تُعيد مناسبة اليوم الوطني ذاكرتنا إلى الوراء عشرات السنين، حيث نسترجع ما كان عليه الأجداد، وما واجهوه من حياة قاسية وصعبة، حتى قيض الله لهذه البلاد الملك المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- بانيها وموحّد صفها، ومعه الرجال البواسل الذين وقفوا معه حتى توحدت تحت راية "لا إله إلاّ الله محمد رسول الله". "الرياض" التقت الشيخ "محمد بن عبدالله المقرن" أحد أولئك الرجال الذين سطروا بأحرف من ذهب ذكرياتهم مع الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، وهو من أهالي "شقراء" وتجاوز عمره (100) عام. المقرن: لمّ الفرقة والشتات وأسّس البلاد على الدين حتى استتب الأمن والأمان لم الشتات كان اللقاء صعباً بسبب ثقل سمع ضيفنا وتقدمه في العمر، إلاّ أن ابنه الأستاذ "مقرن بن محمد المقرن" -مدير المتابعة في إدارة التربية والتعليم بشقراء- وافانا بهذا المحصول من حديث وذكريات والده، قائلاً: إن ما نعيشه حالياً إنما هو بفضل من الله ثم ما عمله المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- من لم الفرقة والشتات، حيث أسس البلاد على الدين الحنيف حتى استتب الأمن والأمان في هذ الوطن المترامي الأطراف، مضيفاً أنه في الزمن الماضي كان لا يمر يوم من الأيام إلاّ "والصايح" يصيح أنه أُخذت الماشية، فيفزع الأهالي ويستردونها، مبيناً أن الجزيرة العربية كانت تعيش قديماً حالة من الفوضى والخوف والفزع وعدم الاستقرار، مؤكداً على أن الملك عبدالعزيز بدأ يجوب البلاد شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً حتى ألّف بين الناس، لتتوّحد الصفوف ويلتم الشمل، بعد أن كان الجميع يخاف على ماله وعرضه من السلب والنهب. محمد المقرن راية البيرق ويستعيد "مقرن المقرن" ذكريات والده بقوله: إن أهالي أي بلد ومنهم أهالي شقراء كانوا إذا أرادوا الحج آنذاك لا يذهبون في حجهم إلى مكة إلاّ ومعهم "البيرق"، وهو علم كُتب عليه "لا إله إلاّ الله محمد رسول الله"، حيث يجتمع الأهالي بمحاملهم -وسيلة للنساء- وركائبهم رافعين "البريق"، مضيفاً أن الناس إذا أرادوا السفر للتجارة سواء للشرق أو للغرب يأخذون معهم رجلاً من أفراد قبائل هذه الطرق التي سيذهبون إليها، ويسمى هذا الرجل "رفق"، يستأجرونه للذهاب معهم وإذا هجم عليهم أحد ليسلبهم فإنه يتصدى لهم، مشيراً إلى أنه كان الناس في الماضي يعيشون حياتهم في خوف وصراع مع السلب والنهب، حتى قيّض الله لهذه البلاد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الذي شرع في البناء والتأسيس. مواقف إنسانية وأخرى «إدارية» كشفت عن رؤية المؤسس في بناء دولة تستوعب الجميع حباً وانتماءً ذكريات جميلة وعن ذكريات الشيخ "محمد المقرن" أكد ابنه "مقرن المقرن" على أن والده قال له: لدي ذكريات جميلة مع الملك عبدالعزيز، ولا زلت أتذكرها، ففي عام 1352ه ذهبت إلى مدينة الرياض وقد تعرفت على أهل قهوة ولي العهد الأمير سعود بن عبدالعزيز -آنذاك-، وجلست معهم فترة من الوقت، وبعد استكمال بناء قصر المربع في أوائل عام 1357ه تركت أهل القهوة، حيث طلب مني غلام الملك عبدالعزيز الذي يشرف على مدخراته أن أكون كاتباً له، وقال لي: يا محمد الشقراوي، لأنني لا أُعرف في مدينة الرياض إلاّ بهذا الاسم نسبة إلى شقراء: إن الملك يريدك وسنذهب إلى رحلة القنص، فهل ستذهب معنا أو ستبقى؟، فقلت: ليس لدي مانع وأريد أن أذهب معكم، مبيناً أنهم رجعوا إلى الرياض، ثم انتقل الملك من قصر الصفاة إلى قصر المربع للسكن، وهكذا مكث عند الغلام، حيث متابعة رحلات الملك عبدالعزيز، لافتاً إلى أنه إذا أراد الملك عبدالعزيز السفر يضعون عند وسادته طاولة صغيرة، عليها الساعة المنبهة -الخرّاش-، وكذلك المصحف الشريف والكهربان -الكشّاف- المضئ ليلاً، موضحاً أن الملك عبدالعزيز كان يحتاجه في كتاباته في بعض الأحيان. كتاب الله وذكر "مقرن المقرن" أن من بين ذكريات والده أن الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- كان مسافراً إلى مدينة الخرج ليطّلع على العيون و"مزرعة السهباء" في الخرج، حيث جلس والده في الغرفة التي فيها الحقائب وكان معه مصحف، وعند أذان المغرب ذهب للوضوء وترك المصحف على الأرض -أي على الفرش- فقال له الملك عبدالعزيز: ما هذا؟، فقال: يا طويل العمر هذا مصحف أحفظ فيه القرآن، فقال له: ما تعرف قدره، ارفع المصحف على شيء مرتفع، مضيفاً أن والده كان في رحلة قنص مع الملك عبدالعزيز في "منطقة الخفس" وما حولها، وكانت معه أسرته وفجأة رجع إلى الرياض لظرف عارض، وبعد وصوله هناك وعندما جلس بعد العشاء جاءه خبر أن أحد الأطفال جاءته وعكة صحية، فطلب منه الكتابة إليهم وذلك بحضور ولي العهد الأمير سعود بن عبدالعزيز ونائبه الأمير فيصل بن عبدالعزيز -رحمهم الله-، وبعد أن ختم الكتاب أعطاهم إياه وقال ابعثوا به إلى مرجعه. رحلة القصيم وأوضح "مقرن المقرن" أن والده ذكر له في إحدى المرات أن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- كان عائداً من منطقة القصيم وفي طريقه إلى الرياض بعد أن مكث فيها سبعة أيام، وهناك كان الطريق وعراً شديداً وصحراوياً؛ لعدم وجود طرق معبدة, وفي آخر يوم من بقائه في القصيم ذهب الى عنيزة وسكن في بيت أميرها "خالد السليم"، كان يسكن هو والأمين مع الملك في الدور الأوسط، وبقية الحاشية في الدور الأرضي، كان والدي "يروّح" على الملك بالمروحة التي عملت من سعف النخيل؛ لأنه لا توجد مراوح أو كهرباء في ذلك الزمن، وبعد أن استيقظ سمح له أن يذهب، وبعد أن تناول الملك وجبة الغداء في حديقة القصر، ذهب إلى "بلدة الربيعية" وتناول القهوة فيها، وذلك في آخر يوم في شهر شعبان عام 1360ه، صلى فيها صلاة العشاء ثم سلك طريقه متوجهاً إلى الرياض. وأنا أبوك واستكمل "مقرن المقرن" ما حدّثه به والده قائلاً: كان الطريق صعباً جداً وبه كثير من "الرمال"، واصلنا المسير عن طريق "الملحا" ووصلنا إلى "فرغ شقراء"، فإذا هو متعب ومن معه، كانوا جائعين، كان مع والدي سيارة تسمى "ملاحية"، وهي ملبسة ب"الأبلكاش" -من الخشب-، وكانت هذه السيارة مملوءة بالحقائب والمأكولات، فلما وصل بالسيارة نادى بأعلى صوته يا أمين يا أمين وقال له الأخوياء: هذا "محمد الشقراوي" فقال: دعوه يحضر، فلما حضرت إليه قال له هذه الكلمة التي لن ينساها: "وأنا أبوك"، وهذه دلالة على تواضعه -رحمه الله- نريد أكلاً إننا جائعون، فقال والدي: يا طويل العمر" السيارة مملوءة من فضل الله ثم فضلك، فكان معنا "علب المربيات" و"تنك الكليجا" و"القرصان" الناشفة، وجميع أنواع المعلبات، بعد ذلك مددوا المائدة -السفرة-، حيث كان مع الملك عبدالعزيز كبار مرافقيه من أهل البادية و"آل رشيد" وأبنائه، بعدها واصلوا المسير حتى وصلوا ليلة واحد من شهر رمضان المبارك عام 1360ه. قصر السبيعي محط ترحال الملك عبدالعزيز أرغد عيش وأكد "مقرن المقرن" على أن "اللنجاوي" -مدير المالية آنذاك- طلب من والده كتّاب يذهبون مع كل هيئة لطلب واستحصال السلفيات الزراعية، وتم اختياره مع لجنة سدير، حيث ذهب إلى الملك عبدالعزيز في القنص، وكتب معهم آنذاك إلى أهل سدير، حيث ذهبوا به لكي تتم قراءته في كل مسجد وفي كل مدينة وكل قرية. وحول الأمن والأمان في بلادنا، قال الشيخ "محمد المقرن": إننا ولله الحمد في أحسن حال وأرغد عيش، فخلال هذا العمر الذي تجاوز (100) عام لم أشاهد إلاّ ما يثلج الصدر ويسرالخاطر من إمكانات عالية وأمن وأمان، مقارنة بما يشهده العالم من حولنا، وأعظم من ذلك تأسيس هذه الجيوش من أمن وحرس وشرطة ودفاع في الجو والبحر والبر، كل ذلك لحفظ الأمن والأمان ووقاية بلادنا من كل معتد آثم. تعليم الكتاتيب وعن التعليم قديماً، قال "مقرن المقرن" إن والده أكد أن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- كان حريصاً على فتح المدارس والمعاهد، حتى كثر العلماء والقضاة الذين هم الآن في كل مدينة وقرية، بدلاً من وجود قاض واحد في الإقليم كله، كما أن الملك نشر الوعي والعلم في كل قرية ومدينة، بعد أن كان في وقت مضى عبارة عن "حلقات الكتاتيب"، حيث كانت منتشرة في شقراء، مضيفاً أن والده أخبره أنه درس على يد أبناء الشيخ "إبراهيم بن عبداللطيف"، ثم من بعده الشيخ "عبدالعزيز بن عبدالرحمن ابن حنطي"، وهذه الكتاتيب لم يتعلم إلاّ القرآن الكريم فقط، حيث حفظ والده القرآن وأخذ عنه مبادئ في العلم، موضحاً أن برامج "الكتاتيب" تستمر صباحاً وظهراً وعصراً، وكانوا يقرؤون في ألواح يمسحونها ب"الصالوخ" -يؤخذ من الجبل وعلى هيئة دهان أبيض ويُكتب عليه بالحبر الأسود-، مشيراً إلى أن هذا الحبر يؤخذ من "مقارص" البيوت التي يعملون عليها "القرصان"، مؤكداً على أنه هكذا كانت حياتهم قديماً، حتى جاء الملك عبدالعزيز -رحمه الله- ورأوا نور العلم، حيث افتتح دور العلم والمدارس، وحث الجميع على طلب العلم، وأصبحت بلادنا منارة للعلم والعلماء. مركز تجاري وفيما يتعلق بالتجارة قديماً، أوضح الشيخ "محمد المقرن" أن الناس يذهبون قديماً إلى الأحساء وإلى الجبيل ويسمى آنذاك "عينيت"، ويعودون من رحلتهم هذه وهم محملون بالخيرات من المواد الغذائية، مضيفاً أنه كان معهم في رحلاتهم "الرفق" الذي يتفاهم مع من يعتدي على القافلة، وهو موكل له حماية القافلة، بل ويرشدهم الطريق، مبيناً أن التجار قديماً كانوا يحضرون إلى شقراء التمر والأرز من المنطقة الشرقيةوالأحساءوالجبيل، يأتون بالإبل والحرف اليدوية من القصيم وبالقهوة من بيشة وما حولها، ذاكراً أن أهالي شقراء مثلما هم يذهبون ويسافرون إلى بلاد بعيدة بأموالهم يشترون البضائع ويأتون بها، كانت شقراء مركزاً تجارياً واقتصادياً في المنطقة، حيث كانت الحملات التجارية تفد إليها من كل مكان، وكان أهلها رجال أعمال منذ زمن، سائلاً الله أن يُديم هذه البلاد وألاّ يغيّر عليها إنه سميع مجيب الدعاء.