العطاس إحدى الظواهر الطبيعية التي تمر علينا بدون تدبر لما يحدث فيها فتقريبا جميع الكائنات الحية تعطس لأسباب مختلفة. فنحن نعطس عند التحسس من رائحة معينة أو عند تغير حرارة الجو المحيط أو عند الإصابة بنزلة برد. ونشعر عادة بالراحة بعد العطاس. فما هو العطاس وكيف ينشأ؟ آداب ووصف العطاس متأصلة في ثقافتنا الإسلامية. فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: « إن الله يحب العُطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمِّته، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فليردّه ما استطاع، فإذا قال: ها، ضحك منه الشيطان». صحيح البخاري. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له يرحمك الله فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم». صحيح البخاري. ففي حين أن النظرة للتثاؤب سلبية في ثقافتنا فإن النظرة للعطاس هي بدون شك إيجابية. والنظرة الإيجابية للعطاس توجد في الثقافات الأخرى كذلك، فقدامى اليونان كانوا يتفاءلون بالعطاس ويعتبرونه فألاً حسنًا قبل الحرب وكذلك الحال في الثقافة الغربية الحديثة حيث إن الدارج بين العامة في الغرب قول بارك الله فيك بعد العطاس.(God bless you) ماذا يحدث خلال العطاس؟ يمثل العطاس اندفاعا قوياً للهواء من الرئتين عن طريق الأنف. فعند تجاوز المواد المحسِّسة أو الأجسام الغريبة شعر الأنف ووصولها للخلايا الظهارية المبطنة للأنف فإن الخلايا المناعية تفرز مواد محسسة للجسم أهمها مادة الهيستامين التي تهيج مستقبلات الهيستامين لتهيج بدورها أعصاب الأنف والتي ترسل رسائل عصبية للمخ في عملية معقدة عن طريق شبكة العصب الثلاثي تنتهي بأن يرسل مركز العطاس في أسفل عنق المخ إشارات لعضلات الشهيق وعضلات مجرى الهواء العلوي. فالأوامر لحدوث العطسة تصدر من المخ إلى الأعصاب الطرفية المتصلة بالعضلات لتنفيذ العطسة. وخلال العطسة، يتم فتح مجرى التنفس العلوي بشكل واسع ومن ثم تتم عملية شهيق كبيرة تملأ الرئتين. بعد ذلك، تبدأ عملية زفير قوية حيث تنقبض عضلات الزفير مثل الحجاب الحاجز وعضلات البطن وتنثني اللهاة والجزء الناعم من سقف الحلق للأمام مما يؤدي إلى فتح مجرى الهواء (البعلوم) للاتصال بالأنف وتضييق لمخرج الهواء من الفم. ويتم قفل الفم والعينين. ونتيجة ذلك، يندفع الهواء بصورة أساسية من الأنف وبصورة فرعية وأقل من الفم ويصاحبه رذاذ من إفرازات الجسم ليخرج معه الأجسام الغريبة والميكروبات. ويعتبر العطاس أحد الدفاعات المناعية في الجسم التي تطرد الأجسام الغريبة. ويندفع الهواء من الأنف بصورة سريعة جدا تصل إلى 100 ميل بالساعة (33 متراً بالثانية) مما ينتج عنه طرد للمواد الغريبة والمضرة من الأنف والجهاز التنفسي العلوي مثل الغبار والمواد الغريبة المحسسة. ويذكر العلماء أن العطسة الواحدة يمكن أن تطرد 100 الف ميكروب وتنشرها في محيط العاطس، لذلك يجب تغطية الأنف بمنديل خلال العطسة لمنع انتشار الميكروبات في الجو. يمثل اندفاعاً قوياً للهواء من الرئتين عن طريق الأنف ماهي أسباب العطاس؟ وللعطاس أسباب كثيرة أهمها المحسسات الخارجية والتي تختلف من شخص لآخر مثل الغبار وبعض العطور والجراثيم وغيرها. كما أن العدوى وبالذات الفيروسية مثل فيروس الزكام يمكن أن تسبب عطاساً مرضِيّاً شديداً. وهناك أسباب نادرة وغريبة للعطاس. فقد تم وصف حالات العطاس عند البعض بعد أكل وجبة ثقيلة وهذا الاضطراب وراثي وينتقل جينيا. وقد وصف هذا المرض الوراثي العالم العربي أحمد الطيبي رحمه الله عام 1989 كما تم وصف العطاس ذي المنشأ النفسي والذي ينتج عنه عطاس متواصل بدون سبب عضوي واضح وتستجيب الحالات للعلاج النفسي. وقد يحدث العطاس اثناء إجراء التمارين الرياضية لأن الشخص يتنفس كمية هواء أكبر خلال التمارين مما يسبب جفافا في الأغشية المبطنة للجهاز التنفسي العلوي مما يزيد إفراز المخاط للترطيب والذي بدوره قد يسبب العطاس. كما تم وصف حالة وراثية غريبة تحدث عند البعض، حيث يبدؤون في العطاس عند التعرض لضوء الشمس. والعطاس قد يتبع إيقاعا يوميا خاصا، فالعطاس عند الكثير من الناس يزداد صباحا عند الاستيقاظ لصلاة الفجر وهذا بسبب زيادة التحسس في هذا الوقت حيث إن مرض الربو على سبيل المثال يزداد في ساعات الفجر الأولى. كما أن من غرائب العطاس أنه لا يحدث خلال النوم أبداً وقد يكون القارئ قد لاحظ أنه لا يعطس وهو نائم حتى لو كان مصابا بالزكام. وفي حال حدوث مهيجات تتطلب حدوث آلية العطاس الواقية للجهاز التنفسي، فإن النائم يستيقظ من النوم ومن ثم يعطس. وسبب ذلك أن الأعصاب المسؤولة عن العطاس تكون في حالة كمون خلال النوم. هل يمكن أن يكون العطاس مرضِيَّاً؟ وكما أن العطاس آلية حماية مهمة جدا للجسم، إلا إنه قد يصبح مرضِيَّاً في حال زاد عن الطبيعي ويقدر العطاس الطبيعي افتراضيا عند أكثر الناس بأربع عطسات يوميا. من أهم أسباب العطاس الكثير حساسية الجهاز التنفسي العلوي والجيوب الأنفية والتي قد تكون مصحوبة بحساسية الجهاز التنفسي السفلي(الربو ). وينتج عنها عطاس متواصل وبالذات في الصباح الباكر وقد يكون مصحوبا باحتقان في الأنف وسيلان أنفي ونقص في حاسة الشم وسعال عند البعض. كيف يتم علاج العطاس؟ وعلاج الحساسية يتكون في الأساس من محاولة تجنب المحسسات ولكن هذه الطريقة لا تجدي في العادة بسبب تعدد المحسسات. لذلك يضطر الأطباء في بعض الحالات إلى وصف مانعات الحساسية والتي تتكون في العادة من نوعين: مضادات الهيستامين والتي تعطى على شكل أقراص والجيل الأول منها يسبب النعاس أما الجيل الثاني والثالث ففي العادة لا يسبب نعاسا والنوع الثاني الاستنشاق عن طريق بخاخات الأنف والتي تكون في العادة من مواد الستيرويدات وهي في العادة فعالة جدا عند أغلب المرضى.