هل هذا معقول؟ طبعاً معقول ومتوقع واستمراريته مضمونة مع الأسف.. مع دخول حوالي 250 ألف شابة وشاب سنوياً لسوق العمل.. من المسؤول وما المطلوب لحل هذه المعضلة؟ هل المسؤول القطاع الخاص فقط؟ طبعاً لا فالمسؤولية تقع على الأجهزة الحكومية أيضاً. فكل وزير مسؤول وكل وكيل وزارة مسؤول وكل مديري المشاريع بالدولة مسؤولون.. لماذا احمِّل المسؤولين الحكوميين المسؤولية الأولى؟ وليس القطاع الخاص. إن أغلبية العمالة المستقدمة في سوقنا للقطاع الخاص هي لخدمة أجهزة وأنشطة الدولة من تشغيل وصيانة وتطوير وبناء.. فكل شركة صيانة وتشغيل هي لخدمة الدولة وأجهزتها.. وكل المقاولين يتقدمون خصوصاً لمشاريع الدولة.. إذن الأمر بأيدي المسؤولين فعليهم ان يقرروا عدد السعوديين الواجب عملهم في مشاريعهم وتحديد أعدادهم ومواصفاتهم وتحديد رواتبهم والمزايا الأخرى مثل بدل السكن والتأمين الصحي وبدل ساعات اضافية وبدل المواصلات الواجب دفعها من قبل الدولة لشركات الصيانة.. وبإمكانهم تحديد نسبة العمالة السعودية المطلوبة.. لو تم ذلك لضمنا ما لا يقل عن 300 ألف وظيفة كل ثلاثة سنوات وكل هذه الوظائف دائمة لأن العمالة السعودية تتنقل من شركة إلى أخرى مع تجديد العقود كل ثلاث سنوات في نفس الموقع، فاستمراريتهم بعقود خاصة تشغيلية تعطيهم مزايا القطاع الخاص وضمان الوظيفة الحكومية وتعطي الدولة شباباً مؤهلاً ذوي خبرة في القطاع الحكومي. الكل متفق ان أغلب البطالة في بلدنا هي ليست في مثلث الدمام - الرياض - جدة، وإنما في المناطق النائية الأخرى حيث لا توجد مشاريع للقطاع الخاص حتى الآن وإنما فقط الحكومية في عقود الصيانة والتشغيل لأجهزتها لذا وجب على الدولة إعداد عقود واضحة للتشغيل والصيانة مثلاً تحدد الوظيفة وراتبها ومزاياها ونسبة الوظائف المقررة من كل عقد ولتكن 25% بداية وتزداد مع تجديد كل عقد بنسبة 5% هنا لا يستطيع المقاولون ان يشتكوا التكلفة ولا ان يدعوا عدم استطاعتهم توفير العمالة السعودية لأنهم افترضوا رواتب اقل مما يقبلها السعوديون.. فتقع الاجهزة بالاحراج ويبدأون استثناء العقود من شروط السعودة.. إما بحسن نيّة او سوء نيّة المطلوب تحديد الاعداد والوظائف والرواتب والمزايا الأخرى فإن لم يستطع المقاول توفيرهم فالجهاز الحكومي بإمكانه توظيفهم من خلال وزارة العمل مباشرة. ودائماً يطرح عليّ السؤال التقليدي عند طرح مثل هذه الأفكار العملية.. من أين يأتي المقاول بالسعوديين المتخصصين حتى لو وفّر المبالغ؟ إجابتي واضحة يعمل في القطاع الخاص السعودي في قطاعات الصناعة والمقاولات والصيانة الخاصة والتجارة مليون مواطن، وأغلبهم يعمل في المدن الرئيسية وأغلبهم من أبناء المناطق النائية فأي منهم يتطلع للعودة لقريته او مدينته إذا وجد الوظيفة المناسبة الثابته والتي تدفع له الراتب المماثل كما يستلم في المدن الرئيسية او أقل بقليل.. هنا سينتقل الآلاف لعقود الدولة في المدن الصغيرة لقربهم من أهاليهم وانخفاض تكاليف المعيشة عليهم.. وبعدها سيضطر القطاع الخاص في كل القطاعات تعويض هؤلاء المنتقلين بشباب جدد ويدربونهم ويهيئونهم لتنفيذ اعمالهم وهكذا. هل هذا الاقتراح جديد أم مطبق في بعض الأجهزة الحكومية؟ نعم فهو مطبق في الهيئة الملكية منذ عدة سنوات ووصلت نسبة السعودة هناك في عقود التشغيل والصيانة وغيرها أكثر من 50% وكذلك في الموانئ جميعها.. وارامكو وكلها ناجحة ولا توجد فيها تخلف او تعثر.. فلماذا لا تعمم مثل هذه التجارب الحكومية الناجحة. لعلي ان استعرض ما سبق ان تعرضت له مراراً في مقالات عديدة سابقة واستعرضت احد عقود الهيئة الملكية في صيانة وتشغيل مشاريعها مركزاً على البند الخاص بتوظيف السعوديين في هذه العقود الرائعة: فقرة من نموذج عقد الهيئة الملكية إلحاقاً للشرط العام (ش ع – 16) المعنون ''مستخدم المقاول'' من هذا العقد، يجب على المقاول توظيف المواطنين السعوديين واستخدامهم والاحتفاظ بهم في العمل كجزء من جهازه الوظيفي المناط به إنجاز العمل. ويجب أن يوافق المقاول اعتباراً من الشهر الرابع بعد الإشعار بمباشرة العمل، أن يقوم بتوظيف مواطنين من المملكة بما لا يقل عن نسبة 42 في المائة من جملة الموظفين المعينين لإنجاز العمل حتى إكمال العقد. د. عبدالرحمن عبدالله الزامل * ويجب على المقاول أن يعد ويرفع للهيئة الملكية في ظرف 30 يوماً من تاريخ الإشعار بمباشرة العمل لموافقتها، وإذا لزم الأمر قيامها بتعديل، خطته لتوظيف واستخدام المواطنين السعوديين بما يتفق وما ذكر أعلاه. ويجب أن تشتمل تلك الخطة - على سبيل المثال لا الحصر - على وصف تفصيلي للخطوات التي سيتبعها المقاول ليحقق لكل مواطن سعودي يتم توظيفه نمواً مطرداً في خدمته. ويجب على المقاول أن يرفع بالشكل والطريقة التي تراها الهيئة الملكية تقارير شهرية عن سير العمل الحقيقي في تنفيذ تلك الخطة موزعاً على العناصر الرئيسية للخطة. ولتحقيق النسب المحددة أعلاه، يجب على المقاول توظيف المواطنين السعوديين الذين توافق الهيئة الملكية على توظيفهم، شريطة أن يتقاضى الموظفون السعوديون الجدد راتباً أساسياً (باستثناء أي علاوات إضافية) كما هو موضح في الجدول المرفق كحد أدنى:- ( انظر للجدول) يضاف إلى الراتب الأساسي في الجدول المرفق بدل سكن شهري بمعدل 1.000- 2.000 ريال حسب فئة العامل، وكذلك بدل مواصلات وتأمين صحي وبدل عمل إضافي. وتوقعاتي أن معدل أقل راتب كامل هو 4.000 ريال. هذا ومن تجاربي وتجارب ملاك شركات الصيانة والتشغيل أن جميع شروط هذه العقود عملية وترغِّب السعوديين وتقضي على كل المشاكل التي تواجهها في القطاعات الأخرى. والأهم من كل ذلك هو إعطاء الموظف السعودي الشعور والاطمئنان باستمراريته في العمل وأن عقده لن ينتهي بإفلاس الشركة أو خسارتها لعقد التشغيل والصيانة في المنافسة القادمة، وذلك بأن اشترطت الهيئة والمؤسسات الأخرى أولوية انتقال كل السعوديين على هذا العقد بنفس مزاياهم ورواتبهم للمقاول الجديد وبموافقة الهيئة إذا تغير المقاول.. لذا ضمنت الهيئة ومثلها الموانئ وأرامكو استمرار عمالتها السعوديين لسنوات طويلة وكسبوا خبرات رائعة.. ومن تجربة القطاع الخاص فكل عقود شركات الصيانة مع هذه المؤسسات الحكومية تتعدى نسبة السعودة فيها 40 في المائة وبرواتب ثابتة. أي أن القطاع الخاص لا يتردد في توظيف الشاب والفتاة السعوديين إذا قدم لهما المزايا المقبولة والمتفق عليها مع الجهة الحكومية في عقود الصيانة الحكومية، والمقاول لا يستطيع في هذه الحالة أن يدعي عدم وجود السعودي أو عدم قبوله للرواتب لأنها بالفعل مقبولة ومماثلة لما تدفعه الدولة لموظفيها. والدليل على نجاح هذه التجربة أن الهيئة الملكية تشترط أحقيتها في الاحتفاظ بالموظفين السعوديين ونقلهم للعقود الجديدة في حينه. غير أن المقاولين يحاولون نقل هؤلاء السعوديين إلى العمل معهم في الشركات الأخرى التابعة لهم بعد أن أثبت هؤلاء الشباب جدوى عملهم وإنتاجيتهم.. وإنني على يقين بأن هذه المؤسسات الحكومية لن تتردد في التعاون لما فيه فائدة للعامل والموظف. إذن ما أريد أن أؤكد عليه هنا.. أن هذه الجهات كلها حكومية وعقودها تحقق كل أغراض الأوامر الملكية وهي معتمدة.. فلماذا الاجتهاد والدراسة والتأخير وصرف الملايين على الدراسات والاستشارات.. هنا تجارب سعودية رائعة لمدة 30 سنة فهل سنجد أفضل من هذه التجارب؟.. ما علينا إلا أن نبدأ بأن يطلب معالي وزير المالية العقود المطبقة واعتمادها لجميع العقود وإضافة الأنشطة والشروط حسب كل نشاط.. وتعميمها على كل الجهات.. سواء كانت مدنية أو عسكرية.. وأستطيع أن أؤكد أنه بعد سنتين لن تجد سعودياً يفتش عن عمل.. ولأن الأمور لا تتحمل التأخير، كما أكد ملكنا الحبيب، والبطالة مصيبة وتهديدها أصبح خطراً عظيماً على المجتمع، فإنني أتوقع من أصحاب المعالي الوزراء وخصوصاً وزير العمل بالرفع لمجلس الوزراء إصدار أمره بالتنفيذ السريع لعقود مماثلة للهيئة الملكية وغيرها دون مراجعة ولا دراسات.. وأنا بطلبي هذا أحقق رغبة معالي وزير العمل بأهمية تعاون القطاع الخاص والدولة.. وهنا أستطيع أن أؤكد لمعاليه أن القطاع الخاص سيوظف كل السعوديين الفنيين والإداريين الراغبين في عملهم في مناطقهم وبالقرب من أهاليهم ومساكنهم. وهنا يجب ألا نقبل العذر المكرر من بعض المسؤولين بأن مثل هذه العقود ستتسبب في تكلفة إضافية على ميزانية الدولة من بند التشغيل والصيانة.. فنحن أمام خيارين: إما أن نطبق هذه العقود، أو أننا سندفع التكلفة نفسها للسعوديين كمدعي البطالة والتي لو افترضنا أنهم 652 ألف عاطل عن العمل فإن التكلفة المتوقعة هي 24 مليار ريال سنوياً لشاب عاطل لا يعمل... أليس من الأفضل دفعها لشاب يعمل في جو منتج؟ هذا إلى جانب تقليل عدد الاستقدام. كذلك لتفادي اضطرار الدولة باستمرار فتح فرص عمل في أجهزة الدولة هي بالفعل ليست بحاجة إليهم نظير شعور القيادة بالحاجة إلى تحقيق رغبات وتطلعات الشباب والشابات.. لأن مسؤولية الدولة واضحة في توفير وضمان وظيفة للمواطن.. فوجود المواطن في عقود الصيانة يؤدي فقط لنقل التكلفة لهذا الشباب من بند التوظيف الدائم في الدولة إلى بند التشغيل والصيانة وضمان إنتاجية أفضل للشباب، وتطوير خبراته للعمل المستقبلي في القطاع الخاص كمستثمر او فني. وأيضاً ومن تجاربنا في القطاع الخاص اكتشفنا أن عددا كبيرا من خيرة الشباب الذين عملوا في عقود الصيانة والتشغيل في هذه الجهات تحولوا إما لقادة في شركات أخرى أو أصبحوا ملاكاً لشركات صغيرة ومتخصصة في الصيانة والتشغيل.. أي أن هذه المؤسسات الحكومية التي اعتمدت مثل هذه العقود الرائعة أصبحت أفضل مراكز لتدريب السعوديين على رأس العمل.. وأخيراً لا ننسى أن مثل هذه العقود توفر الوظائف للأولاد والبنات في المناطق النائية لحاجة كل الأجهزة الحكومية إلى عقود الصيانة والتشغيل في هذه المناطق.. فالمزايا لا تعد ولا تحصى. هذا هو الحل الجذري والعملي للقضاء على البطالة وإنني هنا أود أن أتقدم بشكري الجزيل لسمو ولي العهد ووزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز على اقتراحه لمجلس الوزراء منذ شهرين بأن تُكوَّن لجنة برئاسة وزير العمل واعضاء من الجهات الحكومية لتنفيذ مثل هذا الاقتراح.. ولعلمنا ان اللجنة اجتمعت مرتين وكلفت شركة استشارية لدراسة قطاع التشغيل والصيانة بالدولة والشركات العملاقة الحكومية ولتقديم اقتراحاتها والتي اتمنى ألا تتأخر كثيرا لنتمكن من تضمين توصياتهم في العقود الواجب توقيعها بعد شهرين مع الميزانية القادمة، كل أملي ان يعالج معالي وزير العمل بنفسه هذا الموضوع وبنفس الأساليب التي عالج بها الأمور الأخرى.. وكانت نتائجها واضحة. وألاّ تؤخذ التكاليف المالية المتوقعة على الدولة كعائق لقتل المشروع فكما هو متوقع من القطاع الخاص تحمل تكاليف قرارات وزارة العمل بالنسبة للسعودة ونحن نؤيدها على الدوام فعلى الدولة واجهزتها ايضاً ان تتحمل ما هو متوقع لضمان سلامة الجودة في التشغيل وسلامة المجتمع من البطالة. وكل أملي بأن أسمع نتائج أعمال اللجنة ورفعها لمجلس الوزراء خلال الاسابيع القادمة. وآمل من اللجنة المشكّلة الاطلاع على مقالين سبق وأن كتبتهما في الاقتصادية المقال الأول بتاريخ 18 يناير 2010م بعنوان ( استراتيجية توظيف السعوديين) والمقال الآخر بتاريخ 14 يونيو 2011م بعنوان (الأسلوب الحالي لعقود الصيانة والتشغيل لا يدعم توظيف السعوديين) . والله الموفق.. *رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بالرياض