حين زرت الصين عام 2011 شاهدت ما لم أقرأ عنه، وما صعب علي إدراكه في الكتب.. أذكر مثلا أنني حضرت حفل عشاء في فندق شنجريلا في مدينة جوانزو حضره مجموعة من رجال الأعمال والسفر.. وأذكر أننا جلسنا حول طاولة مستديرة وضخمة بحيث بدا الجميع متساوين في الأهمية والمكانة الاجتماعية بما في ذلك بعض المسؤولين الصينيين.. وحينها جلس بقربي رجل أعمال يدعى عبد الحكيم تميز بجسده البدين وكرشه العظيم.. وبعد ساعة من الحديث وتناول المقبلات قلت مازحا: هل لاحظتم أن البنات (اللاتي يقمن بخدمتنا) يبدأن دائما بالاستاذ عبد الحكيم؟ ماذا نفهم من هذا؟.. ضحك دون أن يقول شيئا، في حين افترض البقية أنها مجرد صدفة غير مقصودة.. قلت: حسنا سننتظر الطبق التالي ونرى بمن يبدأن أولا؟.. وبالفعل بدأت الفتاة بخدمة السيد عبد الحكيم الذي استمر في الضحك دون أن يعلق في حين مال الحضور لتصديقي.. وحين حضر الطبق الأخير أصبح الأمر مؤكدا كونهم بدأوا به مجددا وهذه المرة ضحك الجميع في حين قال هو: أنا أعرف السر كوني زرت الصين تسع مرات حتى الآن؛ فأنا أكثركم بدانة وأكبركم كرشا الأمر الذي يحترمه الصينيون ويقدرونه كثيرا.. وأكمل قائلا: وحين تكون الطاولة مستديرة (بحيث لا يبدو عليها رئيس أو شخصية بارزة) يبدأون تلقائيا بصاحب الكرش الكبيرة!! .. وحين شكك البعض في هذا الادعاء قال بابتسامة: اسألوا أحد هؤلاء (وأشار الى ضيوفنا الصينيين) فترجمت خلافنا إليهم: فضحكوا بدورهم وأكدوا كلامه وأضاف أحدهم: ولهذا السبب تصنع تماثيل بوذا بهيئة رجل بدين يملك كرشا كبيرة!! ... على أي حال؛ احترام الصينيين للكرش الكبيرة ليس أمرا استثنائيا كونها (كانت) من علامات الوجاهة والنعمة في مجتمعات كثيرة.. فكلما زادت كرش الرجل كلما دل ذلك على مكانته العالية ومظاهر الترف التي يعيشها.. وأيام الدولة العثمانية كان من التملق سؤال الوجهاء "كيف كرشكم دام عزكم؟".. وكانت المرأة حين تريد إقناع ابنتها بالزواج من احد الأثرياء تلفت نظرها إلى كبر كرشه واحتمال أن يصبح أبناؤه "مكرشين" مثله! أما بالنسبة للمرأة فرغم أن الكرش لم يكن يشير لذات المنزلة إلا أن السمنة عموما كانت من علامات الجمال لدى العرب وكان المهر يحدد بطول الخيط الملتف حول عضدها!! ومن الملاحظات العجيبة أن هناك شعوبا لها قابلية لظهور الكرش أكثر من غيرها، فالشعوب العربية واللاتينية مثلا لديها استعداد أكبر لظهور الكرش وتركز الدهون حول الخصر. وفي المقابل يلاحظ أن الشعوب الاسكندنافية وسكان القارة الهندية يتميزون بضمور البطن والقامة المشدودة. وهذا يعني – من جهة أخرى – أن الكرش يمكن أن تؤخذ مقياسا لمستوى المعيشة ومعيار اللياقة السائدين في أي مجتمع؛ فحتى وقت قريب مثلا كان الرجال في جزيرة العرب يضرب بهم المثل في نحافة الخصر ورشاقة القد ولكن بسرعة تغيرت الأحوال فزادت الأوزان وتقدمت الكروش وتحولت "أغصان البان" إلى براميل شحم متحركة!! ... وبطبيعة الحال تغيرت الأفكار هذه الأيام وأصبحت البدانة دليل ثقل وانعدام لياقة وغدت الكرش خطيرة من الناحية الصحية (خصوصا حين تتشكل كحزام يضغط على القلب والأعضاء الداخلية بصرف النظر عن مستوى البدانة ذاتها).. ... وقبل أن تسأل مواطنا من الصين؛ اسأل نفسك "كيف كرشكم بنهاية رمضان؟" ثم اذهب لجوجل وابحث فيه عن "سعوديون يعانون من السمنة؟".