مرحلة التقاعد، أو الحياة بعد أن يترك الشخص العمل ، مرحلة مهمة في حياة المرء وكل موظف أياً كانت طبيعة عمله سوف يجد نفسه يوماً ما مُتقاعداً، طبعاً إلا قلة قليلة من الذين يعملون في الأعمال الخاصة بهم وليس هناك سن لأن يتقاعد الانسان في سنٍ معينة إذا كان يعمل في القطاع الخاص ، برغم أن التقاعد يجب أن يكون للجميع ، حتى موظفو القطاع الخاص الذين يعملون في شركاتهم الخاصة ، لأن بقاء الشخص في سن الهِرم عاملاً قد يُسبب المشاكل الصحية والنفسية له ، لكن هذا لا يمنع أن يعمل الشخص إذا رأى بأن بعده عن العمل قد يعود بآثار عكسية و سلبية عليه إذا بعد عن العمل . يبدو التقاعد بعيداً للشباب الذين للتو قد انخرطوا في سلك الوظيفة لكن السنوات تمر سراعاً ، ويصحو الموظف قبل سنوات بسيطة من موعد تركه للوظيفة مُجبراً في أكثر الحالات ، فهناك موظفون يتقاعدون مُبكراً ، وهؤلاء غالباً ينتقلون للعمل في أعمال تجارية إما منفردين أو في شراكة مع آخرين لتحسين دخولهم. ما يُهمنا هنا هم المتقاعدون عن العمل ، أي الذين كانوا يعملون في وظيفة ثم وصلوا إلى مرحلةٍ من العمر ، عليهم أن يتركوا العمل و يخلدوا للراحة.!. الأمر ليس يسيراً دائماً على الجميع بأن يبقوا بدون عمل. كثير من المتقاعدين ينتابهم القلق قبل فترةٍ وجيزة من التقاعد ، ويُفكرون في أمورٍ كثيرة ، غالباً ما تكون مالية ، خاصةً أن بعض الموظفين تقل مرتباتهم بشكلٍ دراماتيكي مُزعج ، فقد يصل مرتب الشخص بعد تقاعده أقل من 30% من مرتبه قبل التقاعد . هذا النزول الحاد في المرتب قد يُسبب مشاكل مالية للأشخاص الذين تعودّوا على الحياة وفق نمط مُعين لا يستطيعون أن يتركوه أويتنازلوا عنه . هؤلاء الأشخاص و أفراد عائلاتهم قد يُصابون باضطرابات نفسية تستدعي العلاج من قِبل أشخاص متخصصين في العلاج النفسي ؛ سواءً كانوا أطباء أو اختصاصيين نفسيين عياديين. من المشاكل التي لاحظتها على المتقاعدين، خاصةً المتقاعدين في سنٍ لم يتوقعوا أن يتقاعدوا فيه ، أو أن التقاعد جاء فجأة دون أن يكون الشخص مستعداً لهذه المرحلة. مثل هؤلاء الأشخاص قد ينسحبون من الحياة العامة بشكل شبه كامل. ينقطعون عن زيارة الآخرين أو الاختلاط بالآخرين ويقضون جل وقتهم في المنزل و يعتذرون عن المناسبات العائلية الهامة ، بل ربما يعتذرون عن أداء واجب مثل العزاء لأقارب أو أصدقاء كانت تربطه بهم علاقات قوية قبل أن يتقاعد. اضطرابات في النوم مشكلة آخرى تواجه مثل هؤلاء المتقاعدين أنهم يُعانون من اضطرابات في النوم ، وقد يتعودون على الأدوية المنوّمة و المهدئة. عدد لا بأس به شاهدتهم في العيادة النفسية من المتقاعدين وبرفقتهم بعض أفراد عائلاتهم وكانت الشكوى من الأقارب بأن هؤلاء الأشخاص أصبحوا مضطربي النوم. أحد الأشخاص الذين مروّا عليّ، كان لا يخرج من غرفة النوم لأسابيع، فهو ينام ويأكل في غرفة النوم ويُشاهد التلفزيون و الأفلام على جهاز DVD في الغرفة وهو مستلقٍ على سريره. عندما تحدّثت معه لم يكن مكتئباً ولا يُعاني من مشاكل مالية ولكنه يشعر بالفراغ والملل ويشعر بعدم جدوى وجوده كأنسان منتج. مُرتبه التقاعدي جيد ، ولكنه كان قد اعتاد على العمل من الساعة الثامنة صباحاً حتى السادسة وأحياناً يبقي في عمله حتى التاسعة مساءً و كان يشعر بمتعة في استغراقه في عمله. ويعود إلى المنزل و يتناول العشاء بصحبة زوجته وأولاده ثم يُتابع التلفزيون وينام. كان يخرج أحياناً خلال أيام الأسبوع لفترة لا تتجاوز ساعة أو ساعتين ، لكن خلال عطلة نهاية الأسبوع كانت له أنشطة اجتماعية كبيرة و متنوعة وصداقات متعددة ، من أقاربه وزملاء عمله و زملاء دراسته في الجامعة. كان يحضر الدوريات التي تُقيمها عائلته أو زملاء دراسته و يشعر بفرح و مُتعة في تمضية هذه الأوقات مع الآخرين. عندما تقاعد عن العمل، لا شعورياً وجد نفسه ينسحب من المجتمع بشكلٍ تام تدريجياً. يعتذر عن زيارة أقاربه أو زملائه.. لم يعد يُشارك في أي دورية ؛ سواء دوريات عائلته أو دوريات زملاء الدراسة في الجامعة . كان يختلق الأعذار كي لا يذهب إلى هذه الدوريات، خاصةً و أن معظم زملائه لا يزالون على رأس العمل. طريقة حياته جعلته كسولاً بشكلٍ كبير ، فهو لا يُمارس أي نوع من الرياضة ، و أصبح يُدخّن بشراهة ويشرب قهوة بكثرة مما جعله يُعاني من خفقان ، وكذلك زاد وزنه بشكلٍ كبير ، ونظراً لطريقة حياته غير الصحية فقد اضطرب نومه فلجأ للأدوية المهدئة والمنوّمة وأصبح متعودّاً عليها. لا يستطيع الاستغناء عن هذه الأدوية مما شكلّ له مُعضلة في كيفية الحصول على هذه الأدوية مما يضطره أحياناً لإحضارها من خارج المملكة في سفراتٍ قصيرة لأحد أقاربه أو أصدقائه ليُحضروا له هذه الأدوية المهدئة والمنومة. أصبح معظم وقته نائماً. يستيقظ ولا يُغادر الفراش، يتناول وجباته وهو في الفراش، يذهب إلى دورة المياه الملحقة بغرفة النوم ثم يعود ليشاهد التلفزيون ويتناول بعض الحبوب المهدئة، ويبدأ في التدخين وشُرب القهوة. ومع هذه الحياة غير الصحية أيضاً أصبح يُعاني من عدم الرغبة والقدرة الجنسية برغم أنه ليس كبيراً في السن. طريقة حياته هذه جعلته معزولاً حتى عن أفراد أسرته ، فهو شبه مقيم في غرفة النوم ، وعدم انتظام نومه جعله لا يُقابل كثيراً أبناءه ،لأن وقت عملهم ودراستهم يختلف مع وقت نومه. حتى زوجته ملت من طريقته في الحياة وأصبحت تقضي معظم وقتها بعيداً عنه ، في رعاية أولادها والعناية بالبيت ، لأن الزوج لم يعد يهتم بأي شيء سوى التفرّغ للنوم ومشاهدة التلفزيون والأفلام وحيداً في غرفة نومه التي أصبحت مكان معيشته وكل ماله في المنزل. مع استمرار هذه النمط من الحياة غير الصحية، بدأت الكآبة تأخذ طريقها في حياته. أصبح يرى بأنه أصبح عبئاً على أهله وعبئاً على المجتمع وإنه إنسان فائض في هذه الحياة ولا لزوم لوجوده لأنه لا يُقّدم أي شيء للمجتمع ، ونسي الأعوام الطويلة التي كان يعمل فيها من الثامنة صباحاً حتى العاشرة مساءً في أوقاتٍ كثيرة. ونسي بأن هذه سنة الحياة التي تسري على جميع الناس. فالجميع يبدأ العمل في سن الشباب ولكن لا يستطيع أي كائنٍ من كان أن يستمر في العمل للأبد ، وأنه لابد أن يأتي يوماً يترك فيه هذا الشخص العمل لآخر ، يحلّ محله ،و أن عليه هو أن يستريح. دوامة القلق التقاعد ليس نهاية للحياة ، ولا يجب على الإنسان ألا يشعر بأنه بعد تقاعده أصبح عالةً على المجتمع وأن لا قيمة له لأنه لا يعمل الآن ، فقد العمل السنوات المطلوب منه أن يعملها وأن الأوان قد حان كي يستريح . فالعمر يتقدم بالمرء وهو لا يشعر بذلك خلال عمله ويُفاجأ بقرب تقاعده أو يُفاجأ برسالة تُخبره بتقاعده بعد أيام مما تجعله يدخل في دوامة القلق ثم الاكتئاب في كثير من الأوقات. كثير من الأشخاص قد يشعرون بالحزن في بداية التقاعد وهذا ليس أمراً مستغرباً ، فالشخص لا يعني العمل له فقط هو المردود المادي ولكن هو الشعور بأنه يقوم بعمل مفيد للمجتمع ويحظى بالتقدير لمكانته في عمله ، خاصةً إذا كان إذا كان يعمل في مركز مهم ومرموق ، يُعطيه مكانةً اجتماعية مميزة ويشعر بأن الآخرين يعاملونه معاملة خاصة نظراً لمركزه العملي المرموق. لكن لابد في يوم أن يترك هذا المركز المرموق والمكانة الرفيعة ويُصبح مواطناً عادياً ، و ما يترك خلفه هو السيرة الحسنة والسمعة الطيبة التي كان يخدم بها الناس من خلال عمله ومكانته وجاهه. مشكلة اللجوء إلى الأدوية المهدئة والمنوّمة أمرٌ غير مستحب في هذه المرحلة العمرية ، لأن الشخص يكون في عمرٍ لا يُحبذ فيه تعاطي مثل هذه الأدوية لأن لها أعراضاً جانبية أكثرها خطورة هو التعوّد عليها والاعتماد عليها في النوم دون أن يكون هناك داعٍ لأن يلجأ لمثل هذه الأدوية لأنه ليس مرتبطاً بعمل ليقوم مُبكراً ، وقد يُعاني بعض المتقاعدين من اضطراب في النوم ولكنه أمر طبيعي لا يجب القلق منه. هناك جمعية للمتقاعدين في المملكة وأعتقد أنه من المفيد أن ينضم تحت مظلة هذه الجمعية جميع المتقاعدين ؛ رجالاً ونساءً من مختلف المستويات الوظيفية ليستفيدوا من الاجتماعات والنشاطات المختلفة التي تُشغل فراغ المتقاعدين. ينقطعون عن زيارة الآخرين الأمر ليس يسيراً دائماً على الجميع بأن يبقوا بدون عمل عندما تقاعد عن العمل، وجد نفسه ينسحب من المجتمع