كنتُ قبل مدة يسيرة قد تشرفت بالمشاركة في المؤتمر العلمي (الوحدة الوطنية.. ثوابت وقيم) الذي نظمته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – كعادتها دائماً – في تنظيم كل ما يعزز وحدة الوطن، ويعزز من انتماء افراده، ويعالج قضايا مهمة للمستجدات على الساحة المحلية والعربية والعالمية. وكانت مشاركتي في محور الوحدة الوطنية في المجال التربوي والتعليمي. حيث كتبت بحثاً بعنوان: "دور مُدرسات التعليم العام في تعزيز الوحدة الوطنية". تكلمت فيها عن أهمية تقرير مفهوم الوحدة الوطنية في أذهان المشرفات والمعلمات والمرشدات، بل وفي ذهن كل العاملات في الميدان التربوي وأن ذلك أمرٌ في غاية الأهمية؛ إذ إن انعكاس هذا الفهم الصحيح لمفهوم الوحدة الوطنية في أذهان المربيات له أكبر الأثر في تعزيز الانتماء الوطني لناشئات المستقبل، وهذا مالمسته شخصياً – بحكم عملي في مدارس التعليم العام – وأثناء إعدادي لدراستي الماجستير في المناهج وطرق التدريس؛ إذ لاحظتُ أن أهم نقطةٍ في هذا الموضوع هي: كيف نؤصل هذا المفهوم في نفوس المربيات؟ إذا استطعنا الوصول لهذا الهدف؛ فإن ما سواه أمرٌ أسهل بكثير؛ إذ إن الطالبات في مدارس التعليم العام الحكومية منها أو الأهلية، مفطوراتٌ على الاقتداء بمعلماتهن، وأوسع من ذلك الإداريات والمرشدات في المدرسة. وكانت ورقتي هذه تنطلق من ضرورة التأكيد على الاهتمام بالوحدة الوطنية ومدلولاتها الشرعية وآثارها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للعاملات في المجال التربوي قبل غيرهن؛ إذ إن انعكاس هذا الأمر على الطالبات أمرٌ ليس بالعسير، فالطالبة ترى في أستاذتها القدوة الحسنة، وخصوصاً طالبات المرحلة الابتدائية. لذا يجب على وزارة التربية والتعليم تبنّي هذا الأمر بإقامة دورات تدريبية لكافة العاملين في الميدان التربوي لبيان أهمية هذا الأمر، وتأصيله الشرعي، وبيان آثاره، وكذلك الوقوف على النتائج المترتبة على الإخلال بهذا المبدأ العظيم - وما أكثرها في عصرنا الحاضر -. فالأمة الإسلامية اليوم، والدول من حولنا تمرُّ بأمواجٍ متلاطمةٍ من الفتن، ماج الناس فيها، وكثُر بينهم الهرج والمرج؛ فضاع الأمن وحلّ بدله الخوف، وانتشر الجوع مكان الشبع، وأصبح الناس لا يأمنون ولا ينتجون، ولا غرو؛ فالأمن هو صمام الحياة، ومتى ما فُقد الأمن، فُقدت الحياة، وأصبحت بلا لونٍ ولا طعمٍ ولا رائحة. والاعتصام بحبل الله المتين، والالتفاف حول الحاكم، والسمع والطاعة له، والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم؛ كل ذلك هو سبيل النجاة – بعد توفيق الله – من هذه الفتن والمدلهمات. ولا يشك أحدٌ في أهمية القدوة في نفوس الناشئة، مما يجعلنا نؤمل كثيراً في القائمين على التربية والتعليم في بلادنا إلى استثمار هذا الأمر، بتأهيل العاملات في الميادين التربوية وتسليحهن بسلاح العلم والمعرفة، وإدراك ما يمّر به العالم اليوم من فرقةٍ وتشتت وضياع هيبة، بسبب الإخلال بالوحدة الوطنية، وبزوغ الفِرق والجماعات الضالة، فالوطن وطن الجميع، وله دستور واحد، هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر لابد أن يتقرر في نفوس المربيات أولاً. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو المعلم الأول للناس:- (إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا). ومعلم الناس الخير تصلي عليه الملائكة، قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ). ختاماً أتقدم بالشكر الجزيل لكل من ساهم في نجاح هذا المؤتمر العلمي المهم الذي جاء متزامناً مع ذكرى اليوم الوطني لبلادنا المملكة العربية السعودية، وفي وقتٍ عصفت بالأمم من حولنا الفتن والمدلهمات بسبب الفرقة والاختلاف، وعدم لزوم جماعة المسلمين، وإني أخص بالشكر معالي مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وجميع المسؤولين في الجامعة على حسن التنظيم وبذل الجهد في تحكيم البحوث وطباعتها ليستفيد منها الجميع. اسأل الله عز وجل أن يديم على بلادنا نعمة الأمن والأمان، وأن يوفق ولاتنا وعلماءنا لكل خير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.