لاشك ان الاحساس بالعيد شعور جميل ينتابنا جميعا ولكن للاطفال يبقي مذاقا خاصا قد لا يتكرر كثيرا. فكل مرحلة يعبرونها مع ذلك الاحساس تتلون معها مفاهيمهم لدرجة من الممكن ان يتحول الشعور النقي في وجدانهم إلى حقائق يختارون التعلق بها عبر سنوات نضجهم. وحينما يكبرون ويكتشفون كم كانت نفوسهم الغضة شفافة في التقاطها وتفاعلها، قد يتمسكون بذلك الشعور او يهربون إليه كلما داهمتهم صور الحياة بإخفاقاتها غير المتوقعة. " هل كنت طفلا هادئا استحق تلك المفاجآت المدوية حينما كنت في الرابعة من عمري؟ يتساءل احدهم من محيطي وقد تجاوز منتصف الثلاثينات الآن. هو يختار في صيغة سؤاله ان ينسي ظروف طلاق والديه وما صاحب ذلك من معاناة لمن هو في عمره. ولكنني اتذكر كيف احتضنه قريب وزوجته لفترة ما وكيف حاولا تعويضه خاصة وانه لم يكن لديهم اطفالا. وكانت تمر بعض المناسبات او المشاوير فتنفلت رغبات الصغير الطفولية ويهتف بانه يريد تلك اللعبة او العربة او غيرها من المشوقات وكان يقال له ليس الان اصبر قليلا ولم يكن الصغير يفهم حينها فيشكوهم للجميع، وكيف ان لا احد يريد شراء لعبة يريدها. غير ان الواقع كان غير ذلك بالطبع، فقد قرر القريب الراعي ان يجمع كل الالعاب التي اختارها الطفل، الغالي والرخيص منها، وينثرها في غرفة الصغير عندما يخلد إلى النوم ذات مساء. وفي صباح اليوم التالي وقد كان عيدا مميزا بالفعل استيقظ الصغير ليرى كل الاشياء التي حلم بها وتمنى ان يقتنيها في ارجاء الغرفة!! وقد قيل بان عيناه دمعت واخذ يصرخ بين الالعاب وهو يكاد ان يطير من الفرح ولا يصدق ما يحدث. ومضى زمن ليس بالقصير وهو يتنقل بين لعبة واخرى يكلمهن ويركض معهن ولا يلتفت لأي احد او شيء. الان يتذكر ويبتسم ويصارحنا بانه شعور الانبهار بالمفاجأة لم يخفت بل يكمن في وجدانه تماما و مازال يتذكر ويضحك كيف كان يشكو اقاربه.. وفي تقديري الخاص ارى ان تجربة الفرح غير المتوقع قد تتوهج في تكرارها مرة ثانية ولن ادهش ان عرفت انه فاجأ صغاره بنفس الحدث ذات عيد جميل. ومنذ ايام شاهدت مقطع فيديو صغيرا بنفس الملامح ولكن بظروف مختلفة.احدهم يعود للبيت ومعه كيس يحتوي على لعبة وي Wii وطفل ربما في الثامنة ينتظر. يبدو ان الام تقوم بالتصوير فنرى وجه الطفل الصغير وهو يغيب فيما يشبه الصدمة عندما يرى اللعبة فيسجد وراء الكنبة ثم يصيح باكيا بشكل هستيري وهو يفتحها يحتضن ابيه ثم يعود للعبة ويبدأ بضيق في التنفس من فرط الانفعال فنتأثر لاحساسه ولاشك ان اهله ايضا لم يتوقعوا كل هذا التفاعل. هذه مشاهد قد تبدو لنا مثل حكايات مسلية احيانا ولكنها في وقعها وتأثيرها تجسد مشاعر الصغار وتلون مفاهيمهم وقد يبقى احساس العيد ماثلا في وجدانهم لسنوات آتية.