من سيقوم بشن الحرب على إيران؟!.. هذا السؤال تم إشباعه طرحاً بعدة طرق مختلفة في السنوات الماضية ولكن ظلت الإجابات تائهة ومتباينة بسبب تداخل وتشابك المصالح والأطراف المتعلقة وسرعة تغيّر العوامل المحيطة بقضية إيران وبرنامجها النووي المثير للجدل، وإعادة طرح السؤال يعود بقوة مع تقدم إنجازات إيران النووية وتحركات قوى الصراع المريبة. في الثاني من فبراير الجاري كتب دفيد إغناتيوس مقالاً مدوياً في عموده بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية بعنوان: «هل إسرائيل تتهيأ لمهاجمة إيران؟» ذكر فيه: «يعتقد ليون بانيتا -وزير الدفاع الأمريكي- أن هناك احتمالات قوية لأن تضرب إسرائيل إيران في شهر أبريل أو مايو أو يونيو المقبل، قبل أن تدخل إيران حسب ما وصفه الإسرائيليون بحيّز أو نطاق الحصانة (Zone of Immunity) للشروع في صنع قنبلة نووية»، وأضاف إغناتيوس بأن الإسرائيليين يخشون اقتراب إيران من تخزين كميات كافية من اليورانيوم المخصب في منشآتها في عمق الأرض لصنع السلاح النووي، وأنه عندئذ فإن الولاياتالمتحدة وحدها من يمكنها منعهم عسكرياً، وأضاف أيضاً بأن تأجيل مناورات عسكرية أمريكية إسرائيلية مشتركة كانت مقررة هذا الربيع ربما يشير إلى احتمال هجوم إسرائيلي قريبا. مقال إغناتيوس أثار جدلاً واسعاً وتجاوزت التعليقات على مقاله أكثر من ألفي تعليق على الصفحة الإلكترونية للصحيفة، وبناءً على ردة الفعل، تراجع وزير الدفاع الأمريكي عن تصريحاته يوم الثلاثاء الماضي 14 فبراير الجاري، حيث قال بأنه لا يعتقد بأن إسرائيل قد اتخذت قرارها بشأن الهجوم على إيران، لتتوافق آراؤه هذه مع ما ذكره الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال المقابلة التي أجراها مؤخراً مع قناة «إن بي سي» والتي صرح خلالها بأنه لا يعتقد أن السلطات الإسرائيلية قد اتخذت قراراً بشأن الهجوم على إيران، ولكنه أكد بأن مخاوف الإسرائيليين تعتبر مبررة. وعلى الصعيد الإسرائيلي الرسمي، صرح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال بيني غانتس مساء السبت الماضي في مقابلة مع القناة التلفزيونية الإسرائيلية العامة، بأن: «إسرائيل ستتخذ وحدها قرار ضرب إيران، وأن إسرائيل هي الحامي الرئيس لأمنها، وهذا دورنا كجيش، وعلى إسرائيل الدفاع عن نفسها»، أما وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك فقد صرح يوم الخميس الماضي 16 فبراير خلال زيارة رسمية إلى اليابان بأن «العقوبات الحالية غير كافية للتأثير على قرارات القيادة الإيرانية، لذلك فإننا نعتبر من الضروري اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية ومشلّة ضد إيران». ولكن بمتابعة الآراء في الصحف الإسرائيلية اليمينية واليسارية مثل «هآرتس» و»يديعوت أحرونوت» منذ مطلع عام 2010م نجد أنه على الرغم من أن الآراء تتوافق حول خطورة البرنامج النووي الإيراني إلا أن هناك اعتقادا سائدا لديها بأن سياسة الرئيس الأمريكي أوباما لا تدعم الحرب على إيران وأن أي موقف فردي من إسرائيل لن يجد دعماً أمريكياً لأنه يضرّ بالمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ويعرّض منشآتها للخطر وقد يستدرجها نحو حرب أوسع في المنطقة، حتى المجتمع الدولي والقوى العظمى وحلف الأطلسي اتفقوا على أن فرض العقوبات الاقتصادية على إيران هو الحل الأمثل لعلاج الأزمة، وأن أي عمل عسكري من قبل إسرائيل ضد إيران هو عمل «غير حكيم» وسيؤدي إلى إشعال المنطقة، ويعتبر مقامرة بأسعار النفط وعملية مؤذية للاقتصاد العالمي الذي يعاني من أزمات خانقة. وهناك صراعات أخرى تتداخل فيها المصالح المشتركة، روسيا تبحث عن مصالح اقتصادية كبيرة في سوريا وإيران، وتركيا بحثاً عن الموانئ الدافئة لتمرير منتجاتها من الغاز الطبيعي، ولعل مشروعها الضخم مع تركيا (ساوث ستريم) لنقل إمدادات الغاز الروسية إلى أوروبا عن طريق تركيا والذي جاء على حساب مشروع تركي وطني مشابه (نابوكو) لنقل إمدادات الغاز إلى أوروبا، بالإضافة إلى توقيع تركيا اتفاقيات اقتصادية مشتركة مع إيران يوضح أن هناك تحالفات إستراتيجية قوية بين هذه الدول تدفعها لعرقلة أي ضربة عسكرية، وهو ما يبرر الفيتو الروسي ضد ضرب سوريا. ومن طرف إستراتيجي آخر، إيران تدعم بقاء نظام بشار الأسد في سوريا لأنه خط الدفاع الأهم لها ضد إسرائيل وحلقة الوصل مع حزب الله في الجنوب اللبناني، وذلك لإشغال إسرائيل بعيداً عن إيران ومصالحها. مع كل هذه المعطيات والتي من أخطرها قرب إيران من «نطاق الحصانة» التي قد يصل فيها البرنامج النووي الإيراني إلى مرحلة تسمح له باستكمال عمله دون الخوف من حصول تدخل مؤثر، من هنا تطرح الأسئلة نفسها بقوة: «هل هناك حرب قادمة؟!.. ومن يشن الحرب على إيران؟.. ومن هم أطراف الحرب القادمة؟!».