كلمة « طُزْ « - كما قرأت - ذات أصول تركية، تعني «مِلْح الطّعام»، وكما تردد، فإن بعض التجّار العرب كانوا يذكرون كلمة «طُز» لتلافي دفع الرسوم الجمركية على بعض تجارتهم، فتجارة المِلْح أبّان الحكم العثماني، كانت معفيّة من الضرائب، نظرا لبخس قيمته. وأصبحت «طُزْ» مضربا للمثل على عدم المُبالاة، وصِغَر الشأن، وإهمال الأمر، أو واحدة من الكلمات المستخدمة لتحقير أحدهم و الاستخفاف به. وبغضّ النظر عن مدى صِحّة المعلومة، فأهمية «مِلْح الطعام» كبيرة، فهو أساس لحسن مذاق الطعام، وسبب رئيس للاستمتاع بتناوله. وعلى الرغم من المعنى المُتداول ل «طُز»، إلاّ أن الأمور لا تكتمل إلا ب «قليل من المِلْح»، في صورة تُكرّس ثقافة إتقان العمل وإحسانه، فلا يكفي تشييد المنشآت والمباني، وإنشاء الكباري والأنفاق، من دون إضفاء لمسة جمالية، وهندسة معمارية حديثة، وتفعيل خدمات مُساندة، كشبكات تصريف المياه، ووسائل أمن وسلامة، تحقق أهدافها المَرجوّة، وتحفظ حياة مُستخدميها، كما لا يُغني ذلك كلّه، عن إدارةٍ تشغيليةٍ ذات كفاءة وأمانة، تُحافظ على المُقدّرات، وتطوّر الأداء، باتّباع أنظمة صيانة فعّالة، والاستعانة بعاملين أكفاء في مواقع وظيفية مناسبة. ومن المتفق عليه أن التعامل الإنساني يحتاج إلى شيء من «الملْح»، لكي يتذوّق الإنسان طِيب المشاعر، ويستسيغ لقاء أقرانه، ويتحمّل شظف العيش، فالذوق الرفيع، و ثقافة الأدب واحترام الناس، والسلوكيّات العامة المنضبطة، والتقيّد بالأنظمة، ضرورة إنسانية لاكتمال عقد التعاملات الاجتماعية، فقليل من «مِلْح» التعامل، كالابتسامة والسلام، والبشاشة والرفق، والاعتذار عن الخطأ، و قول: من فضلك، وشكرا جزيلا، وجزاك الله خيرا، وأخي الكريم، وأختي الفاضلة، كفيل بجعل الحياة شهيّة وذات مذاق لذيذ. ما أحوجَ كثيرين إلى شيءٍ من ثقافة الإتقان، ومنهج الإحسان، و إضفاء قليل من «المِلْح» كي تصلُح أحوالهم، وتنضبط أعمالهم، ويؤدُّوا أدوارهم الاجتماعية بلُطف وأحسن زينة، وكما جاء في الحديث الشريف: «مَا كَانَ الرِّفْقُ في شَيءٍ إلاّ زَانَه، ومَا نُزِعَ مِنْ شيءٍ إلاّ شَانَه».