في مدينة بريدة هناك بورصة إلكترونية تتابع أسعار التمور كسلعة ثمينة توازي الذهب أو النفط، تتزامن تلك البورصة مع مهرجان التمور هناك، الذي أصبح موسم (خراف) كبيرا يستقطب التجار ليس على المستوى المحلي بل أصبحت الصفقات تتم هناك على مستوى إقليمي وعالمي. طبعا مهرجان من هذا النوع وبهذا الحجم، سينمو على ضفافه وجنباته العشرات من الصناعات الموازية والمرادفة، سواء من الصناعات الخدمية التي تقدم لزوار المهرجان، أو تلك المتعلقة بالسلعة نفسها وإمكانية استثمارها عبر العديد من الإبداعات كمنتوجات حرفية وأغذية .. ليتم بعد ذلك تصديرها كمنتج محلي استطاع أن يشق طريقه للعالمية، لأنه يُقدم عبر شروط جودة مرتفعة. وبتحول مطار بريدة إلى مطار دولي، فإن المنطقة هناك بانتظار الكثير من الفرص والوعود التنموية والحضارية . يبقى الآن دعم البنية التحتية للمنطقة التراثية في وسط مدينة بريدة، ووقف قضم الأسمنت السريع الشره لها، بالشكل الذي غيب الكثير من ملامحها الأثرية والتراثية التي تختزل مادة ثمينة من تاريخ المنطقة . (خليل الرواف) وهو ينتمي إلى أحد أشهر عوائل العقيلات النجدية الذين انطلقوا من بريدة كتجار يتحدث في الجزء الأول لسيرته الذاتية (عن بريدة كمركز تجاري يستقبل كافة التجار القادمين إلى المنطقة ومعهم أصناف الأقمشة والعطور والبهارات ليقوموا بمقايضتها بالمواشي والأنعام، ويذكر خليل الرواف، بعض التفاصيل عن مدينته التي يصف أهلها كمزارعين وكتجار أصحاب كلمة أصيلة اشتهروا بحسن الضيافة وطيب المعشر، لهم شغف بالعلوم والمعرفة والعلم الشرعي ). هذا الجزء من التاريخ نجد أنه بدأ يضمحل ويتوارى، على الرغم من أنه يعتبر من أبرز ملامح المنطقة هناك، فسوق الجردة الذي يقال إنه كان مقصدا لقوافل العقيلات، ومكانا يتم فيه التبادل التجاري بين القوافل وتجار السوق على امتداد قرون، نجد الآن أن ملامحه الأصلية بدأت تتلاشى، حيث بدأ (أسيد المنتج الصيني) يذوب ويحرق ملامح المدينة القديمة. يصف خليل الرواف طبيعة المعاملات التجارية بين العقيلات وتجار الأمصار (كان التجار الدمشقيون يثقون بالتاجر العقيلي النجدي، فيسلمونه أموالهم ولايكتبون بينهم أوراقا، بل يشيرون إلى اسمه الأول واسم بلدته، ويستعين تجار العقيلات بتلك الأموال فيشترون الإبل والغنم من أهل البادية، عندما تكون هزيلة نوعا ما، ثم نمكث في البادية شهرين أو أكثر فتخضر الأرض ويكثر عشبها ومرعاها فتأخذ الماشية بالنمو والاعتدال، فنعرضها في الأمصار من دمشق وفلسطين ومصر بأسعار مرتفعة نوعا ما). إنها جزء من رحلة الشتاء والصيف التي لها عمر التاريخ، وإحدى الملامح العريقة لجزيرة العرب، العقيلات تاريخ وإرث ثمين، يجب أن يأخذ مساحته من الاهتمام وسط مدينة بريدة القديمة.. وذلك بالحفاظ على تراث سوقهم العمراني أو ما بقي منه، وتأسيس متحف يختزل الكثير من التجارب الانسانية الكبرى التي مروا بها والتي تمثل جزءاً مهماً من عراقة المنطقة..