إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك ياخادم الحرمين الشريفين لمحزونون و لانقول إلا مايرضي ربنا: {إنا لله وإنا إليه راجعون}. لقد فجعنا وفجعت الأمتان الإسلامية والعربية والأسرة الدولية بوفاة زعيم عظيم من زعمائها الملك فهد بن عبدالعزيز رحمة الله و أسكنه جنان الخلد، وعزاؤنا- نحن المسلمين- أنه ترك الدنيا الفانية بكدرها وهمومها ونصبها إلى حياة باقية فيها من الراحة للمؤمن ومن النعيم المقيم ما لا أذن سمعت ولاعين رأت، نسأل الله أن يجعله من أهلها وأن يسكنه أعلى درجاتها وأن يجعله في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. إن إيماننا بأن الموت نهاية كل حي ويقيننا بأن ماينقص هذه الحياة ويكدرها وينغص صفوها هو الموت ولاغرابة في ذلك فقد سماه الحق سبحانه وتعالى (المصيبة) فقال عز من قائل {.. فأصابتكم مصيبة الموت..} وقال تبارك وتعالى: {الذي خلق الموت والحياة..} فذكر الموت قبل الحياة حتي يستقبل الإنسان الحياة وهو على يقين بأن الموت ينقصها وأن الموت يحصنه من الغفلة والغرور. فلا نملك بعد هذا اليقين إلا الصبر على مصابنا في وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، والقول {إنا لله وإنا إليه راجعون}. ماذا عساي أن أقول في مناسبة حزينة بل في فجيعة مؤلمة أصابت سويداء القلب ولم أستطع معها أن أجمع شوارد الكلام المتناثر من هولها وشدتها! قد تهون المصيبة عندما يصاب المرء في شخص عزيز عليه، كون دائرة الحزن محدودة بالأسرة والأقارب، ولكن ما الذي يخفف مصاب أمة أصيبت بأكملها بفقد قائدها ورائدها! ما الباب الذي يمكن أن تلج منه الأمة في الحديث عن قائد مسيرتها وراعي نهضتها وباني حضارتها؟! إن كل باب نلجه سنجد أمامنا مايعجز القلم عن وصفه والعقل عن إدراكه لكثرة الإنجازات والعطاءات المتواصلة في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز والتي لايمكن حصرها ويأتي في مقدمتها العناية بالحرمين الشريفين ورعايتهما وتوسعتهما ومنها العمل الجليل الذي سيحفظه له المسلمون إلى أن تقوم الساعة و سيكتبه التاريخ الإسلامي بمداد من ذهب ألا وهو طباعة المصحف الشريف. هل أتكلم عن الملك الإنسان أم عن رجل التعليم الأول في المملكة أم عن رجل الأمن أم عن السياسي المحنك الذي حمى بلاده وأوجد لها ثقلاً سياسياً دولياً يحسب له ألف حساب؟! إن كل واحدة من هذه الصفات تستحق أن تفرد لها الأسفار الضخمة تمجيداً وتقديراً وعرفانا بدوره الرائد في هذه المجالات. إن كل منصف وعادل لايمكن له أن يتجاهل قدرات الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله وإمكاناته كقائد من الطراز الأول وخاصة في الظروف التي تكالب فيها أعداء المملكة الخارجيون والداخليون من الحاقدين عليها وعلى ماتنعم به من أمن وأمان ممن ظلموا دينهم ووطنهم فأستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم أنفسهم فساروا في ركابه وحملوا على وطنهم بلا مبرر. ومع قبح أفعالهم كان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يدعو لهم بالهداية والسداد والعودة إلى جادة الحق، وأبت أنفسهم الكريهة الظالمة لأمتها ودينهاإلا الخروج على ولي الأمر والسير في ركاب الشيطان يريدون بذلك حرماننا من أمننا وديننا وقيادتنا ووطننا بل يريدون أن يمنعوا فضل الله علينا فكان (الفهد) - رحمه الله- لهم بالمرصاد وكان حصنها المنيع الذي تكسرت على أبوابه النصال الظالمة، وأرادوا شيئا وأراد الله شيئاً، ورد الله كيد الذين ظلموا في نحورهم لم ينالوا شيئا. وفي مجال آخر، لا أبالغ إن قلت أن الملك فهد بن عبدالعزيز هو (خادم المساجد الثلاثة: المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى) فلم يغفل في يوم من الأيام المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى فأولاه من الرعاية والاهتمام مايفوق الوصف لمكانته وأهميته في نفوس المسلمين فكان المنافح الأول عن سلامة المسجد الأقصى وإبطال ماكان يخطط له اليهود، وصرف جل وقته لخدمة ودعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني في المحافل الدولية بل كانت هذه القضية هاجسه الدائم. ولا غرابة في ذلك، فوالده الملك المؤسس رحمه الله يشهدله التاريخ بمواقفه الصلبة والصامدة والداعمة للقضية الفسطينية التي فشلت معها كل محاولات الإغراء والاستمالة لتغيير موقفه من القضية الفلسطينية ورفض بيع الأراضي الفلسطينية أو السماح لليهود بالاستيطان فيها وتنفيذ مخططاتهم الآثمة بتجميع اليهود في أرض فلسطين. لقد جمع الملك فهد بن عبدالعزيز الزعامة وحاز المجد من كل أطرافه: زعيم في القيادة، زعيم في البناء والتعمير، زعيم في الإصلاحات التي انتهجها ووضع أسسها. لقد استحق هذه الزعامة بكل جدارة واقتدار وشهد له العالم بأكمله على هذه الزعامة الفائقة والمكانة العالية و القدرة المتميزة في قيادة بلده وشعبه في أحلك الظروف وأشد الأزمات وأصعبها. إن حياته رحمه الله لاينفع معها العبور العاجل، أن أكثر من ستين عاماً من الإنجازات والمآثر والأعمال الخيرية والإنسانية تستحق أن يقف المرء عند أدق تفاصيلها، فمساحة الحب الذي يحظى به أكثر بكثير من مساحة مقال أو ندوة في تلفاز.. إن الكتابة عن أعماله وإنجازاته جانب ثر يستحق أكثر من مساحة مقال.. والكتابة عن شخصيته ومقوماتها ليس بالأمر اليسير، وكيف يكون ذلك ونحن أمام قامة تجاوزت بمجدها وسؤددها هام السحاب! والتاريخ سيسجل له بمداد من ذهب قيادته لبلاده والعبور بها إلى شاطئ الأمان في زمن كانت الأزمات تعصف بالعالم كله، وسيسجل له التاريخ مواقفه النبيلة من قضايا العدل والإنسانية وخاصة قضايا الأمة العربية والإسلامية فقد صنع لوطنه وأمته مايشغل الأقلام ومدادها، والأيام وصحائفها، والأفكار ونظمها! ولعله القائد الوحيد في عصرنا الحاضر الذي أثار بحكمته وحنكته السياسية اهتمام العالم بأسره. ولقد جمع مع الحكمة السياسية خصائص الإنسان المسلم الحق المتواضع الرحيم: صفوح عن الإجرام حتى كأنه من العفو لم يعرف من الناس مجرما وليس يبالي أن يكون به الأذى إذا ما الأذى لم يغش بالكره مسلما ولا عزاء لنا ولاسلوان في فقده إلا أن من أتى بعده هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وفقه الله، وأن ولي عهده الأمين هو الأمير سلطان بن عبدالعزيز، سلطان الخير والإنسانية وهما امتداد لمن سبقهما من الملوك - رحمهم الله جميعاً - وعندما نبايعهما على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فنحن على يقين بأنهما سيحملان الأمانة وسيسلكان طريق سلفهم رحمهم الله وسيسيران على نهجهم لإكمال بناء الدولة التي رعوها وثبتوا أركانها وحددوا أهدافها وهويتها ورسموا سياساتها وأزالواكل العقبات التي تعترض مسيرتها المباركة. واللهم ارحم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز برحمتك الواسعة واسكنه فسيح جناتك أنت ولي ذلك والقادر عليه، ووفق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهد الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز إلى ما فيه خير أمتنا وديننا وارزقهما البطانة الصالحة التي تعينهما على فعل الخيرات يارب العالمين. والله من وراء القصد،،، ٭ المستشار - مؤسسة البريد السعودي