فجأة دخلت العلاقات الخليجية العربية - التركية منعطفاً خطراً وتأثرت بشكل بالغ، على خلفية الأحداث التي شهدتها مصر.. وكانت العلاقات بين الجانبين قد شهدت خلال بضع سنوات ازدهاراً غير مسبوق وتنسيقاً سياسياً عالي المستوى ساهم في ذلك عدة ملفات وحّدت الرؤية العربية والخليجية تحديداً من جهة والتركية من جهة أخرى، وأبرزها ملف القضية الفلسطينية وموقف تركيا الصارم تجاه إسرائيل وتراجع علاقاتها مع إيران ومؤخراً دعم الثورة السورية ضد النظام السوري. وضعت حكومة إردوغان نصب عينيها ضرورة عودة تركيا إلى الحضور الدولي وعدم الاكتفاء بدورها كجسر بين الشرق والغرب على حد قول منظرها السياسي ووزير خارجيتها أحمد داود أوغلو، الذي لا ينتمي إلى النخبة العلمانية التي حكمت لفترات طويلة بل إلى طبقة التكنوقراط الإسلاميين. وسعى حزب العدالة والتنمية إلى جعل السياسية الخارجية التركية أكثر ديناميكية اعتماداً على النماذج الغربية والاميركية، وفتحت أبوابها مع جميع الدول وجيرانها على حد سواء، وألغت كثيراً من الحواجز والاجراءات التي تربطها بعدد من الدول وأهمها سوريا –العدو التاريخي- وذلك قبل اندلاع الثورة. عوامل التأثر ألقت أحداث 30 يونيو/ حزيران في مصر فيما عرف بحركة التمرد بظلالها على السياسات الخارجية للدول المحورية في المنطقة، وشكلت أولويات تلك الدول فرصة لتحريك الأحجار على رقعة الشطرنج. وكانت حكومة إردوغان الممثلة بحزب "العدالة والتنمية" أبرز المتأثرين بهذا الحراك المصري الذي أقصى حليفه الفكري في مصر المتمثل بحزب "الحرية والعدالة" الحاكم والذراع السياسية للإخوان المسلمين. ودفع إردوغان بموقفه الرافض الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي، وعد ما حدث انقلاباً على الشرعية وخرقاً للديموقراطية، واعتبر أن محمد مرسي هو رئيس مصر بالنسبة إليه. واستند إردوغان في احتجاجه على ثقله السياسي وحضوره في الشارع العربي المستمد من رصيد مساندته للقضية الفلسطينية والسورية وعدد من القضايا الإسلامية في بورما والصومال، وكذلك حضوره المؤثر مؤخراً على الساحة الأوروبية والغربية، لا سيما في المجالات الاقتصادية والسياسية ومساندته لمواقف واشنطن مؤخراً في ليبيا وسوريا ودعمها تدخل "الناتو" إذ تعد القوة الثانية في حلف شمال الاطلسي، بالرغم من أن العلاقات مع الجانب الأوروبي تعرضت للارتباك هي الأخرى على خلفية أحداث "جيزي" في اسطنبول. ويرى محللون غربيون أن شراسة الخطاب الإردوغاني في الشأن المصري نابعة من خوفه من أن تنتقل العدوى إلى بلاده كما ذكرت ذلك "كرستيان ساينس مينيتور" الأميركية. إذ يتخذ حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا من الإسلام السياسي منطلقاً له وهو بذلك يجتمع مع حركات أخرى لها ذات التوجه تحكم في مصر وتونس والمغرب. ويتفق مع ذلك رؤية مسؤول رفيع في حزب "العدالة والتنمية" يرى أن الحزب التركي يتمتع بعلاقات وثيقة مع الإخوان المسلمين، وبالتالي فهو ينظر للانقلاب العسكري وكأنه حدث ضده، وبالتالي فإن تركيا هي الخاسرة من أحداث القاهرة، كما أن التغيير في مصر سيكون بداية لاضمحلال النفوذ التركي في الشرق الاوسط وسيخفف من شهوة تركيا المنفتحة عربيا. إلا أن البعض يرى أن الحكومة التركية محصنة من هكذا تداعيات كبيرة بفضل المنجزات الاقتصادية الكبيرة التي حققتها خلال عقد من الزمن، ودليل ذلك تجاوز احتجاجات "جيزي" التي استطاعت القوات الامنية التركية قمّعها، بالرغم من الضغوط والانتقادات الغربية والاميركية الكبيرة على استخدام العنف ضد التظاهرات التي وصفها إردوغان من يقف ورائها ب"لوبي الربا العالمي". التأثيرات المحتملة سياسياً يُخشى أن تؤدي الخلافات التي تعصف بالمنطقة وتحديداً بين الدول الخليجية من جهة وتركيا من جهة أخرى، إلى التأثير على ملفات مهمة يمكن أن يؤدي ضعف التنسيق البيني فيها إلى تراجع كبير، وأبرز تلك الملفات الملف السوري، إذ وصل التنسيق السعودي – التركي إلى أعلى مستوياته مع دخول الثورة السورية عامها الثاني، ونجح البلدان اللذان يحتل كلٌ منهما ثقلاً كبيراً في الساحة الدولية في دعم الائتلاف السوري والجيش الحر مادياً ومعنوياً والانطلاق به إلى المحافل العالمية وانتزاع اعتراف المجتمع الدولي به كممثل شرعي. ويظل هذا الملف المعّقد محوراً مهماً لعلاقات الكتلتين بكثير من البلدان الشرق أوسطية لا سيما العراق وإيران اللتان لا تربطهما علاقات جيدة مع تركيا ودول الخليج. ويرى الدكتور عبدالله الشمري الباحث في الشؤون التركية أن الاختلاف على الموقف في مصر سيخيم على مستقبل علاقات تركيا مع دول الخليج. ويضيف الشمري أن دول الخليج في البداية تفهمت الموقف التركي لكن استمرار تركيا في النقد اليومي جعلها في موقف المحرض وبلا شك فالعلاقات المستقبلية ستكون غير واعدة. اقتصادياً شهدت الأعوام السابقة حالة من الانتعاش الاقتصادي بين دول الخليج بشكل عام وتركيا، أدت إلى إبرام صفقات تجارية ضخمة، وتعاون في عدة مجالات تجارية وعقارية وانتعاش الموسم السياحي كذلك في تركيا، وتسيير عشرات الرحلات الجوية أسبوعياً من الخليج نحو تركيا، وكل ذلك خلق نحو من التواصل هو في حد ذاته أكثر عمقاً من أي تواصل رسمي، وبالتالي فإن أي حالة من الارتباك السياسي ستؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد، ولعل بوادر هذا التأثر بدت تلوح في الأفق، إذ ذكرت مصادر أن مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي طلب من البنوك التجارية في البلاد إمداده بتفاصيل انكشافها على الاقتصاد التركي. المسار المحتمل للسياسة الخارجية التركية باتت نظرية وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو "تصفير المشاكل" مع دول الجوار في مهب التحولات التي عصفت بالمنطقة، وأصبحت من الماضي، فعلاقاتها مع دول الجوار الشرق أوسطية مثل سوريا وايران والعراق ودول الخليج تحديداً تحتاج إلى إنعاش عاجل ينقذها من الدخول في فترة الجمود والفتور التي مرت بها العلاقات التركية – العربية فترة الحكومات العلمانية التي رأت في تركيا بلداً أوروبياً بامتياز لاعلاقة له بالشرق، وهو أمر لا تحبذه أنقرة التي أصبحت لاعباً رئيسياً في المشهد الدولي بفضل تحركاتها في المنطقة العربية ولعب دور الوسيط الذي يمكن الوثوق به في كثير من القضايا، حتى إنها في فترة سابقة لعبت دور الوسيط في المفاوضات السرية بين إسرائيل وسوريا. ويحتمل أن تنشط الدبلوماسية التركية في الايام المقبلة وتحديداً في المسار الخليجي والعربي على حد سواء من أجل تخفيف الاحتقان الناشئ عن الأوضاع في مصر، وما صاحبها من تراشق إعلامي وغمز دبلوماسي، على أمل من أن يؤدي ذلك إلى انفراجة، وكل ذلك يمكن القول بأنه مرهون بالموقف تجاه مصر.