لا يزال من المبكر جداً إصدار الحكم النهائي على النتائج السياسية لثورات الربيع العربي. و على الأرجح فإن دول الربيع الخمسة ستكون بحاجة إلى فترة مابين 5 إلى 7 أعوام على الأقل ،أي إكمال دورة إنتخابية برلمانية و رئاسية، حتى تصل إلى حالة الإستقرار السياسي. و ربما سيتعين على محبي الفن و السينما تحديداً الإنتظار لفترة مماثلة أو أكثر قليلاً قبل أن يتمكنوا من مشاهدة أعمال سينمائية “ناضجة” ترصد الأبعاد الإجتماعية و السياسية للحدث العربي الأبرز منذ سقوط الإستعمار. في شهر مايو من هذا العام، عرضت دور السينما في مصر فيلم “الفاجومي” و الذي يحكي قصة حياة الشاعر أحمد فؤاد نجم. و بسبب أن الفيلم ظهر بعد ثورة يناير، اضطر المخرج و لأسباب تجارية على الأرجح إلى إقحام ثورة يناير في القصة. حصل هذا في الثواني الأخيرة من الفيلم و ظهرت الثورة بشكل سريع و خاطف و مجرد من أي قيمة حقيقية أو إضافة فنية. هذا التسويق الفج بالإضافة إلى فخ الدعاية السياسية هي أكبر التحديات التي ستواجه سينما الربيع العربي. ففي الفترة التي أعقبت ثورة 23 يوليو 1952 في مصر، خرجت العديد من الأفلام التي تناولت هذه الثورة من زاوية واحدة و هي زاوية الطرف المنتصر. و إقتضى الأمر أكثر من 15 عام حتى تظهر أفلام تنتقد بعض المظاهر الإجتماعية و السياسية السلبية التي أفرزتها الثورة كما حصل في فيلم “السمان و الخريف” أو فيلم “الكرنك” و الفيلمان مقتبسان من روايتين للروائي الكبير نجيب محفوظ. و إذا كنا كمشاهدين عرب سنضطر إلى الإنتظار لفترة قبل أن نشاهد سينما حقيقية عن الربيع العربي، فلا بأس من إستعراض تجارب سينمائية أجنبية عن عالم الثورات. و سأختار الفيلم الروماني (12:08 شرق بوخارست) هو فيلم ساخر ظهر في عام 2006 أي بعد 16 عام على الثورة الرومانية التي أطاحت بحكم الديكتاتور تشاوشيسكو. تدور أحداثه في بلدة رومانية صغيرة تدعى فاسولي. في ليلة الكريسماس من العام 2006 يقوم أحد سكان البلدة و الذي يملك محطة تلفزيونية محلية بتقديم برنامج مباشر يستضيف فيه إثنين من سكان البلدة لسماع شهادتهم عن الثورة و ما إذا كانت بلدتهم الصغيرة قد إشتركت في الثورة أم لا. ضيفا البرنامج هما مدرس تاريخ مدمن على الخمر و موظف متقاعد أشتهر بين سكان القرية بتأديته لأدوار مهرجين. و في قالب من الكوميديا السوداء يدور جدل بين الضيفين و متصلين بالبرنامج حول ذكرياتهم عن الأحداث فبينما يؤكد مدرس التاريخ أنه إشترك شخصياً مع مجموعة من أصدقائه في الثورة من خلال التظاهر في أحد ميادين بلدته، يتصل بعض سكان البلدة على البرنامج لينكروا روايته تماماً و يؤكدوا بأن الميدان الوحيد في البلدة كان خالياً في يوم الثورة. و عندما يطلب مقدم البرنامج من مدرس التاريخ أسماء من شاركوا معه في الثورة، يخبره المدرس بأنهم إما قد ماتوا أو هاجروا من البلاد.
الفيلم يحمل دلالة رمزية واضحة عن الجدل الذي لازال قائماً في رومانيا عن الثورة و ما إذا كانت قد حققت أهدافها أو لا؟ فاليوم و بعد أكثر من 21 عام على إعدام تشاوشيسكو و سقوط حكمه لا تزال رومانيا تعاني من أحد أعلى معدلات الفساد في أوربا و لا تزال تتلمس طريقاً وعراً في سبيل التحول الديمقراطي. و الأسوأ من ذلك لا تزال ملفات الجرائم التي إرتكبها جهاز الأمن السري الروماني في عهد تشاوشيسكو محاطة بسرية و حصانة ضد المحاسبات و يتعرض الناشطون الذين يحاولون فتح هذه الملفات إلى تهديدات بالقتل.
هذه الصورة القاتمة و التي عبر عنها فيلم (12:08 شرق بوخارست) ربما تكون قابلة للحدوث في دول الربيع العربي. فقبل حوالي أسبوعين، وضع الناشط المصري وائل غنيم على صفحته بتويتر رابط من موقع ويكيبيديا عن الثورة الرومانية التي أطاحت بالديكتاتور تشاوشيسكو عام 1989. و خلال دقائق قام العشرات بعمل ريتويت لتغريدة غنيم. و بعد ذلك بعدة أيام، كان صالون علاء الأسواني الأدبي ينظم حلقة نقاش بعنوان (ثورة رومانيا: حتى لا يتكرر التاريخ). يمكن القول بإن إهتمام المصريين المفاجىء بثورة رومانيا هو بسبب الخوف من حصول نفس سيناريو إختطاف الثورة. و في بلد يقطنه أكثر من 80 مليون نسمة و لا زال يعاني من نسبة أمية مرتفعة فإن مسؤولية الحفاظ على مكتسبات الثورة لا تقع فقط على الحكومات و الأحزاب بل تمتد أيضاً على المخرجين و المنتجين الذين سيتعين عليهم القيام بدور تنويري لتقديم أعمال تتناول هذه المرحلة المهمة بشكل فيه تجرد و نقد بعيداً عن المتاجرة و الإستغلال. رابط لصفحة الفيلم على موقع Internet Movie Database