الآن وقد قاربت إجازة الصيف على الانتهاء، وأوشك رجالنا الأشاوس الذين اعتادوا على مطارحة النساء واللعب بعواطفهن وسحبهن إلى فراش الزوجية والإنجاب والطلاق في الخارج في مدننا العربية والآسيوية، إلى العودة لبلادهم وممارسة حياتهم الطبيعية بكل قداسة ونقاء وطهارة، بعد أن مارس هؤلاء حيلاً وكلمات تفوق نصوص أشعار وقصائد نزار قباني، أو حتى الأغنية المشهورة للمطربة اللبنانية الرائعة ماجدة الرومي «كلمات»، أساليب الخداع التي دخل بها رجالنا وشبابنا إلى قلوب وعقول بناتنا العرب والآسيويين ودول أخرى، سمعتها من صديق لي عائد من إحدى الدول العربية، أمضى فترة الصيف متنقلاً بين أكثر من دولة عربية. يقول صديقي، الذي يعتبر نفسه «دونجوان» وله مغامرات، إن معظم حالات الزواج هذه معروف أنها لغرض الطلاق، والبعض منهم «يعشم» أسرة العروس بتحسين أوضاعهم أو منحهم تأشيرات عمل، أو يوهمهم بأنه رجل أعمال ولديه أموال، أما الكثير من هواة التعدد لديهم في كل «وادٍ» زوجات وأبناء، بل إن معظمهم يتزوج ويطلق في اليوم أكثر من امرأة أو يتركها ويهجرها، ويحدث أن الشباب أو الرجال إذا تورطوا في زيجة يصرف عليها شهراً أو شهرين وبعدها يختفي، فجأة تكتشف أن الاسم كان مزيفاً ورقم الهاتف لم يكن يخصه، كل المعلومات الموجودة في عقد الزواج «بلها واشرب مويتها» لا تسوى شيء، يقول صديقي حالات الزواج لدى السعوديين سهلة في الخارج، فالناس لديها اعتقاد بأن السعودي ثري و«حقاني» ولديه من الإنسانية والعدالة في التعامل مع الزوجات، وتعتبره أكثر تجربة في التعامل مع التعدد، ولكن الرجل اللعاب، تستطيع ان تكتشفه ولا أقصد هنا «النسونجي» الذي يحب «الشكشة» و«الوناسة»، بل أولئك الذين يتعاملون مع النساء كمصالح موقتة، أو وعود وهمية، قاطعت صديقي وقلت له كأنك تريد ان تصور لي انك لست ذئباً لعوباً، قهقه بقوة، لم تعجبني ضحكته، استأذنته بوجود مكالمة. بالطبع لا يمكن الإغفال ان لدينا مشكلة كبيرة في الخارج بالنسبة لزوجات وأبناء السعوديين المهملين والضائعين، وأيضاً لاختفاء آبائهم، أو توقف مصروفهم، والكثير من القضايا مثل حالات الطلاق المعلقة أو الاعتراف بالأبوة، وإذا أردتم ان تستهلكوا مناديل لتمسحوا دموعكم من قصص الأبناء والفتيات والزوجات في الخارج اقترح عليكم ان تتصلوا على جمعية «أواصر»، الجمعية الخيرية الوحيدة المتخصصة لرعاية الأسر السعودية في الخارج، والحقيقة هذه الجمعية حتى الآن نجحت في نقل قصص مؤثرة وواقعية، إلا أنني لم أسمع أنها حلت المشكلات التي تصل إليها أو تقف عليها. ربما لأن هذه الجمعية هي خيرية والتعاون الحكومي محدود أو معدوم، وبالنسبة لدعمها من القطاع الخاص لا أعرف كيف تجد الدعم هذه الجمعية، أو تنفذ برامجها. الأسبوع الماضي جاءت لدي فكرة بعد قراءتي لمقال الزميلة بدرية البشر هنا في «الحياة»، تحت عنوان «من نلوم»؟!» والقصص والأرقام التي أوردتها الزميلة في مقالها، جعلتني أتحمس لتطبيق الفكرة، مستفيداً من الأرقام التي أوردتها ولا اعرف مصدر هذه الأرقام، إن كانت صحافية أو أرقاماً صادرة من السفارات والقنصليات السعودية في الخارج من عدد الشكاوى التي تصلها، أو من جمعية أواصر، أو أنها معلومات سرية تسربت إلى الزميلة بدرية، ولكني على يقين أنها صحيحة، فطالما انه خلال عام انفق على الزواج السياحي في خلال عام 100 مليون، فلا استبعد ان يكون حجم الإنفاق وصل إلى بليون و500 مليون خلال ال 20 عاماً الماضية، وان يصل عدد زوجات السعوديين إلى ما يزيد على 150 ألف زوجة، وإذا افترضنا انه خلال العقدين الماضيين لم تنجح سوى خمسة في المئة من حالات الزواج، فهذا يعني أننا أمام 8 آلاف زوجة موجودين في الخارج لسعوديين، ونحو 200 ألف من الأبناء، وإذا استمرت الحال هكذا وسجل هذا النشاط نمواً ملاحظاً فلا استبعد ان يتحول السعوديون في الخارج إلى أقليات داخل هذه الدول، قد تصل أعدادهم إلى ملايين، والمشكلة التي تنمو في الخارج هي انعكاس للأنظمة والقوانين في الداخل، والصعوبات أيضاً ضعف العقوبات، وحادثة حي العجوزة في القاهرة، التي راح ضحيتها أرواح سعودية وقطرية ومصرية، هي واحدة من القصص المحزنة التي نتجت عن تلك الزيجات، والأبناء الذين بقوا في الخارج في عالم النسيان. أعود للمقترح الذي تحدثت عنه في البداية، وهو ان تنشئ الجهات المختصة الرسمية وزارة أو مؤسسة حكومية تُعنى بملاحقة الأسر السعودية من أبناء وزوجات وبنات وحقوق تسجيلهم رسمياً في سجلات الإدارات الحكومية، إما بإحضارهم إلى البلاد، أو تحسين أوضاعهم هناك في بلدانهم من تعليم وتأمين سكن لهم ومساواتهم بحياة الأسر الموجودة في السعودية، ووضع قائمة سوداء لمن يثبت انه متلاعب ويُمنع من السفر، وملاحقته حقوقياً داخلياً وخارجياً في دفع النفقات، أو تتولى الجهة الحكومية ذلك، طالما أنها كانت هي التي شجعت على انتشار هذه الظاهرة من خلال فتاوى أو إجازة دينية، أعتقد من المهم أيضاً ان تنشط جهات حكومية وأهلية خيرية في تفعيل برنامج البحث عن الأبناء والزوجات في الدول التي يكثر وجودهم فيها، ونطلق حملة تحت عنوان «عائلاتنا الضائعة... عودوا إلى دياركم سالمين»، والحقيقة وأنا أكتب هذا الاقتراح لجمع شمل الأسر السعودية في الخارج، أعجبني تقرير بثه برنامج mbc في أسبوع يوم الجمعة الماضي، قصة سيدة سعودية عاشت سنوات طويلة تمتد إلى أكثر من عقدين وأنجبت أطفالاً من زوجها، وبعد أن توفي اكتشفت قنبلة ضمن أوراقها الرسمية، فقد «طلع المرحوم» مزور في الأوراق الرسمية، وزعم انه سعودي، هل يمكن ان تخبروني كيف مرت بطاقته المزورة على كل الإدارات الحكومية والأهلية ولم تُكتَشف، بقيت أكثر من 20 عاماً تتنقل بين الإدارات الحكومية، بصراحة لم تفلح كل التقنيات والأجهزة في كشف التزوير، والآن هي حائرة وأبناؤها وبناتها، وحتى تحل هذه المشكلة تحتاج الى سنوات. استغرب أن الإدارات الحكومية لم تخجل من إعلان هذا الخبر أو تعترف بخطئها، من أين تريدون أن نبدأ... نحلها خارجياً أولاً، أم نبدأ من الداخل؟! * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected]