الأزمة السورية كان انحراف الجهود الدولية الفاعلة لوقف الصراع في سوريا واختزالها في نزع السلاح الكيماوي، مخيباً للمجموعة الدولية والمنظمات الإنسانية التي رفضت حصر المأساة السورية في نوع السلاح المستخدم، ففي الوقت الذي يستمر سقوط الضحايا، ألقت موسكووواشنطن طوق النجاة للنظام السوري الذي تلقفه بتلهف كبير موافقاً بلا قيد ولا شرط على نزع سلاحه الكيماوي، وتبرير استمراره على رأس النظام السوري، هذه الخطوة لم تكن مفهومة من قبل القريبين من البيت الأبيض، وتساءل الكاتب الرصين في واشنطن بوست ديفيد إغناتيوس "ما الذي يفعله الرئيس أوباما بسياسة سورية التي تنتقل ما بين القصف إلى الدبلوماسية في ظرف 15 دقيقة؟". تلقي السياسات الأميركية المتأرجحة والغامضة بظلالها على الدبلوماسية في المملكة وتركيا البلدين الأهم في الشرق الأوسط، فالبلدان اللذان يأملان في انتهاء الصراع في سوريا في أقرب وقت ممكن، مستاؤون من قرارات "صانعي القرار الدولي". وهذا بدوره أحد موجبات التقارب السعودي التركي، إذ لا يمكن التنبؤ بما ستسفر عنه الأيام القادمة في المسألة السورية التي تراوح مكانها منذ أكثر من سنتين. إن أخذ روسيا زمام المبادرة في هذا الملف من شأنه أن يقلق حلفاء الولاياتالمتحدة في المنطقة، ويبدو الأمر جلياً فالروس هم الفاعلون في الإعداد ل"جنيف 2 "، وهم من كان خلف مبادرة نزع السلاح الكيماوي السوري، وقرار مجلس الأمن الملزم بنزع الكيماوي السوري، وأشياء أخرى يمكن أن تكون حِيكت في الاجتماعات الثنائية بين لافروف وكيري. الانفتاح الأميركي على إيران خلط الاتصال الهاتفي أوباما وروحاني أوراق المشهد الإقليمي بشكل لم يكن متوقعاً فالرئيس الإيراني الذي تم تنصيبه قبل ثلاثة أشهر يجد الرئيس الأميركي على الطرف الثاني من هاتفه. جاءت حالة التقارب بين طهرانوواشنطن مفاجأة، بالرغم من التوقعات الايجابية التي أتت مع انتخاب روحاني بوصفه إصلاحياً إلا أن قوة الاندفاع بين الجانبين وإحراز تقدم يصل إلى إنهاء قطيعة امتدت لأكثر من ثلاثين عاماً لم يكن متوقعاً، خصوصاً أن ذلك تزامن مع تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي لم يبرأ البرنامج النووي الإيراني من تهمة الشبهة العسكرية، يضاف إلى ذلك مشاركة أطراف إيرانية عسكرية في الصراع الدائر في سوريا، إذ رصد بشكل موثق مشاركة عناصر إيرانية، كما أن حزب الله اللبناني الموالي لإيران أعلن صراحة دعمه العسكري للنظام الدموي السوري، ومع كل تلك المعطيات السلبية دفعت واشنطن بإيجابية تجاه الانفتاح على طهران، وهو أمر من شأنه إرباك الدول الخليجية والإقليمية الفاعلة في المنطقة ومنها تركيا، وتشتيت أولوياتها. يشير علي باكير الباحث في منظمة البحوث الإستراتيجية الدولية في أنقرة أنّ معطيات المنطقة تتطلب بحكم الواقعيّة السياسيّة تقاربا بين السعودية وتركيا، ويضيف ل"الرياض" إن كان بإمكان تركيا التحصّن دوماً بموقعه في الناتو، فإنه وفي المقابل، لم يعد بإمكان الرياض الاعتماد على موقع ودور مصر التي أصبحت خارج المعادلة بكل تأكيد، كما أنّ الملفات المشتركة التي تجمع السعودية وتركيا أكبر بكثير من التي تفرّقهم. الموقف السياسي للدولتين من القوى الفعليّة التي تدير اللعبة السياسيّة في لبنان وسوريا والعراق وحتى إيران يكاد يكون متطابقاً، كما أنّ التطورات الأمنيّة في المنطقة ودعم إيران للحزام الشيعي ولأعمال مجموعات إرهابية ضد المصالح التركيّة والسعودية يعد عاملاً إضافياً لتقارب البلدين. التحالف الاستراتيجي يبدو أن تشكيل جبهة تحالف سعودية – تركية استراتيجية بات أمراً ملحاً، بالنظر إلى المعطيات السابقة، بالرغم من حالة عدم التوازن التي أظهرتها العلاقات بين البلدين أمام الموقف المصري مؤخراً، إلا أن المجريات الدولية، وما يمكن أن يصاغ في إطار مصالح الدول الكبرى، يمكن أن يؤثر على الخريطة الجيوسياسية على المدى البعيد، وبالتالي يظهر جلياً أن تحالفاً بين هاتين الدولتين وتحصين علاقتهما يمكن أن يسهم بشكل كبير في تمساك منطقة "الهلال الخصيب" ويمنع تدهورها بشكل يهدد ثقلي الشرق الأوسط المملكة وتركيا التي يمتد تأثيرها إلى شرق أوروبا وأجزاء من غربها. التحول الدراماتيكي الذي قادته واشنطن في المنطقة خلال عشر سنوات الماضية، وأفضى إلى إعطاء طهران اليد الطولى في بغداد، يخشى أن يمتد إلى سوريا ومناطق أخرى في "الجوار" بالرغم من اختلاف النسيج الاجتماعي الواضح بين سوريا والعراق، إلا أن من شأن زعزعة طويلة المدى أن تؤدي إلى تفتت الوطن السوري وسقوط عمق عربي آخر.