يجتهد الكثير من الآباء والأمهات لإدخال البهجة في نفوس أبنائهم والتي يعتبر أهمها لدى الصغار اقتناء ما يحلو لهم من الألعاب التي أصبحت تشكل عالماً خاصاً له قنواته ومطبوعاته ومدن خاصة به وتوجهاته.. انه عالم من الصعب حصره وبالرغم من أن الهدية أو اللعبة التي تقدم للطفل فقدت حجم بريقها الذي كان يصف الآباء روعته في نفوسهم، حيث لم يعد تقديم تلك الهدية مرتبطا بمناسبة معينة، إلا أنها تبقى مصدر بهجة وفرحة للأبناء في مختلف مراحلهم العمرية لمعرفة ما يشكله اللعب لدى الأطفال من أهمية نفسية وتربوية ومعرفية قامت "الرياض" برصد بعض آراء الاختصاصيين في هذا المجال ولكن دعونا أولاً نستطلع آراء الأمهات والآباء حول ماهية الهدية وكيف يتم اختيارها. وفق الميزانية تقول السيدة بدرية المطرفي وهي أم لأربعة أطفال "بصراحة في كل مناسبة أذهب بصغاري إلى أحد المحلات الكبرى لشراء الألعاب شرط أن لا يتجاوز الوضع الميزانية المعدة لذلك لأن محلات الألعاب وخاصة المعروفة تعتبر استنزافا لجيوبنا وغالباً ما أبقى خلف صغاري بانتظار اختياراتهم وعادة ما اتبع هذه الطريقة مع أطفالي الذين تجاوزوا الرابعة من العمر والذين لا أستطيع أن أفرض عليهم لعبة معينة.. وإن كانت مفيدة ..لأن جيل اليوم مختلف!!". بينما ترى السيدة مها نور الدين وهي أم لأربعة أطفال أن مسألة اختيار ألعاب الأطفال مسألة خرجت عن السيطرة في ظل وجود قنوات فضائية مختصة في بث أنواع وأشكال من الألعاب التي تحلق بأطفالنا إلى عالم خيالي فيه كل ما يحلمون به وأضافت قائلة: "هناك منازل وغرف جاهزة ومطابخ وسيارات وطائرات قريبة من الواقع كل ذلك في رأيي الشخصي تقتل الإبداع لدى الطفل لأنها تؤمن له واقعاً لا يحتاج معه للاختراع والإبداع فعلى سبيل المثال كنا في الماضي نصنع الدمى بأنفسنا ونخترع لها الملابس والملامح وكذلك الذكور يصنعون من الأخشاب والكراتين سياراتهم ومساكنهم وطائراتهم.. انتهى ذلك الزمن وانتهت معه إبداعات الصغار.. هذا رأيي الشخصي ولا أعلم إن كان صحيحاً أم لا". ويعتبر السيد متعب الشمري أن عصر الألعاب الحركية والتركيبية التي تحث العقل على التفكير والإبداع قد انتهى في ظل وجود الألعاب الالكترونية التي سيطرت على عقول الأطفال ورفعت نسبة السمنة والعنف لديهم بصورة ملحوظة والسبب أننا لا نبتكر، وإنما نعتمد على ما ابتكره الآخرون لنا فتلك الأشرطة الممغنطة نشتريها ولا نعلم ما تحويه من أهداف وتوجهات بعضها يمس للأسف عقيدتنا دون أن نشعر.. هذا الوضع محزن للغاية في ظل عدم وجود بدائل محلية مناسبة من رياضة وملتقيات ترفيهية مناسبة وغيرها. ويتابع "في الواقع منذ سنتين لم أشتر لأطفالي غير تلك الأقراص الحاسوبية وبإلحاح شديد منهم". يؤيده في الرأي السيد مازن الدوسي ويضيف "بيوتنا مليئة بالألعاب التي تحولت إلى خردة بسبب عدم اهتمام وتقدير الطفل لممتلكاته وأنا أتحدث عن أوضاع الكثير ممن أعرفهم ويشتكون من نفس المعاناة.. أطفالنا لا يقدرون قيمة تلك الألعاب وبعد يومين من شرائها نجدها ملقاة على الأرض فلماذا أتعب نفسي باختيار لعبة أعرف أن عمرها الافتراضي لن يتعدى ساعات"!؟ أما السيد سعيد الأمين فهو أب لثلاثة أطفال يقول: "أنا أهتم كثيرا بشراء الألعاب التي تناسب عمر الصغار ويكون ذلك عادة مدوناً على الكرتون الخارجي للعبة وغير ذلك أدع الطفل يختار ما يشاء ولا اسمح بهذه الجولة إلا في الأعياد ونهاية العام الدراسي". وترى السيدة عائشة حسن (أم عمر) أن أطفالنا لا يجدون أي متعة بالألعاب المفيدة وتقول: "جربت بنفسي ذلك فقد اقتنيت لأبنائي مجموعة حلوة من الألعاب المفيدة والتي تحوي معلومات ومهارات، ولكن سرعان ما أعلنوا مللهم منها لذلك يختارون ما يشاؤون من الألعاب حتى لا أوقع نفسي في متاهة أنني اخترت لهم مالا يرغبون وأهم ما في الموضوع لدي أن يقضوا وقتا ممتعا بعيدا عن إزعاجي". والآن دعوني نطرح ما توصل إليه علماء النفس والاجتماع والتربية حول هذا الموضوع فكيف يرون العلماء ممارسة اللعب لدى الأطفال؟ مصطلحات يعرف اللعب في قاموس التربية أنه نشاط موجه (directed) أو غير موجه (free) يقوم به الأطفال من أجل تحقيق المتعة والتسلية ويستغله الكبار عادة ليسهم في تنمية سلوكهم وشخصياتهم بأبعادها المختلفة العقلية والجسمية والوجدانية، أما العالم النفسي شابلن (chaplin) فيعتبره نشاطا يمارسه الناس أفراداً أو جماعات بقصد الاستمتاع ودون أي دافع آخر ويعرفه آخرون على أنه استغلال طاقة الجسم الحركية في جلب المتعة النفسية للفرد ولا يتم اللعب دون طاقة ذهنية أيضاً وهو مظهر من مظاهر نشاط ليس الطفل وحده بل جميع البشر، أما الباحثة التربوية كاترين تايلور فتعتبره أنفاس الحياة بالنسبة للطفل وأنه حياته وليس مجرد طريقة لتمضية الوقت وإشغال الذات وتقول: "اللعب للطفل هو كالتربية والاستكشاف والتعبير الذاتي والترويح والعمل للكبار". البداية يبدأ الطفل بإشباع حاجاته عن طريق اللعب، حيث تتفتح أمام الطفل أبعاد العلاقات الاجتماعية القائمة بين الناس ويدرك أن الإسهام في أي نشاط يتطلب من الشخص معرفة حقوقه وواجباته وهذا ما يعكسه في نشاط لعبه؛ ويتعلم الطفل عن طريق اللعب الجماعي تمشياً مع الجماعة وتنسيقاً لسلوكه مع الأدوار المتبادلة فيها؛ واللعب مدخل أساسي لنمو الطفل عقلياً ومعرفياً وليس لنموه اجتماعياً وانفعالياً فقط؛ ففي اللعب يبدأ الطفل في تعرف الأشياء وتصنيفها ويتعلم مفاهيمها ويعمم فيما بينها على أساس لغوي؛ وهنا يؤدي نشاط اللعب دوراً كبيراً في النمو اللغوي للطفل وفي تكوين مهارات الاتصال لديه واللعب لا يختص بالطفولة فقط فهو يلازم أشد الناس وقاراً ويكاد يكون موجوداً في كل نشاط أو فاعلية يؤديها الفرد يقول الدكتور فولكييه "لا يزول اللعب بزوال الطفولة فالراشد نفسه لا يمكن أن يقوم بفاعلية هائلة إلا إذا اشتغل وكأنه يلعب" ولاختيار الألعاب المناسبة لعمر ومهارة الطفل تأثير كبير على انجازاته لأعماله مستقبلاً هذا ما أكدته الأخصائية النفسية الإكلينيكية الأستاذة هند الغصن مشددة على أهمية أن يتعلم الطفل انتقاء الأدوات والوسائل والمواد المناسبة لعمل وهدف معينين وأن يتمكن من تحديد الأدوات واستخدامها بتتابع دقيق. وتستطرد قائلة: "العمل ضمن اللعب يعد مجالاً لتنمية الإرادة عند الأطفال، حيث يقوم الطفل بتحديد مواقف العمل ويخطط لتحقيق الأهداف المرجوة ويحاول التغلب على الصعوبات والمعوقات التي تعترضه؛ ومن خلال العمل تترسخ معالم النمو الاجتماعي والعاطفي للطفل وهكذا نجد أن العمل المنظم تربوياً ينطوي على إمكانات هائلة للنمو المتكامل للطفل بما في ذلك حركاته وإحساسات ذاكرته وانتباهه وتفكيره؛ وفي نشاط العمل تتوفر إمكانات كبيرة لنمو السلوك الهادف والمثابرة والإرادة والمشاعر الإنسانية الراقية". اختيار الألعاب تفيد الأخصائية هند أن في مسألة انتقاء الألعاب فإن الأطفال العاديين أو ذوي المستويات الأعلى في الذكاء يظهرون تفضيلاً لمواد اللعب التي تعتمد إلى حد كبير على النشاط التركيبي البنائي بنسبة أعلى من الأطفال ذوي العقول الضعيفة كما يهتم الأطفال العاديون والأذكياء بمواد لعبهم التي يختارونها فترة أطول وأكثر ثباتاً من أولئك ضعاف العقول.. كما أن النابهين يميلون إلى الألعاب الرياضية ويكون ميلهم أكثر إلى الألعاب العقلية وهم يستمتعون بالأشياء جميعها وتتكون لديهم هوايات مختلفة أكثر من الأطفال الآخرين.. ويبدو عامل الذكاء عند الأطفال في القراءة خاصة؛ فالميل المبكر إلى القراءة والقدرة على القراءة يتجليان عند الأطفال ذوي النسب العالية من الذكاء؛ فيقضي الأطفال الأذكياء في كل مرحلة عمرية وقتاً أكبر في القراءة كما تنصب اهتماماتهم القرائية على أنواع معينة فيستمتع الأطفال الموهوبون بقراءة القواميس والموسوعات والعلم والتاريخ والأدب ولا يبدون اهتماماً بالحكايات الخرافية مع أنهم يفضلون الروايات البوليسية على قصص المغامرات العنيفة وقد أظهرت الدراسات أن للطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الطفل أثراً في نوع الكتب التي يقرؤها وفي الأفلام التي يراها والنوادي التي يرتادها فالأطفال الأغنياء يمارسون ألعاباً ذات طابع حضاري كالموسيقى والفن والرحلات والمعسكرات في حين نجد أن الأطفال الفقراء ينفقون وقتاً أعظم في مشاهدة برامج التلفزيون أو اللعب خارج المنزل. وتتابع "ومن الملاحظ أيضاً أن الطفل يتغلب على مخاوفه عن طريق اللعب فالطفل الذي يخاف أطباء الأسنان يكثر من الألعاب التي يمثل فيها دور طبيب أسنان إذ أن تكرار الموقف الذي يسبب الخوف من شأنه أن يجعل الفرد يألفه؛ والمألوف لا يخيفنا لأننا نتصرف حياله التصرف المناسب ولدينا متسع من الوقت لهذا التصرف بخلاف غير المألوف والأطفال الذين يخافون من الأطباء يعطون لعبة تمثل المريض وسماعة ليفحصوا بها وليمثلوا دور الطبيب بأنفسهم، وبذلك يستطيعون التغلب على مخاوفهم من الأطباء بوساطة ألعابهم". اللعب علاج ناجح تعرض الأستاذة الغصن مثالاً واقعياً على دور اللعب في حل بعض المشاكل النفسية لدى الطفل فتقول: "أحياناً يكون اللعب مسرحاً يمثل عليه الطفل متاعبه النفسية بشكل رمزي.. طفل في منتصف الثانية من عمره كانت أمه تتركه وحده فترات طويلة فكانت لعبته المحببة هي أن يمسك ببكرة يوجد عليها خيط فيرمي بها تحت السرير حتى تختفي.. وهنا يصيح منزعجاً ثم يجذبها فيفرح بعودتها مرحباً بظهورها؛ فالطفل في لعبته المذكورة يمثل رمزياً المأساة والأحزان التي يعاني منها ويصور بسلوكه هذا خبرة مؤلمة يكابدها هي مأساة اختفاء أمه وعودتها وبذلك كان يخفف من القلق الذي ينتابه ..لذلك تنبه العلماء إلى مسألة التحليلات النفسية لعملية اللعب حيث ترجع نظرية مدرسة التحليل النفسي إلى عهد الفيلسوف اليوناني المشهور أرسطو الذي كان يرى أن وظيفة التمثيليات المحزنة هي مساعدة المشاهدين على تفريغ أحزانهم من خلال مشاهدة ما فيها من أحداث ووقائع ومن الواضح أن هذه النظرية لا تكفي لتفسير اللعب فليس مقبولاً أن تكون وظيفة اللعب مقصورة على مجرد التنفيس، وإنما هناك العديد من العوامل". وتتابع "وقد استخدمت ميلاني كلين الدمى المصغرة في اللعب الإسقاطي وكانت هذه الدمى تمثل في غالبية الأحيان أشخاص الأسرة ويمكن أن يلعب الطفل بطريقة تظهر أن وحدات تلك الشخصيات تمثل مجموعة من الناس ربما كانوا من أسرة الطفل ففي هذه الحال قد يوافق الطفل أو ينكر ما يقوله له المحلل النفسي أو قد يستمر في اللعب فإذا كانت الموافقة مصحوبة بقلق شديد حيال التفسير الذي يقترحه المحلل فقد يحتمل أن تتعارض هذه الموافقة مع تفسير المحلل تماماً تعبيراً عن موقف الإنكار من جانب الطفل وعلى أية حال يجب أن نضع في حسابنا أسلوب الطفل المعتاد لردود الأفعال وإن هذه البدايات في علاج الأطفال المضطربين نفسياً كانت تشير إلى بداية ما عرف فيما بعد بالعلاج عن طريق اللعب وفي استخدام الفن طريقة علاجية يقوم المعالج بتفسير الرسوم والصور كما هو الحال في تفسير اللعب بالعرائس كما تستخدم الرسوم والصور للتعبير عن الشعور وتعد وسيلة علاجية ناجحة، حيث يجب أن يعرف المعالج دوره والمدى الذي يشارك فيه الوالدان في العلاج وتغيير بيئة الطفل وفهم وظيفة اللعب في هذا العلاج". الألعاب الرياضية تؤكد الأخصائية هند في ختام حديثها على أهمية الألعاب الترويحية والرياضية فتقول: "هذه الألعاب لا تبعث على البهجة في نفس الطفل فحسب بل إنها ذات قيمة كبيرة في التنشئة الاجتماعية فمن خلالها يتعلم الطفل الانسجام مع الآخرين وكيفية التعاون معهم في الأنشطة المختلفة ويؤكد الدكتور على قيمة هذه الأنشطة في تنشئة الطفل وفقاً لمعايير الصحة النفسية فيعتبر أن هذه الأنشطة تتحدى الطفل لكي يُنمي مهارة؛ أو يُكوّن عادة وفي سياقها يستثار بالنصر ويبذل جهداً أكبر وحينما لا يشترك الناس في صباهم في ألعاب رياضية فإنهم يحصلون على تقديرات منخفضة وفقاً لمقاييس التكيف الاجتماعي والانفعالي للناجحين فمثل هؤلاء الأشخاص كثيراً ما يتزعمون الشغب ويثيرون المتاعب لأنه لم تكن لديهم الفرصة لأن يتعلموا كيف يكسبون بتواضع أو يخسرون بشرف وبروح طيبة أو يتحملون التعب الجسمي في سبيل تحقيق الهدف وباختصار فإن أشخاصاً كهؤلاء لا يحظون بميزة تعلم نظام الروح الرياضية الطيبة وهي لازمة للغاية لحياة سعيدة عند الكبار ..وفي الواقع أن الألعاب الرياضية تحقق فوائد ملموسة فيما يتعلق بتعلم المهارات الحركية والاتزان الحركي والفاعلية الجسمية لا تقتصر على مظاهر النمو الجسمي السليم فقط بل تنعكس أيضاً على تنشيط الأداء العقلي وعلى الشخصية بمجملها فقد بينت بعض الدراسات وجود علاقة إيجابية بين ارتفاع الذكاء والنمو الجسمي السليم لدى الأطفال منذ الطفولة المبكرة وحتى نهاية المراهقة". تقول الأخصائية هند الغصن "نستطيع أن نلمس الأهمية النفسية للعب وأدوات اللعب التي من خلالها دراسة سلوك الطفل عن طريق ملاحظته أثناء اللعب، وبالتالي يستطيع الأخصائي النفسي أن يشخص مشكلاته وعلاجها ... حيث أصبحت العيادات النفسية تخصص حجرات خاصة للعب تضم ألعاب متنوعة الشكل والحجم والموضوع وتمثل الأشخاص والأشياء الهامة في حياة الأطفال والتي توجد في مجالهم السلوكي". كيف يكون ذلك؟ يتفق الباحثون للإجابة على هذا السؤال أنه عليك أن تجعل من نفسك طفلا مثل ابنك وأن تبتعد أثناء اللعب معه عن التسلط ولعب دور الشرطي أو المعلم، وبذلك يستطيع الطفل أن يعبر عما في نفسه فتنشأ بينك وبين طفلك علاقة فريدة تلاحظ من خلالها مدى تطوره فتعزز ذلك التطور أو تتدخل حينما تجد خللا أو قصورا للتقويم والعلاج.