مرة أخرى يعود المخرج الروماني كريستيان مونجو، الذي يعد أول مخرج روماني يحصل على سعفة كان الذهبية عن فيلم "أربعة شهور وثلاثة أسابيع ويومان"، بفيلم يتحدث أيضاً عن صداقة بين امرأتين تثقل بتضحيات كثيرة ولكن من منظور آخر هذه المرة. فمكان وزمان فيلم "ما وراء التلال-Beyond The Hills" يختلف اختلافاً جذرياً عن فيلمه الأول، حيث نتابع القصة في زمان ما بعد سقوط نظام تشاوشيسكو الشمولي، وحيث الفقر وصعوبات الحياة تسيطر على الناس بخلاف فيلم "4 شهور و3 أسابيع ويومان" حيث الخوف هو المسيطر على الأحداث. يستقي الفيلم حكايته من كتاب الصحفية الرومانية تاتانيا نيكوليسكو بران "Deadly Confessions and Judges" عن حادثة وقعت في رومانيا عام 2005، حيث توفيت شابة في دير أثناء طقوس استخراج الأرواح الشريرة منها. تبدأ قصة الفيلم بقدوم ألينا (قامت بدورها كريستينا فلوتور) من ألمانيا حيث تعمل لاصطحاب صديقة الطفولة فويشيتا (كوزمينا ستراتان) والتي تعتبرها الإنسانة الوحيدة المهمة بالنسبة لها من دير تعيش فيه الأخيرة منذ فترة. ترفض فويشيتا عرض ألينا لأنها تعيش كراهبة. تحاول ألينا اقناع فويشيتا بشتى الوسائل وتجلس في الدير لإقناعها ثم تظهر عليها أعراض هستيرية نوعاً ما مما يجعل الراهبات في الدير مقتنعات بأن روحاً شريرة تسكنها وإن عليهم أن يعالجنها بطريقتهن. تتطور الأحداث وتتغير معها نظرة فويشيتا للأمور. من أكثر ما يميز الفيلم من ناحية إخراجية عدا عن آداء الشابتين القوي جداً والذي أدى بلجنة التحكيم في كان إلى منحهما جائزة أفضل تمثيل مناصفة، هو طريقة تصوير المشاهد بشكل لقطات طويلة ليس فيها أي قطع. وهذا يستدعي دراسة دقيقة لحركة الممثلين في المشهد ولحركة الكاميرا وللإضاءة وهو ما قام به المخرج باقتدار عال، كما أن هذا الأسلوب أوحى بأن القصة إنما تعكس مشهداً عاماً ونظرة مجتمعية أكثر منها قصة بين فتاتين تختلفان في خيارات تعاملهما مع الواقع الماثل أمامهما. إضافة إلى الإخراج تميز السيناريو بكتابة متأنية وعميقة ليس فيها إدانة أو محاكمة لأحد، فالمخرج الكاتب تعمد الحياد في سرده البصري للقصة ليترك الحكم للمشاهد كما أن نهاية الفيلم برمزيتها ومفاجأتها الأخيرة تجعلك تجفل وكأنه يريد لمشاهده أن يتيقظ لفهم واستيعات ما جرى وتكوين رأيه حوله. ولذلك فقد حاز عن استحقاق على جائزة أفضل سيناريو من مهرجان كان نفسه. ولو لم يكن منافسه هو رائعة هانيكه Amour لربما كان قد استحق السعفة. كريستيان مونجو الجدير بالذكر أن كريستيان مونجو والذي أسس مع مجموعة من المخرجين معه ما يسمى بالموجة الرومانية الجديدة هو من أهم مؤسسي هذه الموجة التي بدأت عام 2004 وهي تعتمد على الأسلوب الواقعي التبسيطي أو التقليلي (حيث لا تستخدم مؤثرات بصرية أو صوتية بل حتى الموسيقى تستبعد في أحيان كثيرة) وتبحث في ثيمات الواقع الروماني أثناء حكم تشاوشيسكو وما بعد 1989 وانتقالها إلى النظام الرأسمالي.