قبل فترة طويلة كتبتُ مقالا بعنوان لماذا يسافر العزاب الى الخارج؟ وحينها كان الجواب سهلا بسهولة توقعك له فور قراءتك للسؤال.. أما الآن فتغيرت الحال وأصبحنا نرى (عائلات) تسارع للرحيل بكامل نسائها وأطفالها وشبابها وبدافع يفوق أي ظروف مناخية أو التزامات مالية وكأن الخروج من البلاد أصبح مطلبا بحد ذاته.. فخلال الأيام القليلة فقط وصلتني أكثر من صورة ولقطة فيديو (على الواتساب) تظهر حالات الرحيل الجماعي الى البحرين والإمارات في إجازة اليوم الوطني.. كانت أرتال السيارات ومظاهر الازدحام تشبه حالات النزوح الجماعي من كارثة طبيعية أو معارك عسكرية.. كانت سيارات العوائل تسير بخمسة مسارات، وبطول عدة كيلومترات، وببطء أجبر بعض الأطفال على النزول واللعب في "التربان".. وبحكم علاقتي بقطاع السفر والطيران أؤكد لكم وجود حالات نزوح مشابهة من خلال المطارات ليس فقط في الإجازة الأخيرة بل في كل إجازة يتحول فيها الشعب الى حُمر مستنفرة فرت من قسورة !! ماذا يحدث بالضبط؟ ولماذا لدينا بالذات؟ قد لا تكون الظاهرة حديثة، ولكنها تفاقمت في السنوات الأخيرة بحيث أصبح (الجميع) يستغل (أي فرصة) لمغادرة البلاد وقضاء وقته خارج الوطن.. .. وبصراحة ؛ تكون نظرتنا جدا ضيقة لو تبنينا ما يطرحه بعض المتشددين عن أهداف السفر للخارج.. فالسفر للشرب والعربدة أمره محسوم، ويتفق الجميع على حرمته، ولا يقتصر وجوده على الخارج لمن يبحث عنه من المقتدرين وهو على أي حال لا يساوي لا من حيث العدد ولا الأهمية الظاهرة التي أتحدث عنها اليوم.. فأنا أتحدث اليوم عن عائلات.. عن فعل جماعي.. عن شعور عام بالملل والاختناق وانغلاق الأبواب .. لم يعد بإمكان أحد إخفاء رغبته بالسفر وحاجة عائلته للترفيةه والترويح. ومن يختصر ظاهرة السفر الجماعي بالانفلات وقلة الدين (لا يتهم المسلمين فقط) بل ويعجز عن رؤية الصورة الكبيرة والتغير الحاصل في المجتمع والأسوأ من هذا اعتقاده أنه أحرص من الأزواج على زوجاتهم، ومن الآباء والأمهات على أبنائهن حين يسافرون للخارج... ولأن مساحة المقال أقل من محاولة الإجابة أو البحث في خلفيات الظاهرة هناك مجموعة أسئلة يجب أن نواجهها بصراحة لفهم أسباب النزوح الجماعي الذي أصبح شائعا في السنوات الأخيرة: فهل أصبحت بلادنا مثلا مملة لهذه الدرجة؟ هل يعني تفاقم الظاهرة فشلنا في خلق سياحية بديلة مناسبة؟ هل وصل مستوى المنع والتحريم (وما لا ينبغي) درجة خنق الناس وإجبارهم على الرحيل؟ هل رسمنا لأنفسنا قوقعة اجتماعية وقيودا أخلاقية (ما أنزل الله بها من سلطان) تكبلنا في الداخل وتحررنا في الخارج؟ هل لهذا السبب أصبح السفر لدينا (ليس للسياحة) بل فرصة للتنفس بشكل صحيح والعيش على طبيعتنا لفترة قصيرة؟ أم كل هذه الأسباب مجتمعة ولكنها ظهرت بوضوح هذه الأيام بفضل الانترنت، ورخص التذاكر، وسهولة السفر، وبروز أجيال جديدة أكثر عالمية واطلاعا؟ ... إختر ماتشاء .. وانتقدني كما تشاء .. ولكن لا تكذب على نفسك وتنكر وجود الظاهرة ...