أكثر من يكتب أو يتحدث عن انتشار الفساد يعيد السبب إلى سوء الإدارة، حتى أصبحت عبارة (فتش عن الإدارة) حكمة مسلَّمة في تعليل سبب الفساد وأنها جوهره.. والواقع الذي لا يُجادل حوله عاقل أن جوهر الفساد هو فساد الأخلاق، وأن سوء الإدارة مجرد مظهر لخراب الضمائر وضعف الوازع الديني وانحطاط الأخلاق. إنَّ الأنظمة الإدارية في جميع أنحاء العالم وضِعت لتحقيق الصلاح ومحاربة الفساد - على اختلاف في قوة ووضوح تلك الأنظمة - لكنها بلا استثناء - تجرم الفساد، ولكن حين تسوء النية يستطيع الفاسدون التحايل على الأنظمة بطرق مختلفة، والتعاون فيما بينهم على تحقيق مفاسدهم بشكل يصعب الوصول إليه بالدليل، خاصة أنهم يُكوِّنون (شبكة فساد) تتبادل المعلومات وتتعاون على طمس أدلة الإدانة. الإدارة عمل، والأخلاق نيّة، والنية تسبق العمل وتكيفه (وإنما الأعمال بالنيات) وبالتالي فإن كل أنواع الفساد في القطاع العام والخاص إنما تعود في أصلها إلى فساد الأخلاق وخراب الضمائر وضعف الوازع الديني هنا تتوجه النوايا للحصول على الرشاوي والمكاسب غير المشروعة وتُبنى على ذلك مسارات العمل بما يتوافق مظهرياً مع الأنظمة، ويتوصل فاسدو الأخلاق لتحقيق مصالحهم الشخصية عبر شبكة رهيبة من الفاسدين خُلقياً فيهم من يخطط ومن ينفذ حتى إن أصغر المستفيدين من الفساد يُسمَّى (البيز) وهو الذي يقبض (الرشوة) ليقدمها للفاسدين الكبار الذين احتموا به من حرارة النار الدنيوية مقابل نصيب زهيد. الاختلاس من المال العام أو الخاص (بما في ذلك أموال المساهمين في الشركات) والغش والتدليس والتحايل بكل صوره، كل ذلك إنما يعود للفساد الأخلاقي فهو الأصل والسبب والجوهر وما الفساد الإداري إلا مجرد مظهر ونتيجة، فالمصاب بالسرطان علته الحقيقية هي السرطان نفسه أما شحوب وجهه ونحول جسمه وفقر دمه وضعف قوته فهي مجرد أعراض لمرض السرطان الخطير.. وفساد الأخلاق أخطر من السرطان.