تميزت الجزيرة العربية بنسيج متعدد من القبائل العريقة , التي يحتفظ كلٌ منها بكم لا بأس به من المنظومة اللغوية التي توارثوها من الأجداد! ولا تخلومن الألفاظ الطريفة التي لا يتبادر فهمها للوهلة الأولى هي ما يضفى على كل قبيلة ملاحة و ظرافة وإنسانية . هذا ماتذكرته وقت لقاءي ذات مساء بجمعٌ من الصديقات ينحدرن عالياً من جبال الطائف ونزولاً إلى جبال تهامة , فقد اختبرت إحداهن فهمي - عند الطعام- فطلبت أن أناولها طبقاً قائلة : تيه وتيه ! توقف الجميع محملقين في محاولة لأستشفاف معرفتي بكنه العبارة ! وعندما ناولتها الطبق , انفجرن بالضحك مقرات بخيبة ظنونهن في فهمي للعبارة "تيه وتيه " التي تعني "هذه وهذا ! ويمتلئ التاريخ بهذه الألفاظ المحببة السهلة في النطق , فقد ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الحسين ابن ابنته فقبله , وقال: اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه ,و في الإصابة زاد قوله ( خزقة خزقة ، ترق عين بقة ) وفسرها ابن الأثير إن الخزقة : الضعيف المتقارب الخطو من ضعفه . وجاء في مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم , زجر الحسن بن علي عندما أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كخ كخ ... ارم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة ! ويحوي التراث المصري شيئاً من الألفاظ على هذه الشاكلة , تطرب لها الآذان ويطير بها الركبان ! ككلمة "وَحَوَي يا وحوي " التي يردِّدها الأطفال في رمضان وهم يَطوفون بالفَوَانيس , ويرجح البعض أن أصولها إلى الهيروغليفية ,نسبة إلى أم " أحمس" الذي طرد الهُكسوس من مصر، فلمَّا نَجَحَ فِي طرْدِهم خرج الناس يُهنِّئون أمَّه بذلك , وان كنا لسنا بمتيقينين منها لبعد العهد إلا أننا قريبين من الكلمة الأخرى التي لا تحتاج إلى شرح وهي " طز ..طز" ,هذه الكلمة التي يندر الا يقولها أى "عربي" و ترجع أصولها عندما كان الأتراك يسيطرون على العرب في مراكز التفتيش .كان العرب يذهبون لمبادلة القمح بالملح .. فعندما يمر العربي خلال البوابة وهو يحمل أكياس الملح يشير إليه التركي بيده إيذاناً بالدخول ودونما اكتراث بقوله :طز ..طز! فيجيب العربي (طز) بمعنى إنه فقط ملح أي لا شئ ممنوع أو ذا قيمه فيدخل دون تفتيش ! وقد أعاد لنا العرب – الى الأذهان- هذا الحس الفكاهي الذي يختلقونه بالرغم من مأساوية الوضع ,بعد أن تندروا على خطاب القذافي المتهدد لشعبه " زنقة زنقة .