وجّه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ضربة موجعة للأصوات التي تحدثت عن انتهاء فترة حكمه طيلة فترة الستة أشهر التي قضاها في فرنسا للعلاج من جلطته الدماغية العابرة وحتى بعد عودته من هناك على كرسي متحرك. وشكّل التعديل الحكومي الهام الذي أجراه بوتفليقة الأربعاء رسالة واضحة لخصومه الذين شككوا في قدرته على تسيير شؤون البلاد إلى غاية موعد الرئاسيات المقبلة المزمعة أبريل 2014 وللذين انقلبوا عليه ظنا منهم أن الرجل انتهى سياسياً و راحوا يدعّمون مناوئيه ممن لم يخفوا رغبتهم في الترشح للموعد الاستحقاقي المقبل على رأسهم على بن فليس وأحمد بن بيتور وكان ذلك واضحاً من خلال استبعاد وزراء يحسبون على الحزب العتيد "جبهة التحرير الوطني" الذي يترأسه بوتفليقة شرفياً وظل يؤيده طيلة عهداته الرئاسية السابقة لكنه غرق طيلة سنة كاملة في أزمة داخلية حادة على خلفية انقسام قياداته وغالبيتهم وزراء حول تدعيم بوتفليقة من عدمه في الرئاسيات المقبلة، أزمة أخّرت انتخاب أمين عام للحزب لكن الأخير نجح في فرض عمار سعداني أمينا عاما للحزب، وهو رئيس البرلمان سابقا وواحد من رجالاته المخلصين، ممن ترأسوا العام 2009 اللجنة الوطنية لدعم ترشح بوتفليقة. وسبق بوتفليقة التعديل الدستوري بظهوره على شاشة التلفزيون و هو يستقبل كلا من راشد الغنوشي وقايد السبسي كأول مسؤولين أجنبيين يحظيان بلقاء بوتفليقة بعد عودته من فرنسا وكانت الإشارة واضحة بأن الرئيس تعافى وأنه عاد إلى مهامه الرسمية على رأس الدولة وأن الذين شرعوا في الحديث عن مرحلة ما بعد بوتفليقة أخطأوا الحسابات واستبقوا الأحداث. ولعل أهم تحصين يعتقد بوتفليقة أنه ضمن به مروره إلى العهدة الرابعة تعيين الوزير السابق للعدل طيب بلعيز، الذي ينحدر من نفس مسقط رأس بوتفليقة، ولاية تلمسان، على الحدود مع الشقيقة المغرب، وزيرا للداخلية، وكان بوتفليقة أسند قبل ذلك رئاسة المجلس الدستوري، الهيئة الأم التي ترسّم من عدمه نتائج الاستحقاقات، إلى طيب بلعيز، ولم تعبأ الهيئة طيلة غياب بوتفليقة عن الرئاسة، بالأصوات التي كانت تطالبها بتفعيل المادة 88 من الدستور، التي تتحدث عن شغور منصب رئاسة الجمهورية بسبب المرض أو الموت، ويعد بلعيز من الرجالات المخلصين لبوتفليقة، ومعه الوزير الجديد للعدل، الطيب لوح، الذي نقله الرئيس الجزائري من وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي إلى وزارة العدل، وهو قطاع مهم في حسابات الرئاسيات المقبلة يراهن عليه بوتفليقة أيضا للمرور بسلاسة إلى العهدة الرابعة، ومن المرتقب أن يلعب الرجلان دورا مهما في تنظيم اقتراع 2014 بالشكل الذي ترغبه السلطة. وكان الرئيس بوتفليقة فور عودته من فرنسا، أنهى مهام العقيد فوزي رئيس مصلحة الاتصال والنشر التابع لمديرية الاستعلام والأمن (المخابرات) على خلفية سوء تسيير الأخير لملف مرضه إعلاميا، وواصل بوتفليقة سلسلة التغييرات على مستوى نفس الجهاز بإلحاق عدد من المصالح الحيوية التابعة له بوزارة الدفاع التي وضع على رأسها الفريق قايد صالح كنائب لوزير الدفاع، أي لبوتفليقة، وظل قايد صالح من الأوفياء في المؤسسة العسكرية القوية للرئيس الجزائري، وبتعيينه ضمن بوتفليقة صمت الأخيرة. وتتحدث التسريبات عن حركة واسعة سيجريها بوتفليقة مباشرة بعد التعديل الحكومي الجديد تطال سلك الولاة والقضاة والسفراء ولا يمكن فصل هذه الحركة عن حسابات الموعد السياسي القادم.