من غريب اللغة العربية أن كلمة واحدة قد تُعطي الشيء وضده. ظنّ –مثلا – تعني الشك واليقين (إني ظننت أني ملاق حسابيه) سورة الحاقة. أما (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظنّ الذين كفروا) سورة ص، والثانية تعني الشك. كذلك في لغتنا الأدبية والمحكية أيضا؛ فإذا وُصفت الفتاة أنها "مملوحة" فهي تعني حلوة، والملح والحلا ضدان. وقد امتلأت دواوين الشعر، والشعبي منه بالذات، بأوصاف الحلا، والملوحة.. قال ابن جابر في وصف مزرعة (فلاحة) اسمها هلالة: ذي هلاله كل ما منها مليح. عذبة المشروب شهلول قَرَاحْ لاحظوا انه امتدح عذوبة الماء وقبلها امتدح كل ما فيها من شجر وثمر. وعندي أن كلمة ملح ومملوح ومملوحة في لغتنا المحكية تسبق، وأيضا تطغى على كلمة حلو أو حلوة. ففي الديرة نسمع النساء إذا امتدحت شيئا ما تقول: كله ملح. أو: كل ملح ضاري بُهْ – وضاري منطقة مشهورة بالملح الصافي الجيد والوافر، وكذلك ملح القصَبْ وملح العوشزية. ونسمع في عالم الفن والغناء أغاني مثل: سمر سمر يا سمر/ آه يا اسمراني اللون، إلى جانب: أشقر وشعره ذهب. ولا أعتقد أن الباحث سيجد هذا الشيء باللغة الإنجليزية. فلم أر غزلا مُلفتا ومثيرا إلا بال—بلوند Blond أعود إلى الملح وقالوا عنه نوادر كثيرة. فهو يُسمى بالتركية (طُزْ) Tuz - ما غيرها..! ولكن كلمة طز لها معنى آخر بعيد عن عدم المبالاة وهو: أن (طز) كلمة عثمانية قديمة معناها (ملح! أتت هذه الكلمة عندما كان الأتراك يسيطرون على العرب في مراكز التفتيش وكان العرب يذهبون لمبادلة القمح بالملح.. فعندما يمر العربي خلال بوابة العسكري التركي وهو يحمل اكياس الملح يشير إليه التركي بيده إيذانا بالدخول ودونما اكتراث يقول: (طز) (طز) (طز! فيجيب العربي (طز) بمعنى إنه فقط ملح أي لا شيء ممنوعا معه، أو ذا قيمة فيدخل دون تفتيش! ممكن إذا بغيت تمتدح ملبوساً أو طقم أسورة أو نظارات ماركة مشهورة أن تقول " كلها طز" يعني كلها ملح..