالانتعاش. والأن كلما جاءت سيرة غلاء بعض الخضروات أو ندرتها نفكر لمَ لا نزرعها؟ خاصة وانها ستكون عضوية وبلا كيماويات مضرة والفكرة ليست من باب الاكتفاء الذاتي وإنما البهجة باننا أنتجنا شيئاً وأذكر الآن شجرة المانجو التي تطرح ثمارها وكيف كنا نتطلع إليها بفرح هذا عدا الشمام والطماطم والنبق. ومن المعروف أن كثيراً من بلدان العالم أصبحت تخصص حدائق معلقة في أسطح البنايات والمنازل وشاهدت بعضها منذ قريب في إحدى البرامج وأذهلتني الفكرة من حيث جمالها فلو تخيلنا أسطح بيوتنا مليئة بالأشجار والنباتات في قصاري ملونة ومرتبة وربما أحواض مائية كهربائية تسمعنا حركة المياة وأجواء ربيعية منعشة ألن يكون الجلوس عندها مريحا؟ في مقال عن العناية بالحدائق المنزلية وتأثيرها العلاجي نشر في صحيفة الميرور البريطانية كتبت الدكتورة مريام ستوبارد وهي شخصية إعلامية وكاتبة وطبيبة أيضا، كتبت مقالاً عن أهمية العناية بالنباتات والزهور، وهي بالمناسبة في الخامسة والسبعين من عمرها ولا يمكن رؤية هذا العمر على شكلها أو أدائها ما زالت تمارس عملها وتنشر الكتب العلمية وتكتب في الصحف. وتقول فيما يشبه القناعة الذاتية بانها تعشق العمل في الحديقة وتدرك عن تجربة مزاياه العلاجي إذ إن عقلها يبدو وكأنه يسرح بلا حدود عندما تكون في حضرة ورودها وأشجارها. وتستشهد بسكان اكيناوا وكيف انهم كمعمرين يهتمون كثيراً بأمر العناية والعمل في الحدائق وتحلل نشاط السكان الذين يعملون معظم الوقت بان الحركة المستمرة تقوي العظام وتحافظ على التوازن وتحسن القوة الأساسية وبالتالي تمنع السقط والكسور لذا يبدو العمل في الحديقة ليس ممتعاً فقط وإنما جالب للنشاط والتفاؤل.