قبل سنوات طويلة زرت ستديوهات ينفرسال لإنتاج الأفلام في كاليفورنيا.. وكانت بمثابة حديقة ترفيهية أكثر منها ستديوهات أو موقع لتصوير الأفلام.. وأذكر حينها أنني دخلت مع أم حسام إلى صالة سينما صغيرة لم أفهم الفكرة من وجودها في البداية.. وأثناء عرض الفيلم أتت لقطة احترق فيها الطعام فشممت رائحة (شياط) - أو طبيخ محروق - ولكنني لم أعر الأمر اهتماماً وظننته مجرد إيحاء بعد رؤية اللحمة المحروقة تخرج من الفرن!! على أي حال سرعان ما حضر الأب - في الفيلم - يستطلع الخبر.. وبعد أن اطمأن على زوجته بدأ يرش في الجو رائحة زكية (شممتها هذه المرة أيضاً).. حينها ملت على أم حسام وسألتها: هل تشمين رائحة ورد أو ياسمين في الجو.. قالت: نعم، وقبلها طبيخ محروق.. ولم أكد أعتدل في جلستي حتى حضر الابن - في الفيلم - وهو يحمل دلو ماء كبيراً رماه باتجاه الفرن المحترق ففوجئت - كما فوجئ الجمهور - بالماء يضرب وجهي ويسيل على ملابس.. وحينها فقط استوعبت ما يحدث فضحكت كي لا يكتشف الآخرون جهلي!! كان الفيلم برمته مجرد محاولة سينمائية لنقل كافة الأحاسيس إلى المشاهد (حيث خرجت الروائح وتيار الماء من ظهر الكرسي المقابل).. فأنت حين تشاهد فيلماً أو برنامجاً تلفزيونياً تستعمل حاستين فقط هما السمع والبصر.. ولكن تصور لو شاركت بكل حواسك في أحداث الفيلم وأمكنك شم رائحة الطبيخ المحروق أو الشعور بسقوط المطر - أو حتى الإحساس بملمس الحرير ومذاق الفاكهة وسقوط الجسر وتحرك السرير.. ورغم أن الفكرة ليست جديدة إلا أن تنفيذها كان صعباً ومكلفاً - خصوصاً على نطاق فردي داخل البيوت.. فالشعور بسقوط السقف أو اهتزاز البركان يتطلب كرسيا ميكانيكيا مبرمجا للتحرك مع الفيلم.. أما الشعور برائحة السلخانة أو انفجار البارود فيتطلب عدداً كبيراً من الروائح الأساسية (يخلطها الكمبيوتر ويطلقها في الجو) متزامنة مع اللقطة المعروضة.. وبطبيعة الحال يصبح الوضع أكثر تعقيداً لو أردت (الإحساس) بكآبة الممثل أو فرحة الممثلة أو نشوة اللقاء بين الاثنين.. وللخروج من هذا المأزق - والاستغناء عن الأجهزة المكلفة - ابتكرت شركة سوني جهازاً جديداً يخلق الأحاسيس والمشاعر في رأسك مباشرة (دون المرور على حواسك الخارجية).. ورغم أن الشركة لم تنشر تفاصيل كثيرة عن هذا الاختراع (كونه لم ينزل للأسواق بعد) ولكن مجلة نيوساينتست تحدثت عن جهاز «يشبك» بالرأس ويؤثر على مراكز الشم واللمس والإحساس في الدماغ.. وهكذا لابد من إطلاق روائح حقيقية أو تحريك الكرسي بعنف - أو رش الماء بين عينيك - يطلق الجهاز موجات فوق صوتية تخلق نفس الشعور في دماغك مباشرة (حسب مجلة Newsientist في ابريل الماضي). وحين يترافق جهاز كهذا مع صوت مجسم، وشاشة ثلاثية الأبعاد، تكتمل في ذهنك عناصر الواقعية فتشارك في أحداث الفيلم - وتلغي دور البطل - وتصبح محور الأحداث في التيتانك أو حرب النجوم - أو حتى البوكيمون. وتقنية كهذه سرعان ما تدخل عالم الطب وتصبح مفيدة في التواصل مع المرضى والمشلولين والمغيبين عن الواقع - ونقل الأحاسيس كاملة لهم.. أما في عالم السياحة فيصبح ممكناً (لذوي الدخل المحدود) السفر لأبعد الأماكن ورؤية أجمل البلدان وزيارة أغرب المواقع.. بل يمكنهم زيارة المريخ والدوران حول الشمس وقضاء شهر العسل بين النجوم من خلال برنامج افتراضي لا يكلف بضعة ريالات!! [email protected]