الترجمة من أهم الأساليب الضرورية للاحتكاك بين الشعوب والتعرّف على ثقافاتها وعلومها وتقنياتها، وهي جسر تعبر من خلاله حضارات الشعوب والأمم، والترجمة مرحلة أساسية في بناء الحضارات ونقل العلوم والتقنية، وهي مفيدة وضرورية لتقليل حجم الفجوة الحضارية بين الأمم المتقدمة والأمم الأقل تقدماً. والترجمة قبل أن تكون فناً من الفنون التطبيقية، فإنها أيضاً موهبة مثل بعض المواهب التي ينميها الإنسان، ويعمل على صقلها وتنميتها مع الزمن، وذلك من خلال اكتساب معرفة جديدة وتمرس ذكي بكل ما تحفل به من أسرار ومعان. ولا شك أن إتقان اللغة التي يقوم المترجم بالنقل عنها، بالإضافة إلى اللغة التي ينقل إليها، من الأمور الأساسية التي يجب أن يتقنها المترجم حتى ينجح في أداء مهمته سواء بالترجمة الشفوية أو التحريرية. وكثير من الناس يعتقد أن بإمكانه الترجمة من لغة إلى أخرى بمجرد معرفته للمفردات اللغوية أو المصطلحات الفنية لكلتا اللغتين، وهذا غير صحيح على إطلاقه! فالترجمة ليست مجرد تحويل كلمات لغة معينة إلى لغة أخرى من خلال الاعتماد على القواميس والمعجمات اللغوية، ولو كانت الترجمة كذلك، لكانت الترجمة الآلية أكثر نجاحاً وتطوراً وتوفيقاً من الترجمة البشرية، لكن الترجمة وخاصة ترجمة الفنون والآداب هي عملية معقدة، إنها إضفاء روح المؤلف على النص المترجم، وكأنه كتب بواسطة المؤلف، وبذلك يكون النص المترجم متماسكاً واضح الأسلوب والمعنى والدلالة. إنها الترجمة التي يستمتع بها القارئ ويستفيد منها، وهي -بعد- الترجمة التي تستطيع أن تجذب القارئ غير المتخصص، وتحفز الباحث المتخصص لمزيد من المعرفة والبحث عن كل ما يفيده. وحيث أن الترجمة تحتاج إلى كثير من الإمكانات والقدرات، فإن على المترجم أن يتغلب على مشكلات الترجمة بما يلي:- - أن يكون مثقفاً ثقافة واسعة في الناحيتين اللغة المنقول عنها، والأخرى المنقول إليها. - أن يكون المترجم قد أعد إعداداً جيداً فيما يتعلق بالمادة التي يتولى ترجمتها، ولا يكفي هنا أن يكون المترجم ملماً باللغة المنقول عنها، واللغة المنقول إليها. - أن يكون على علم وإدراك جيد بدلالات القاموس العادية والشائعة. - لكل علم من العلوم أو فن من الفنون مصطلحاته وطريقة أدائه، وغير ذلك من الأمور التي لا بد أن يكون المترجم متمرساً بها، قبل أن يبدأ ترجمة أي عمل فني أو أدبي. - أن يكون المترجم ملماً بموضوع الترجمة، مع إدراك سليم لما يجري في العالم، وقدرة على استخدام المنطق والفهم الواعي لكل ما يترجمه. وما أجمل أن تكون الترجمة نبضاً صادقاً لنقل الثقافات والعلوم والتقنيات والمعارف بدلاً من أن تكون مسخاً لها أو تشويهاً للغة والفكر.