تتجلَّى في شوارع "مكةالمكرمة" و"المشاعر المقدسة" صورة سنويَّة تخدش المشهد المهيب وتجرح روحانيَّة قِبلة الدُّنيا في أشهر الحج، وتتمثَّل هذه الممارسات في سلوكيَّات سلبيَّة يفعلها بعض الأفارقة في عمليَّات البيع والطبخ العشوائي على قارعة الطرقات في هذه الأماكن العظيمة. وعلى الرغم من مرور عشرات السنين منذ بروز هذه المُمارسات، إلاَّ أنَّها لا تزال تُشكِّل ظاهرةً مُزعجةً على حد تعبير العديد من المُراقبين والمُتابعين، كما أنَّه اكتوى بنارها العديد من المُستثمرين المُواطنين مِمَّن يملكون عقارات مجاورةٍ لمساكن الحُجَّاج، فضلاً عن رفع أعباء الصيانة والنظافة لكثير من المواقع والساحات الحكوميَّة. وأبدى العديد من الحُجَّاج المُتعاملين مع هذه "المطاعم" و"البسطات" ردود أفعالٍ مُتفاوتة تجاه هذه الظاهرة، وذلك بين غير مُكترثٍ بها، وبين من رأوا أنَّ الأمر يبدو طبيعياً لا يستحق القلق منه إلى هذه الدرجة؛ كون هذه "المطاعم" و"البسطات" توفِّر لهم الطعام الذي يُحبذونه. بائع أفريقي يعرض بضاعته في الشارع العام بيع عشوائي وقالت "رحمة محضار عقيل" -إحدى المُتضرِّرات-: "أسكن في حيّ النزهة المُجاور لسكن الحجاج، وفي كُلِّ موسم من مواسم الحج تبرز على المشهد العام في شوارع مكةالمكرمة العديد من المطاعم والبسطات الأفريقيَّة"، مُضيفةً أنَّ هذه الظاهرة أصبحت بمثابة هم سنويّ تتحول عبره واجهات مساكن الحجاج الأفارقة إلى مطاعم وأسواق مفتوحة طوال ساعات النهار، مع ما يكتنف هذه المُمارسات من تلويث للبيئة وإغراقٍ للشوارع بنفايات تلك "المطاعم" و"البسطات". إعداد الطعام وبيعه من دون عناية صحيَّة وأضاف "سعود بشير" -أحد المواطنين المُتضرِّرين- أنَّ الجاليات الأفريقيَّة هي أكثر الجاليات ممارسة للبيع العشوائيّ، مُضيفاً أنَّ العديد مِمَّن قدموا لأداء فريضة الحج من أبناء هذه الجاليات يمارسون هذه التجارة؛ بهدف الكسب الماديّ، مُتسائلاً عن دور مسؤولي بعثات الحج الأفريقيَّة ذات الصلة من هذه المُمارسات، داعياً إلى أن يكون لهم دورٌ رقابيّ وتثقيفيّ، إلى جانب بيان أنَّ الإقدام على هذه الممارسات يُعدُّ مخالفةً صريحة لنظام الحج في "المملكة". وأشار "نور سراجي" -حاج من دولة بوركينا فاسو- إلى أنَّ عدم رغبته في تناول المأكولات التي تُقدَّم في العديد من المطاعم بمكة المكرَّمة، إلى جانب غلاء أسعارها على حد قوله- أدَّيا إلى ارتياده هذه "المطاعم" و"البسطات" الافريقيَّة، مُضيفاً أنَّه ارتاد مطاعم "مكَّة المكرَّمة" في بداية قدومه؛ بيد أنَّ غلاء أسعار الوجبات فيها أرهقه ماديَّاً، مُوضحاً أنَّ ذلك كفيلٌ بنسف مالديه من مُخصَّص لرحلة الحج في أقل من أسبوعين، مُبدياً عدم علمه أنَّ التعامل مع هذه "المطاعم" و"البسطات" الإفريقيَّة يُعد مُخالفة صريحة للنظام، مؤكِّداً على أنَّها تُوفِّر خدمةً جيّدةً للحجاج الإفريقيين. بائعة استغلّت غياب الرقيب لتبيع في أمانٍِ تامّ مطاعم مُتحرِّكة وبيَّن "ناجي عامر" -صاحب محل- أنَّ حوالي (90%) من المترددين على هذه "البسطات" هم من العمالة الوافدة والمعتمرين من ذوي الدخل البسيط، مُضيفاً أنَّه يتم جلب البضائع من سوق الميناء بجدة، إلى جانب بيع الملابس والأجهزة المُستعملة التي يدفع بها المُحسنون إلى الأفريقيات اللاتي يبعنها في شارع "أم القرى" وأمام بعض "الفنادق"، مُوضحاً أنَّه يوجد العديد من المطاعم الأفريقيَّة المُتحرِّكة التي تبيع الأكلات الأفريقيَّة بجوار بوَّابات بعض "الفنادق" التي يُقيم فيها العديد من المعتمرين الأفريقيين، مُشيراً إلى أنَّ الباعة يفترشون الأرض عادةً ويجلسون خلف قدور وأواني الطعام. واعتبر "رمزي سالم" -مستثمر في قطاع بيع الملابس النسائيَّة والرجاليَّة- وجود "البسطات" الأفريقيَّة بمثابة الهمّ السنويّ الذي يظهر مع بداية موسم "الحج" وشهر "رمضان" المبارك كُلَّ عام، مُضيفاً أنَّها أصبحت بذلك تُشوه الصورة الجميلة ل"مكَّة المُكرَّمة" في عيون الآخرين مِمَّن يفدون إليها بشكلٍ سنويّ؛ لأداء فريضتي "العمرة" و"الحج"، داعياً إلى تدخُّل الجهات المعنيَّة لقطع دابر هذه الظاهرة من جذورها. بيع ملابس الصدقات أمام الملأ وقال "كريم صابري" -صاحب محال تجاريَّة- إنَّ هذه التجاوزات تُعدُّ نتيجةً طبيعيَّةً لتنامي وجود العديد من الأُسر الأفريقيَّة التي تُقيم في "مكَّة المكرَّمة" بصورةٍ غير نظاميَّة، مُشدِّداً على سن قوانين تمنع تشغيل الفتيات الإفريقيَّات كخادمات في المنازل، إلى جانب علاج ظاهرة وجود العديد من المُقيمين الإفريقيين بشكلٍ غير نظاميّ، وكذلك مواجهة أيَّ تخلُّفٍ جديد ناتجٍ عن تراخٍ لبعض شركات العمرة والحج في هذا الجانب. مطعم مُتنقِّل في الطريق العام لقمة عيش مخالفة! وتساءلت فتاة أفريقيَّة -رفضت ذكر اسمها- عن كيفيَّة الحصول على لقمة العيش وسط أُسرةٍ تُقيم في "مكَّة المكرَّمة" بطريقةٍ غير نظاميََّة منذ ما يزيد على (15) عاماً، مُضيفةً أنَّ أُسرتها تقطن غرفاً من الصفيح في حارة شعبيَّة مُتاخمة لأشهر شارع يجمع الأفارقة في "مكَّة المُكرَّمة" وهو شارع "المنصور"، مُوضحةً أنَّ الفاقة دفعتها إلى البيع بشكلٍ عشوائيّ وتقديم الطعام الأفريقيّ بعد إعداده في منزل أُسرتها؛ لتتمكَّن من سدّ حاجَّة أفراد أُسرتها، خاصَّةً بعد وفاة والدها، مُشيرةً إلى أنَّ آلاف الفتيات الإفريقيَّات المولودات في "المملكة" يأملن في فتح المجال لهنَّ للعمل في خدمة الأسر السعوديَّة تحت مظلَّة نظاميَّة. وأضاف "عوض بابقي" -أحد المُتردِّدين على الحرم المكِّي- أنَّ هناك انتشار واضح للعديد من البائعات الإفريقيَّات داخل الأنفاق الأرضيَّة للحرم المكِّي وتحديداً عند السوق الصغير، مُشيراً إلى أنَّ هذه الظاهرة تتكرَّر يومياً بين صلاتي المغرب والعشاء، وذلك أثناء أشهر العمرة الثلاثة، مُوضحاً أنَّ هؤلاء النسوة استغلين غياب فرق مراقبة الأسواق في بيع العديد من البضائع على المعتمرين مِمَّن يأتون بأعدادٍ كبيرة لأداء صلاتيَّ المغرب والعشاء عبر حافلاتٍ خاصَّة، كما يتمُّ بيع الخردوات والملابس النسائيَّة والأحذية وأغطية الرأس وسجادات الصلاة وملابس الأطفال والخواتم والسبح، وغيرها. وأيَّده في ذلك "أحمد زميم" -حاج-، مُشيراً إلى أنَّ العديد من هؤلاء البائعات يظهرن أيضاً أثناء موعد صلاة الفجر، مُوضحاً أنَّهنَّ يبعن بضاعتهنَّ على "بسطات" مُستفيداتٍ من تواجد العديد من الحجاج والمعتمرين بأعداد كبيرة، في ظلّ غياب فرق مراقبة الأسواق، مُشيراً إلى ظهور هذه "البسطات" أيضاً عقب أداء صلاة الجمعة، فيما تبلغ معاناة الحُجَّاج والمُعتمرين ذروتها أثناء مرور عربات العجزة وكبار السن باتجاه السلَّم الكهربائي المُؤدِّي لساحات الحرم المكي. تجارة "البقشة" وانتقد "هاني الكندري" -حاج كويتي- وجود تجارة "البقشة" وبيع المأكولات الإفريقيَّة بصورةٍ عشوائيَّة على قارعة الطُرق المُؤدِّية إلى الحرم المكي ومداخل أنفاق المشاعر المُقدَّسة، داعياً الجهات المعنيَّة إلى علاج هذه الظاهرة بشكلٍ جذريّ. وقال "عبدالرحيم هوساوي" -مُتخصِّص في شؤون الجالية النيجيريَّة- إنَّ الأطعمة التي تبيعها العديد من النساء الإفريقيَّات بجوار مساكن الحجاج عبارةٌ عن مأكولات وأطعمة مشهورة في دول وسط وغرب أفريقيا، مُضيفاً أنَّ ذلك أدَّى إلى رواجها بين أوساط الحجاج الأفارقة بشكلٍ لافت، مُشيراً إلى أنَّ من أهمِّها "العصيدة" الأفريقيَّة و"الرقداد" -وهو نوعٌ من الطعام يُشبه "المقادم" أو "الكوارع"-، إلى جانب نوعٌ آخر يُسمَّى "الكيليشي" -ويعني اللحم المُجفَّف-، وكذلك وجبة "الوينا" -وهي شبيهةٌ ب "الُّلقيمات"-، إضافةً إلى "القوسي" -وهو أيضاً يشبه "الُّلقيمات" ولكن بطعمٍ مالحٍ-، وهناك أيضاً نوعٌ مشهورٌ يُسمِّى "الزوقلي" -وهو خليطٌ من "الَّلوز" و"الطحينيَّة" وأوراق شجرة تشبه أوراق نبات "الرِّجلة"-. "أكشاك" نظاميَّة وأضاف "ياسين زكريا" -صاحب محل-:"أنا مُتضرِّرٌ من حصار البسطات الأفريقيَّة منذ سنوات طويلة، خاصَّةً في موسم الحج"، مُتأسفاً من عدم قُدرة الجهات المعنيَّة حتى الآن على منع هذه الظاهرة السنويَّة والقضاء عليها بشكلٍ نهائيّ"، مُوضحاً أنَّها تسبَّبت في تضييق الشوارع وقلَّلت من فُرص حصول العديد من قائدي السيَّارات على مواقفٍ لسيَّاراتهم، إلى جانب انتشار النفايات والروائح الكريهة بالمكان، داعياً الجهات المعنيَّة إلى تخصيص "أكشاكٍ" نظاميَّة يتمُّ تأجيرها على الراغبين والراغبات في ممارسة بيع الأطعمة والمأكولات الشعبيَّة الخاصَّة ببلدان الحجاج القادمين من خارج "المملكة" أو حتَّى حُجَّاج الداخل من المُقيمين بأسعارٍ رمزيَّة، أو أن يتم بيع هذه المأكولات داخل مساكن الحُجَّاج، على أن تتبنَّى بعثات الحج إيجاد مطابخ إفريقيَّة لتوفير الطعام الإفريقي بطريقةٍ نظيفةٍ ومُنظَّمة، مُستشهداً في هذا الشأن بوجود مطعم إيرانيّ كبير يخدم الحُجَّاج الإيرانيين. صحَّة البيئة ولفت "سمير الزايدي" -مُشرف في إدارة صحَّة البيئة- إلى أنَّ مُراقبة هذه المُمارسات تُعدُّ من اختصاص لجنة البيع العشوائي بأمانة العاصمة المُقدَّسة، مُشيراً إلى أنَّ عملهم في "صحَّة البيئة" يقتصر على مُراقبة الصحَّة البيئيَّة عبر الرقابة على المحال التجاريَّة ومحال الحلاقة والمطاعم داخل "المشاعر" وفي "مكَّة المُكرَّمة"، مُوضحاً أنَّه تمَّ تخصيص (26) مركزاً في المشاعر المُقدَّسة مدعومةً ب(26) مُراقباً، إلى جانب وجود مُنتدبين من "وزارة الشؤون البلديَّة" و"هيئة الغذاء والدواء" يفوق عددهم (222) موظفاً. وكشف "محمد خوقير" -مشرف صحَّة البيئة بالمشاعر المُقدَّسة- عن تحرير (55) مخالفة تتعلَّق بالصحة العامَّة، مُضيفاً أنَّه تمَّ تطبيق الغرامات اللازمة بحق مُرتكبيها، مُبيِّنا أنَّ الجولات التفتيشيَّة طالت (547) مبسطاً و(1100) محلٍ للحلاقة بمشعر "منى" فقط عبر تنفيذ أكثر من (751) جولةً تفتيشيًَّة.