نحلم دائماً بوطن مختلف، وطن نكون جزءاً منه ويبقى في قلوبنا، نسعى كأفراد لأن نحمل كل ما يتعلق به في داخلنا، وعلى الرغم من الآمال والتطلعات نتعهد أن نبقى أوفياء له، حراسا له، من كل ما يمكن أن يفسد ترابطه أو يزعزع أمنه، نفعل ذلك ونحن معلقين بالكثير من الطموحات، التي نرغب أن تتحقق على المستوى الحقوقي، فهناك منجزات نرغب في أن تتسع، وهناك آمال نرغب في أن تتحقق، وفي مقابل ذلك جميعا هناك وطن يجب أن نحبه كثيراً، وأن نحميه، وأن نحافظ عليه، قبل كل شيء وأي شيء. تحسين مستوى الأداء والخدمات يحتاج إلى نقد موضوعي إن ذلك الحُب يستلزم أن نتفهم ما يمكن أن تستلزمه خارطة الوطن السياسية والاجتماعية والاقتصادية من وعي، حتى نستطيع أن نصل إلى الكثير من التغير البنّاء، الذي يحمل مصالحنا كمواطنين ومصالح وطن مازلنا فيه نعيش ومنه وإليه ننتمي. وعلى الرغم من حق المواطن في إبداء مطالباته الحقوقية التي تعبر عن رأيه ورغباته وتطلعاته، لكنه لابد أن يعي ويحترم مصالح وطنه، كيف ومتى يجب أن يقف ليقول ما لديه من مطالبات دون أن يسيء إلى أحد، أو أن يكون الطعم السهل الذي يصطاد به بعض الجهات المعادية تلك المطالبات، حتى تسيء إلى وطننا وتحول مطالباتنا التي نسعى بمحبة إلى أن تتحقق وهي مشروعة، إلى مفاهيم عدائية تجاه الوطن، تصل لامتهان حقوق الإنسان وإجهاض فكرة احترام إنسانيته، نحتاج دائماً لأن نعبر عن حقوقنا، أن نتكلم بصوت واضح عمّا يشغلنا، وما يهمنا بداخل وطننا، وتلك هي السياسة الحكيمة التي تدعو إليها القيادة الرشيدة، لكننا في مقابل ذلك نحتاج أن نخاف أكثر على وطننا، وأن نحبه ونفي له، وأن نمتلك القدرة على قراءة توقيت المطالبة وكيفية المطالبة بها، دون تعريض أمن هذا البلد للخطر، فنحن جميعاً مجندون لمثل هذه المهام كمواطنين، فهل نملك الثقافة التي تجعلنا قادرين على قراءة خارطة البعد العميق للمطالبات الحقوقية في وقت ما؟ وهل نملك الأسلوب الأجدر في المطالبة بعيداً عن الفوضى وصوت الشارع؟ هل نحن قادرون على أن لا نسمح لأحدهم أن يحولنا إلى قضايا تثار ضد وطننا؟ وهل يوجد من يستغل الظروف العامة لاستخدامها كوسيلة ضغط للوصول لتلك الحقوق؟ د. مازن خياط جانب حقوقي وقال "د. مازن خياط" -عضو مجلس الشورى الأسبق في لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب-: إن المملكة تحكم المنهج الشرعي في جميع أمورها وقراراتها، وحتى على مستوى العالم الذي ينتقدنا ويجرح في طريقتنا في حفظ حقوق الإنسان أقروا سياسة المملكة في حفظ حقوق الإنسان والمواطن على حد سواء، وذلك رد قاطع على بعض الجهات الخارجية التي تنتقد الجانب الحقوقي في المملكة بدون وجه حق، مشدداً على ضرورة أن يعي المواطن واجباته تجاه الوطن قبل المطالبة بالجانب الحقوقي، فإذا عرف ذلك، هنا يستطيع أن يطالب بكامل حقوقه بمنتهى الحرية، مضيفاً أن سياسة المملكة تحترم الحقوق والمطالبة بها، فهي دائماً تضع احتياجات ومصالح المواطن بعين الاعتبار، كما أن الجميع سواسية أمام القانون، فإذا وجد من قصر في حقوق المواطنين يوجد هناك المساءلة، فأبواب المسؤول والمهتم مفتوحة، مؤكداً على أن المطالبة بالحقوق الشرعية لا غبار عليها، ولا خلاف معها، فالدين والدولة يؤيدانها ويحترمانها في كل وقت وفي أي زمان، فبلادنا بلد "ديمقراطية" في جانبها الشرعي من الطراز الأول. د. علي الغامدي نقد بنّاء وأوضح "د. خياط" أنه غالباً ما يتبع عامة الناس من أفراد المجتمع الكثير من آراء السياسيين وأصحاب الفكر والقلم وبعض المهتمين بهذا النوع من القضايا، لذلك فإن هناك مسؤولية كبيرة على هؤلاء بأن يتقوا الله في دعواتهم وفكرهم الذي يُطرح، حتى لا يكون التيار مجرد مطالب بدون تأمل أو قراءة للوضع العام للوطن، مبيناً أن العامة من الناس يستجيب لتلك المطالبات ويستخدمون الأسلوب غير الجيد لطرح تلك المطالبة، وهم يتبعون بعض أصحاب الفكر في ذلك دون إدراك للعواقب الوخيمة لكيفية تلك المطالبة وأثرها في الداخل والخارج، مُشدداً على ضرورة أن يكون هناك تأمل عميق لجميع المطالبات الحقوقية من حيث الكيفية والتوقيت، سواء كانت تتعلق بقيادة المرأة للسيارة أو حتى مطالبات أخرى، لافتاً إلى أنه حتى الناس المؤيدين أو الذين ينتقدون لابد أن يكون النقد بنّاء وعلى رؤية شرعية وطريقة لا تستخف بمن يطالب، كذلك على من يطالب أن يكون لديه فكر عميق لما يمكن أن يترتب على هذا النوع من المطالبات في الوقت الحالي، فلا يكون الخراب أكثر من الإصلاح، وذلك ما يجب أن يتنبه إليه الجميع. د. طلال بكري منصة مناسبة وتحدث "د. علي بن عبدالله الغامدي" -عضو مجلس الشورى في لجنة الإدارة والموارد البشرية- قائلاً: إن إدارة الثقافة الحقوقية مهمة للفرد، وهو مرتبط بدرجة الوعي العام في المجتمع والوعي السياسي بالدرجة الأولى؛ لأن كل المطالبات الحقوقية تتخذ طابعا سياسيا أو يكون لها مظلة سياسية، وهذا لا غبار عليه ولا جدل فيه، مضيفاً أنه مع تأييد ضرورة اختيار التوقيت المناسب يجب أن يكون هناك أيضاً اختيار المنصة المناسبة للمطالبة، مبيناً أنه لكي تظل مطالباتنا الحقوقية متوازنة ولا يحدث الاستغلال من الجهات الأخرى، ينبغي أن لا يتخذ حساسية الوقت والظرف دائماً للوقوف في طريق المطالبة بالحقوق، ففي الوقت الذي على المطالب بالحقوق أن يتحرى الوقت والأسلوب المناسبين والمنصة المناسبة، لا ينبغي أن تتخذ الأوقات ذريعة بأن يقفز الممانعون فوق هذا السبب لكسب فرصة المطالبة بالحقوق، مُشدداً على ضرورة أن تكون هناك موازنة، ففي الوقت الذي يجب أن لا نعرض مصالح الوطن والأمن والاستقرار لأي خطر، كذلك على الجهات المعنية أن تلاحظ بأنه لا ينبغي أن يحول عذر الوقت عن النظر في استحقاقات أصحاب الحقوق. د. محمد الخنيزي مواقف تصادمية وبيّن "د. الغامدي" أن جوانب الوعي ليست فقط في الثقافة الحقوقية، لكن يجب أن تطال أولويات الحقوق وأولويات المطالبة، فأحياناً نطالب بأمور هناك أشياء أكثر أهمية منها وأكثر أساسية منها، مضيفاً أن على الإعلام دورا كبيرا في تصويب الأخطاء لطريقة المطالبات الخاطئة، موضحاً أنه إذا لم تحدث تلك المطالبات بذريعة الجهل بالكيفية الجيدة، فمعنى ذلك بأنه لن تحدث الإنجازات ويتطور الوطن، ذاكراً أن جميع الشعوب تمر بمثل هذه التجارب وتعمل من خلال الممارسة حتى تصيب، مُشدداً على ضرورة عدم التصادم كالخروج في الشوارع وإشهار المطالبات، فتلك من سوء الاستغلال، كما أنه يعطل المصالح، مشيراً إلى أن الاتخاذ لا يؤدي إلاّ لمزيد من التخلف والتعطيل، لكن لا يجب أن يتخذ ذلك عذر في تعثر بعض المصالح. إشاعة بلبلة وقال "د. طلال حسن بكري" -عضو لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب الأسبق-: إن المطالبات الحقوقية أمر مشروع للجميع، والدولة ترحب بمثل تلك المطالبات، وتشجع عليها، لكن الفوضى هي الأمر المرفوض وغير المقبول، فحينما نطالب بحق مشروع ونخرج بشكل مسيرات أو نطبق ذلك فإن ذلك لا يسيء لمن يفعل مثل تلك السلوكيات، بل يسيء إلى الوطن بأكمله، مضيفاً أنه حتى إن وجد ترحيب بذلك المطلب الحقوقي، فإنه بتلك السلوكيات غير المقبولة لن تنظر لها الدولة وتأخذ بها؛ لأنها تحولت من مطالبة بالحق إلى إشاعة البلبلة والفوضى في أرجاء الوطن، مبيناً أن المطالبة الحقوقية أمر مسلم به، والدولة تدرك الأهمية لتلك المطالبات، وهناك الكثير من التجارب والمطالب الحقوقية التي تم الاستجابة لها، لكن بعيداً عن الفوضى والتظاهرات وغيرها، لافتاً إلى أن هناك الكثير من الجهات الخارجية التي تتلصص لبلادنا، فهناك من يكره وجود الأمن والاستقرار في هذه الوطن، وهناك الفزع والخوف في بعض البلاد الأخرى فيتربصون بنا. مبادرة الجهات وتأسف "د. بكري" على من يستجيب لهذا التربص ويظنون بمطالباتهم إنما هم يطالبون بحقوقهم، لكنهم في الحقيقة يستجيبون لمن يتربص ببلادنا، مضيفاً أننا نعيش في حالة من الاستقرار والأمن وتلك الجهات الخارجية تكره هذا الأمن، وترغب في انزلاقنا كما انزلقوا هم بالفوضى والخوف، مُشدداً على ضرورة أن تبادر الجهات الحقوقية في فهم مطالبات الناس وتوجيهها بالشكل الجيد، ولا تنتظر أن يأتي من أفراد المجتمع ويطلب المبادرة، فهناك أمور بديهية كان من الممكن أن تبادر الجهات الحقوقية بالمطالبة بها دون أن تلجأ الناس إلى أساليب الفوضى، مؤكداً على أنه متى ما كانت الجهات الحقوقية قادرة على تلبية الاحتياجات الحقوقية كان هناك تفهم من قبل المواطن الذي يلاحظ جهود تلك الجهات. فرصة تعبير وأشار "د. محمد بن مهدي الخنيزي" -عضو مجلس الشورى في لجنة الشؤون التعليمية والبحث العلمي- إلى أن هناك وسائل أوجدتها الدولة للمطالبة بالحقوق، سواء عن طريق فتح الجهات المعنية حقوق الإنسان كهيئة حقوق الإنسان لتقدم المواطنين بمطالبهم إلى هذه الجهات التي سترفع تلك المطالبات إلى المسؤولين، كما يوجد أمراء المناطق الذين يجتمعون بأفراد المجتمع للاستماع لمطالبهم، موضحاً أن هناك من الأفراد من يخرج ويرفع صوته بتلك المطالبات سواء عبر الصحف أو الإعلام، التي قد تكون غير مناسبة، أو الوقت غير مناسب، فتستغلها بعض الجهات الخارجية الأجنبية للإساءة إلى المملكة، لافتاً إلى أن الدولة أعطت الأفراد الفرصة للتعبير عن آرائهم وأفكارهم وهذا طبيعي عبر قنوات التواصل الاجتماعي، فالدولة تحترم ذلك وتتيح المجال للمواطنين للتعبير والتنفيس عمّا يشعرون به، وذلك هو من صفات المجتمع الراقي، مؤكداً على أن الدولة تقبلت الكثير من النقد تجاه الوزارات والمنشآت، حتى وصل الأمر إلى الطرح الجريء جداًّ عبر وسائل الإعلام. توجيه الأفراد وأوضح "د. الخنيزي" أن دور هيئات حقوق الإنسان وجمعيات حقوق الإنسان كبير في توجيه أفراد المجتمع، عبر إقامة دورات التثقيف الحقوقي، وكذلك الدورات التوعوية، كما حدث في المنطقة الشرقية، حينما أقيمت دورات للقضاة والمسؤولين في كيفية معاملة الآخرين وإعطائهم حقوقهم، ولتوعيتهم في كيفية التعبير عن الرأي، مشيراً إلى وضع خطة للجامعة العربية لتثقيف الطلاب، سواء على مستوى المرحلة الابتدائية أو الثانوية أو الجامعية، لتثقيفهم من الجانب الحقوقي، مبيناً أن جامعة الملك سعود وضعت قسما لحقوق الطلبة، وذلك لتعميق مفهوم احترام الحقوق.