الشيخ محمد سليمان العروج يعمل حالياً رئيس القهوجية بالأمانة العامة لمجلس الوزراء. يقول عن نفسه إنه (في السبعينات) من عمره فلم يرغب الإفصاح عن عمره الحقيقي ولكنه قال إنه عايش ستة ملوك عن قرب، ومثل هذا الرجل لابد أنه يحمل العديد من المواقف والذكريات والمعايشة الحية فكيف به حينما يكون قريباً من الملوك.. قربه ذلك كان بسيطاً بالنسبة لمن يدرك عمله ومهمته.. ولكن العارفين بحياة الملوك والأمراء يدركون حجم ما يملكه هذا الموظف عندهم: الشيخ سليمان العروج قد يطلق عليه من هم تحت الدائرة التي يعملون بها «كاتم سر» المجلس.. وأي مجلس إنه مجلس الملوك، و«مجلس الامانة العامة لمجلس الوزراء» التي منها تنطلق ويعلن العديد من البيانات والقرارات السامية والحاسمة والمهمة في البلاد.. ففي ذلك المجلس كان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - - رحمه الله - - مع الوزراء في «جلسة الاثنين» يطرحون ويناقشون العديد من القضايا التي تهم الأمة والمجتمع العربي والإسلامي وكافة قضايا العالم. العروج كان ممن حمل أمانة كتمان تلك الاسرار.. إلا أنه بالمقابل عايش مواقف مؤثرة وطرائف للعديد من اولئك الملوك وآخرهم فقيد الأمة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وهنا يتحدث العروج ل «الرياض» عن مشاهداته وذكرياته.. البداية مع الملك عبدالعزيز يقول محمد بن سليمان العروج إن والده سليمان كان ممن خدموا الملك عبدالعزيز - - رحمه الله - - لذلك كان هو واخوانه منذ الطفولة وهم مع الملك عبدالعزيز وابنائه.. كنا في البدايات مع الملك عبدالعزيز في قصر المربع، وفي قصر الحكم، فالملك عبدالعزيز - - رحمه الله - - كان يذهب الى منطقة قصر الحكم ويجلس بالقصر منذ الصباح وحتى بعد صلاة الظهر ومنطقة قصر الحكم معروفة وهي التي كان الملك عبدالعزيز يلتقي فيها بالمواطنين ويستمع لحاجاتهم وهي التي اقيمت بها «البيعة» خلال اليومين الماضيين لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - وسمو ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز. وبعد صلاة الظهر يذهب الملك عبدالعزيز للمربع وهناك قصور الملك وزوجاته وبعد العصر يذهب احياناً «لقصر البديعة» وهناك يجلس عند وادي حنيفة ويستقبل طلاب تحفيظ القرآن الصغار الذين ختموا القرآن ويقوم - رحمه الله - بتكريمهم وتشجيعهم والسماع لتلاوات بعضهم ومنهم كذلك ابناء الملك المؤسس. الملك فهد وحفظ القرآن ويضيف العروج: كان هناك مدرسة بالمربع خاصة لأبناء الملك عبدالعزيز والأمراء يشرف عليها شخص يدعى «السناري» - - رحمه الله - - وقد تخرج فيها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آنذاك وحينما حفظ القرآن - رحمه الله - قمنا بالاحتفال به، (زفيناه) أي تجولنا به في مدينة الرياض القديمة على سيارة (اللوري) من الصباح وحتى صلاة العصر كنا في اعلى السيارة وهو داخل السيارة صغيراً مبتهجاً بالتخرج في مدرسة القرآن وكنا نردد عبارات للمواطنين والمارة منها: «سومعي.. لومعي» اي اسمعوا وانظروا لحافظ القرآن وشيء من هذه العبارات.. مراحل تنقل الأخوياء والقهوجية ويقول العروج تنقلنا بعدها مع العديد من الملوك بعد الملك عبدالعزيز، فيصل وسعود، وخالد، ثم الملك فهد رحمهم الله، واليوم خادم الحرمين الشريفين اطال الله عمره في طاعته الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - وكنا في اعمالنا سابقاً في العسكرية مع صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالعزيز ثم انتقلنا حتى جاء وقت المجالس الخاصة بالملك والوزراء في قصر المربع ثم قصر الحمراء بين الفوطة والمربع ثم اخيراً في قصر اليمامة بالرياض. كيف يتم التحضير للمجلس؟ ويوضح العروج: حينما يأتي يوم الاثنين موعد انعقاد جلسة مجلس الوزراء فإن المجلس بكافة مكاتبه ودوائره ومنها الكبيرة والصغيرة مثلنا في «القهوجية» يكون كل شيء مجهزاً ويحضر من الصباح وحيث اني رئيس القهوجية بالامانة العامة لمجلس الوزراء فأنا اقوم بالتجهيز مع الموظفين الذين معي من القهوجية (للقهوة والشاي والعصير) كل حسب عمله وتجهز «الاباريق والفناجيل والبيالات» الخاصة، ولنا طرقنا في صنع القهوة الخاصة وحتى تجهيز الفنجال الخاص بالملك ودرجة التبريد والحرارة حتى لا نقطع وقت المجلس واحاديث الملك والوزراء وكان الذين يدخلون المجلس (3) اشخاص بدءاً مني واثنان من المعاونين من القهوجية ومنهم ابني عبدالله فأبدأ بالملك وولي العهد ثم الآخرين من يمين الملك ويتواصل حتى آخر شخص وكانت الطريقة الخاصة بتقديم القهوة مدرب عليها الجميع «فالصب له طريقة، كذلك تقديم القهوة و«الفنجال» كذلك الطرق على «الدلة» والهدف منها تنبيه من تقدم له القهوة ومن جواره فقد يكون مشغولاً بقراءة ملف او بيان للمجلس ونحوه فالوقت محدد وبذلك يتم التنبيه، والكثير يتساءل: كيف يتم شرب القهوة بهذه السلاسة فيقول العروج هذا كما ذكرت معد له مسبقاً بطرق مناسبة بحيث تكون القهوة ذات درجة حرارة تناسب الوقت المقدم.. ما يدور في المجلس مؤتمنون عليه ويؤكد العروج: كنت قد اخذت عهداً عند الله تعالى انا ومن معي حينما ندرك ونسمع بأي شيء اثناء دخول المجلس ان ذلك يعد امانة وسر ولا يجوز الحديث عنه فلا «ننقل» نقوم بأداء المهمة ثم نخرج من الجلسة حسب المتبع، ولا ندخل للجلسة الا اذا طلبنا بعبارة معروفة «القهوة.. القهوة» فالمطلوب كتمان السر وأي حديث او معلومة. اهتمام الملك في الجلسة! ويشير الشيخ محمد إلى ما كان يهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حينما كان ولياً للعهد والأمير سلطان وبقية الامراء والوزراء بشكل عام قائلاً: كان الفقيد - رحمه الله - حينما يناقش ويتحدث في جلسة مجلس الوزراء بشكل عام وانك حتى وان طال حديثه فإن المجلس ومن فيه تجدهم ينصتون لأن حديثه شيق ودقيق وحينما تحل بالمسلمين قضايا ومحن ومصايب فهو يبدأ بها وتكون ملاحظة على ملامح وجهه - رحمه الله - بحزن لما يصيب المسلمين والعالم من مصائب ويأمر بالمساعدات والاغاثة او العزاء كل بحسبه.. ويفرح حينما يسمع ويعلم عن اخبار سارة في أي مكان من العالم وللانسانية اجمع، وكان اكثر شيء يشكل اهتمامه في داخل البلد مصلحة الناس ومشاريع الحرمين الشريفين بمكة والمدينةالمنورة، وهناك امور اخرى «سرية» كما ذكرت لك كلها كانت خيراً وبركة لهذه البلاد وغيرها كما ذكرت لك لا يحق لي الحديث بها. رحلات ومواقف وعن الذكريات التي يذكرها العروج يقول: خادم الحرمين الملك فهد - رحمه الله - كان من المحبين القنص ورحلات الربيع والبر لكن القنص الذي كان يعشقه - رحمه الله - الحبارى، والطيور، والضباء، وغيرها من حيوانات الصيد وكان يهتم - رحمه الله - بالصقور والجيد منها. كنا نتولى مهمات للقنص في العديد من مناطق المملكة واذكر ان واحدة منها كانت في خارج المملكة جلسنا مدة اكثر من 3 اشهر قنصنا في 6 دول من الجزائر وحتى بورسودان. واذكر من المواقف الطيبة العالقة في ذهني حينما تذهب لمكة المكرمة منذ بداية التطوير والتوسعة كان يجمع المسؤولين والمهندسين ومنهم بكر بن لادن ويسألهم عن كل صغيرة وكبيرة ويحث على الاهتمام بها ووضع افضل التصاميم والادوات.. وكان في قصره بمكة اثناء رمضان والتراويح يصلي - - رحمه الله - - وبجواره الملك عبدالله وكل ضيف يأتي وابناؤه واخوانه وكان حريصاً على الجميع أنهم يصلون مع المسلمين في التراويح ويتأمل المسلمين أمامه في الحرم ويسأل «حوله» من بجانبه: كيف امورهم ويؤكد ان الحرمين من اولياته والمشاعر المقدسة وخدمة الحجاج.. إطفاء ناقلة الوقود! ويذكر الشيخ محمد بن عروج من المواقف التي تدل على حرص خادم الحرمين الملك فهد - رحمه الله - على المواطن وتلمس حاجته ويقول: كنا في إحدى المرات خرجنا من الرياض باتجاه شمال المدينة وعندما قربنا إلى منطقة تسمى «عقرباء» بجوار مدينة الجبيلة اذا بنا نشاهد «الدخان والحريق» يغطي السماء وسألنا ونتابع وعندها شاهد الملك - رحمه الله - المكان وسأل؟! واذا بها شاحنة من نوع مرسيدس «ناقلة وقود» خاصة لاحد المواطنين قد اشتعلت بالقرب من المكان وجلسنا وقمنا بفرش المكان واشعلنا النار ووضعنا القهوة والشاي والماء والجلسة، عندها طلب مني الملك فهد - رحمه الله - وقال: «رح يا سليمان وقل للسائق صاحب الناقلة يجي عندي» عندها ذهبنا وجبناه، فقام الملك واجلسه عنده وطلب له الماء بعدها سأله رحمه الله: «وش اللي حصل لك»؟! فأجاب المواطن وقال: يا الملك كنت امشي في طريقي باعتدال ولم اعلم الا والنار تشتعل من السيارة والوقود وعندها لم اذكر ساعتها الا ومعي (6000) ريال ورخصتي وقفزت من السيارة وبعدت عنها في اعلى «الحزم» المكان المرتفع عنها، ولاعندي سيارات ولا اطفاءات وكما تشاهد - يخاطب الملك - رحمه الله: «وش الذي يطفي هذا البانزين الكثير؟» عندها سأله الملك فهد - رحمه الله - وقال: «السيارة لك؟» قال: «لا ما بعد ملكتها انا ماخذها بالتقسيط ب 280 الف ريال وما سددت منه الا 80,000 الف ريال عندها سأله الملك رحمه الله: كم باقي عليك؟! فقال المواطن باقي200 الف ريال عندها طلب الملك فهد الحقيبة وامر الفقيد - رحمه الله - بصرف شيك ب 200 الف ريال لسداد باقي الاقساط وشيك آخر ب 280 الف ريال لشراء سيارة جديدة، عندها بكى المواطن فرحاً وقال: اطفأت يا مولاي حسرتي وحزني ودعا للفقيد رحمه الله. من الحوار ٭٭ يقول العروج: تلقيت نبأ وفاة الملك فهد بحسرة وأصابتني رعشة حينما أبلغني صديق لي وأنا في طريقي للعمل، ولكنه قال الخبر بالتدرج حينما قال: تحول التلفزيون إلى القرآن..عندها بكيت ولكن احتسبت الأجر والصبر عند الله تعالى. ٭٭ يحتفظ الضيف بالعديد من الصور القديمة له في حياته مع الملوك والأمراء وكذا جلسات مجلس الوزراء. ٭٭ يذكر الشيخ محمد أن القهوة ذات مواصفات خاصة تعد للملك والمجلس من خلال الهيل والزعفران، والماء الصحي الخاص. ٭٭ كان في الحوار يؤكد أنه رغم سماعه مع بقية القهوجية للعديد من القرارات إلا أنه كما ذكر كانوا يعدونها كنوزاً وأمانة مؤتمنون عليها لا يجوز بأي حال من الأحوال إفشاؤها لأن ذلك خيانة للأمانة. ٭٭ يقول أبو فهد: هناك مواقف وقصص عديدة عاشها مع الملك ومنها قصته مع الملك عبدالعزيز حينما خرج من قصر المربع وواجهه أحد البادية أمام سيارته في الموكب راغباً مالاً، عندها انزعج الملك وأبعده لطريقة وقوفه، ولكن سرعان ما أعاد الملك الموكب ورجع لذلك الرجل وأعطاه كيس مال واضعه عند سواقه عبدالكريم تحت رجل البادية: أعادك ربي يا الملك، فضحك الملك وواصل الموكب وكان المكان بين منطقة بالرياض تسمى «أم قبيس» و«المربع». ٭٭ يذكر العروج أن البهجة كانت للملك فهد رحمه الله حينما يسمع التقارير بانجاز مراحل كبيرة أثناء توسعة الحرمين وكان دقيقاً في كل صغيرة وكبيرة في ذلك التطوير. ٭٭ يؤكد العروج أنه ما تقدم بشفاعة لخادم الحرمين الملك فهد رحمه الله لعلاج شخص من العاملين معه، أو حاجة مسكين، أو بناء أو فرش مسجد أو أي عمل خير إلا وحينما يتأكد بحاجته يسرع بتقديمها ابتغاء الأجر ويحرصني على الكتمان والسر. ٭٭ يذكر الشيخ ابن عروج أن له «6» أولاد وابنتين كلهم يعملون في أجهزة الدولة بفضل من الله ثم بدعم المسؤولين له ولغيره من المواطنين، ويشير إلى أن والده كان من رجالات الملك عبدالعزيز وحضر معه غزوات، وأن الضيف عاش أيام الطفولة في قصور المربع مع عدد من أبناء الملك عبدالعزيز يرحمه الله ومنهم الأمراء سلمان وماجد وسطام ومشعل. ٭٭ يذكر الضيف أن مهنة «القهوجية» أمام الملوك ليست هينة ويحتاج للشخص النبيه والصبور، ويقول من المواقف اللطيفة: أن أحد زملائه في حياة الملك خالد يرحمه الله كنا قد وظفنا شاباً وعندما دخل عند الملك ومعه القهوة وحينما توسط المجلس توقف ولم يستطع المواصلة لتخوفه فيه فجئت ودفعته بالقوة فتجرأ وعندها قدم القهوة. ٭٭ ويذكر من المواقف اللطيفة: أن سقوط الفنجال قليل كون الشخص القهوجي قد تدرب، ولكن في إحدى المرات في عهد الملك فهد يرحمه الله كان مجلس الوزراء منعقداً والنقاش متواصلاً وطلب منا إحضار «العصير» وكان في «طوفريّات» صحون معد عليها «كاسات العصير» وهي ممتلئة جداً.. وكنا واقفين خلف الملك وطال النقاش وكان أحدنا قد تعب أعصابه ولم نشاهده إلا وهو أثناء حديث خادم الحرمين الشريفين رحمه الله مع المجلس فإذا بالقهوجي تتمايل عليه «الطوفرية» وإذا بكاسات العصير تتوالى على صدره وتسقط فأحدثت الصوت القوي عندها التفت خادم الحرمين الشريفين الملك فهد - رحمه الله - وأوقف الحديث وعندما شاهد الموقف ضحك رحمه الله ضحكاً كثيراً ومعه الأمراء والوزراء بالمجلس، فكان موقفاً طريفاً للملك فهد رحمه الله معنا ودل على حلمه وتواضعه حينما ضحك ولم يوبخ أو يعاتب ذلك القهوجي. ٭٭ ويؤكد الضيف أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمير سلطان، لن يقلا شأناً عن خادم الحرمين الملك فهد رحمه الله وقال: أسأل المولى أن يوفقهما ويقويهما على حمل الأمانة، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله معروف بالحكمة والعطف على الفقراء وحسن القيادة أسأل المولى أن يوفقه لما يحبه ويرضاه.