الحمد لله رب العالمين، الذي كتب الفناء على جميع مخلوقاته، وتفرد بالبقاء الأبدي، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. إن العين لتدمع، وإنا لفراقك يا خادم الحرمين الشريفين لمحزونون. إنه لخطب جلل، ومصيبة عظيمة، أن رزئنا بخادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته - بعد أن أضلنا حكمه قرابة ربع قرن، قاد فيها المسيرة بكل اقتدار، وتحقق لهذه البلاد المباركة من النمو والتقدم والازدهار ما نسأل الله تعالى أن يكتبه في سجل حسناته يوم يلقاه. يحق لنا أن نذرف الدموع حزنا على فقيد الأمتين العربية والإسلامية، خادم الحرمين الشريفين، الوالد القائد، فلقد كان - يرحمه الله - فقيدا غاليا، ورجلا مؤثرا، ليس على المستوى الوطني فحسب، بل حتى على المستوى الاقليمي والعالمي. لقد كان نعم القائد المحنك، والسياسي الواعي، لقد جنب الله تعالى بلادنا بحكمته وحسن تدبيره أخطاراً كبيرة، ومشاكل عظيمة، كادت أن تحيق بمجتمعنا، لولا لطف الله تعالى، وتوفيقه لهذا الملك الموفق. وكان نعم المصلح، والساعي في الخير، والمبادر لمد يد العون لكل المحتاجين، من الأشقاء، والأصدقاء، الذين يتطلعون الى هذه البلاد المباركة؛ لتعينهم على نوائب الدهر، فلا يجدون إلا كل العون والمساندة، والوقفات الشجاعة الواعية. ولقد كان نعم الأب لكل أفراد هذا المجتمع، لم يطرق بابه مظلوم إلا أنصف ولا ملهوف إلا أغيث، ولا مستأمن إلا وجد الأمان والاطمئنان، لقد كان حريصا على ايصال الحقوق لأصحابها دون أن يبحثوا عنها، وعلى إقامة حدود الله في كل أمور المجتمع، وقضاياه، وأحكامه. وكان يرحمه الله نعم الراعي البصير بما يصلح به بلده، وما يحتاجه لنمائه، واستقراره.. لقد شهدت المملكة في عهده - رحمه الله - تطورا شاملا في كل الميادين، السياسية، والدينية، والاجتماعية، والثقافية، والعلمية، والصناعية، والتجارية.. ها هي المملكة العربية السعودية تتبوأ موقع الصدارة في الكثير من القضايا الدولية، ولا يمكن - لأي أحد - تجاهل موقعها المؤثر، سياسيا، واقتصاديا، ودينيا.. ها هي دور العلم بجميع مراحلها للبنين والبنات تنتظم البلد من أطرافه، ولا توجد مدينة، أو قرية، أو هجرة، أو أي تجمع بشري مهما قل عدده، وبعد موقعه، إلا وتتوالى عليه الخدمات اللازمة دون مطالبة أو جهد، ويكفي هذا البلد فخرا العدد الكبير من الجامعات التي افتتحت في عهده الميمون، والتي انتظمت البلاد من أقصاها الى اقصاها، وبكل أنواع التخصصات العلمية التي يحتاجها الوطن في نهضته التنموية الشاملة. وكان رحمه الله نعم الراعي الذي لم يترك أمراً يصلح رعيته، ويرفع مكانتهم إلا بادر لتحقيقه لهم. مهما كلفه ذلك الأمر. لقد كان نعم الراعي، أنزل الناس منازلهم، وأعطى كل إنسان قدره، ولم يقصر في حق أي مواطن، أو مسؤول،.. فللعلماء الفضلاء قدرهم، وللمتخصصين احترام علمهم، وتخصصهم، ولذوي الرأي والحجا تقدير رأيهم ومكانتهم، وللأدباء ورجال الكلمة احترامهم، في تناغم قل أن يشهد له التاريخ مثيلا. رحمك الله يا خادم الحرمين الشريفين، رحمك الله يا فهد بن عبدالعزيز، فقد فقدنا بفقدك أباً رحيماً، وقائداً مسدداً، وعلماً شامخاً، تشرئب الأعناق وهي تتطلع إلى قمتك السامقة. رحمك الله.. فقد أظلنا عهدك سنوات سمان، نعمنا فيها بالخير.. والتقدم.. والاستقرار.. والعيش الكريم حتى ظننا أننا لن نفقدك. ثم تخطفك من بيننا يد المنون، فأصبحنا إذ وقع بنا الخبر مذهولين، غير مصدقين لولا أنها سنة الله في خلقه أجمعين. يا خادم الحرمين.. ها قد وضعت عصى الترحال، وربقة المسؤولية، وأسلمت الروح لباريها، بعد عمر مديد في فعل الخير، وبذل المعروف، والإحسان إلى الناس.. وبعد معاناة مع المرض، لم تنسك هموم أمتك، وتطلعات شعبك، حتى آخر لحظة من لحظات عمرك. عزاؤنا أنك قدمت على رب رحيم، وإله كريم، يحسن وفادة عباده الصالحين، ويغفر ذنوبهم، ويتجاوز عن زلاتهم، ويجازيهم بالصالحات من أعمالهم خيراً وشكورا، ويضاعف لهم المثوبة والأجر. وعزاؤنا في خليفتك، ورفيق دربك، خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي اجتمعت عليه الكلمة، ورضيته الأمة إماما، يكمل مسيرة البناء، وقيادة هذه السفينة الكبيرة، في اجتماع، وتآلف، وثقة، قل أن تتكرر، في تلقائياتها، وانسيابيتها، وهدوئها. إن الكلمات مهما كانت بليغة ومنمقة، لا تستطيع وصف المشاعر المختلطة، في تلك اللحظات العصيبة، بين الحزن على فراقك، والفرح باجتماع الكلمة على أخيك، وخليفتك الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وولي عهده الأميرسلطان بن عبدالعزيز - وفقهما الله لكل خير وأعانهما على حمل المسؤولية، وتحمل الأمانة. اسأل الله - بمنه وكرمه - أن يتقبل منك يا فقيدنا الغالي كل عمل صالح عملته، وأن يكتب لك أجر كل عمل صالح أردت أن تعمله فمنعك منه مانع، وأن يتغمدك بواسع رحمته، ويسكنك فسيح جناته، مع الصادقين الأبرار، وأن يتجاوز عن سيئاتك، ويعفو عنك، ويعلي منزلتك، ويحسن عزاءنا فيك، وخلافتنا من بعدك.. اللهم ياحي، ياقيوم، يا بديع السموات والأرض، إننا خلق من خلقك، أمنا بك وبرسولك، وصدقنا بك، نسألك أن ترفع مقام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، وتعفو عنه وتنزله منازل الصالحين الأبرار، وأن توفق خليفته، وإمامنا من بعده، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير سلطان بن عبدالعزيز لما فيه خير البلاد والعباد، وأن تعينهما، وتسدد خطاهما، فأنت أكرم مسؤول، وأعلى مأمول. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.. ٭ الوكيل المساعد لشؤون الطالبات بوزارة التربية والتعليم