المؤرخون والتراثيون والباحثون عن تاريخ مدينة بريدة ونشأتها ورجالها وكل ما يحيط بها من حراك اجتماعي واقتصادي لا يمكن لهم تجاوز «الجردة» السوق الشهيرة التي أطلقت مكنوناتها إلى كل الأنحاء حتى وصل تجارها ورجالها إلى الهند شرقا فضلا عن العراق وبلاد الشام ومصر. ولعل الناظر إلى تاريخ السوق ونشاطها والباحث عن أعماقها لن يعبر دون التطرق إلى رحلات العقيلات إحدى أشهر الأنشطة التاريخية في الجزيرة العربية منذ فجر التاريخ.. إذ توقفت الرحلات مع بدء رحلة النهضة الكبرى في الوطن بعد توحيد المملكة. تدوير التجارة «الجردة» عبارة عن ساحة وملتقى جامع لرجال العقيلات يبيعون فيها ويشترون كافة السلع والمواد والكائنات منها الجمال والخيول التي يهاجرون بها إلى عدد من الأسواق الشهيرة خارج الجزيرة العربية قبل العودة بقوافل محملة بالأنعام والبضائع المختلفة في عملية تدوير تجارية دقيقة ومقننة. وشكل الموقع التاريخي الأثير صفات الإنسان والمكان كما اكتسب منها رجال بريدة بعض صفاتها في الأصالة والمثابرة والنشاط الذي لا يعرف الكلل. وكانت مجالس الجردة ملتقى المسافرين والتجار ومصب العلوم والمعلومات التي يتناقلها الناس وتبادل الثقافات فضلا عن أن المكان ظل طوال تلك الحقب ساحة للعمل. وفيها عمل كل أبناء بريدة فانطلقت أعمالهم منها حتى وصلت الآفاق. وذكر الرحالة أمين الريحاني (كانت بريدة مركزا للتجارة وملتقى يتوافد إليها الباعة من جميع القبائل للبيع والشراء). أرشيف الذكريات مازالت الجردة بعد ما يصل نحو أربعمائة عام أو تزيد تحافظ على أصالتها ووهجها التاريخي وظل ملتقى للتجار والمتسوقين، رغم عوامل الزمن وتبدل الظروف، فالشاهد أن المباني وإن تطورت وأدركتها الحداثة ويد الإصلاح والترميم والصيانة فما زالت بعض دكاكينها ومتاجرها تحتفظ ببعض من عبق الماضي كما أن كبار السن الذين عاصروا السوق الشهيرة ما زال في أرشيف ذكرياتهم بعضا من مواقف الزمن التليد .. ومع ذلك فإن أسى البعض تمدد عندما تحول بعض العمالة الوافدة التي لا تعرف عن السوق وتاريخها إلا اسمها إلى رجال مرحلة برغم أن السوق قاومت كل عوامل الجذب والشد برغم أن بريدة تختزن في جوفها عددا كبيرا من مراكز التسوق الحديثة والمولات الأنيقة.. ومع ذلك فإن سوق الجردة ما زالت في قلب المنافسة بمتاجرها الشعبية البسيطة وسلعها النادرة، إذ تجد النسوة ومباسطهن.. وتحث البائعات الجهات المختصة بفرض حماية على مواقعهن لمنع تعرض سلعهن النادرة للتلف والضياع.