شاهد الجميع بوضوح حسن التنظيم لموسم حج هذا العام 1434 من خلال قيام الأجهزة المعنية بدقة تنفيذ التعليمات والتنظيمات المتعلقة بالحج، فتحقق نجاح تنظيمي غير مسبوق تم بعد توفيق الله تعالى بإصرار المسؤولين على النزول بأنفسهم إلى ميدان العمل فتحقق طموح الدولة بنجاح نأمل استمراره ليكون نهجاً نسير عليه، ولكل نجاح بعد توفيق الله أسباب مما دفعني أن أكتب رؤيتي بعد هذه النجاحات بأنه لابد ان نركز ونتناول اقتصاديات الحج التي نستطيع أن نجعل من مسؤولية الحج فرصة للتنمية المستدامة في وطننا وتحقيقا لأحد مقاصد الحج إلى بيت الله الحرام من دعوة أبينا إبراهيم عليه السلام لذريته في هذه البقعة المباركة في طلب الرزق ووصوله إليهم استجابة لدعوته التي رأينا أثرها على مدار آلاف السنين. ومما يثلج الصدر الاهتمام الحكومي بإنفاق عشرات المليارات على المشاريع والخدمات لتوفير الراحة والسهولة لضيوف الرحمن أثناء أدائهم مناسك الحج والعمرة وزيارة الحرمين الشريفين وما في طريقهما على ارض المملكة العربية السعودية، وقد كان آخر هذه القرارات التوجيه الكريم من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بوضع استراتيجية للحج والعمرة للخمسة والعشرين عاما المقبلة تراعي الزيادات المتوقعة في أعداد الحجاج ومتطلبات السنوات المقبلة ليستمر تنظيم الحج بهذا المستوى الرائع. وتتضارب القراءات في تقدير حجم ومعدلات الانفاق الحقيقي أو المتوقع للحاج والمعتمرين والزائرين للأماكن المقدسة في المملكة فقد تراوحت التقديرات التي اطلعت عليها ما بين 62 مليار ريال سنويا ويتوقع أن يتضاعف إلى 300 مليار ريال خلال العشر سنوات المقبلة. هذه الارقام وغيرها بغض النظر عن دقتها تحتاج إلى قراءة عميقة ومتأنية من المسؤولين الحكوميين والمهتمين والاقتصاديين والمستثمرين لدراستها وتحليلها. وأرى أهمية قيام هيئة أو مؤسسة شبه حكومية وتدار بطريقة اقتصادية خارج الإطار الحكومي والرسمي في انظمتها الداخلية والاجرائية والوظيفية. يكون دورها التخطيط والإشراف والتطوير وخلق الفرص الاستثمارية وطرحها أمام القطاع الخاص أو الشركات العامة لدفع اقتصاديات الحج والعمرة والزيارة نحو إقامة مستقبل متطور يحقق للمملكة تطلعات اقتصادية ضخمة وأفقاً عريضاً في تكامل الخدمات والمنتجات أمام هذا القطاع الضخم وسريع التطور. ولا احتاج هنا إلى توضيح أو شرح الطاقة الاستيعابية لهذا القطاع رأسياً وأفقياً فقد تناول ذلك العديد من المهتمين والمختصين الذين طرحوا الافكار والمجالات والآفاق بشكل جيد في العديد من الدراسات والمقالات والاقتراحات والأفكار التي يجدر أخذها وتطويرها. إن قيام كيان أو هيئة عليا لإدارة اقتصاديات الحج والعمرة والزيارة سيكون بداية حقيقية جادة لتنويع مصادر الدخل في الاقتصاد السعودي فضلا عن تخصيص جزء من هذه المداخيل للانفاق على بعض الخدمات التي تقدم في الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، فالاعتماد على الانفاق الحكومي بمفرده في تشغيل هذه الخدمات الجبارة امر مرهون بميزانيات الدولة، وعلينا أن نتذكر أنه قبل 8 سنوات كانت ميزانية الدولة تسجل عجزا مستمرا بسبب الانخفاض الحاد في أسعار البترول على مستوى العالم، أما الآن فهي تشهد - ولله الحمد- فوائض ضخمة تنعكس ايحابا إلى اقتصادياتنا وقامت الدولة بضخ مبالغ ضخمة للانفاق على تطوير وتوسعة وتحسين المرافق والخدمات المقدمة لضيوف الرحمن. فيجب التحرك في وقت الرخاء تحسبا لأيام الشدة. وعلينا ان ندرك بان الانفاق الضخم والمتنوع المتعلق بالحج والعمرة والزيارة اوجد طاقات استيعابية وتنظيمية تجاوز بعضها الضعف وبعضها الاخر تجاوز العشرة اضعاف وهذه الزيادات الضخمة تضاعف التكاليف التشغيلية والصيانة والاشراف بمعدلات متسارعة، ومع الاتجاه المنظور في العالم نحو تحويل العديد من الخدمات والتسهيلات للقطاع الخاص او الحكومي المختلط مع القطاع الخاص بأساليب ونظم القطاع الخاص للمحافظة على جودة واستمرار الخدمات بالمستوى المتجدد والمتطور والمرتفع المنشود، كما أن الخدمات الحديثة اصبحت تعتمد على التقنيات العالية والمتطورة والتي تتطلب الانفاق المستمر لتطويرها. ومن وجهة نظري ستكون هناك حاجة لتطبيق الحج الالكتروني الذي تقدم من خلاله الخدمات والتعليمات والمدفوعات عبر الأنظمة الذكية والشرائح الإلكترونية متعددة الأغراض وتفعيل تقنية (NFC) أو غيرها مما هو مستخدم في بعض دول العالم (اليابان مثلا) والتي يسهل معها مراقبة اعمال الحج والعمرة والزيارة والمواصلات والاتصالات والخدمات وتحليلها بأساليب علمية والكترونية تمكن الجهات المختصة من رفع كفاءة أعمالها ونتائجها. والعمل على محاصرة التسرب والهدر المشاهد في اقتصاديات الحج لصالح جهات وافراد لا يخضعون للانظمة الحكومية وربما يخالفونها وستحد من وجود بعض المجموعات والترتيبات الاستغلالية التي عملت على مر السنين على حرمان أهل البلاد من خيرات ومصالح أوطانهم لصالح توليفات وأفراد يستغلون الموارد العامة للكسب غير النظامي فيأتي القادم ويغادر دون أن ترى هذه الأرض أثراً لأمواله. إن توفير خدمات ومشاريع بنية تحتية ضخمة في السعودية وفي الأماكن المقدسة وما في طريقها في هذه البلاد يتطلب جودة تقديمها انسيابية العمل والتشغيل لها بشكل مستمر واقتصادي فقد ولى زمن الاستعدادات والترتيبات المؤقتة واصبحنا في عصر الإمكانات العملاقة والقدرة على رفع الطاقات الاستيعابية للاماكن والطاقة التشغيلية للخدمات بنفس الإمكانات الضخمة وما يمكن أن نقول عنه اقتصاديات الحجم. إن استغلال الطاقات والامكانيات المتاحة في الخدمات بجيمع أشكالها هو شأن اقتصادي وتسويقي وترويجي معروف وعملت عليه ومازالت تعمل عليه الكثير من الاقتصاديات العالمية للمدن والدول، فعلى سبيل المثال لم يعد مقبولاً اقتصادياً أو تنظيمياً وجود خيام وأرصفة تفويج للحجاج في أي مطار بالمملكة مع الامكانات الهائلة المتوقعة لها مع قيام الدولة بافتتاح وتجهيز العديد من المطارات الحديثة الضخمة وتحويل بعضها إلى مطارات دولية، فآليات السوق يجب أن تعمل وبشكل مشاهد في اقتصاديات الحج وتشغيل الأماكن والخدمات وتدويرها لأكثر من مرة في اليوم الواحد أمر لا يجب إهماله وعلينا تنفيذه، وقد رأيت في أماكن سياحية عديدة في العالم مضاعفة للطاقة الاستيعابية فقد جعلوا اليوم الواحد يستغل مرتين لأشخاص مختلفين. * رجل اعمال