بقيت «لمياء» تصرخ وتبكي بانهيار شديد فوق سريرها الذي كان يهتز بفعل جسدها الثقيل الممتلئ، فيما بقيت والدتها تقبض على يديها بتعاطف وتكتم دموعها التي بدت واضحة في عينيها وتمسح على خصل شعرها تطلب منها بحنان كبير أن تتوقف عن البكاء وتهدأ، إلا أن «لمياء» ابنة الخامسة عشر ربيعاً ظلت تبكي وتصرخ مرددة «لا أريد أن أذهب إلى هذه المدرسة مرة أخرى، ولا أريد أن ألتقي بأصحابي الحمقى.. لا أريد أن أعيش.. اتركوني لوحدي»، فيما بقيت الأم تتوسل إليها أن تهدأ دون جدوى. «لمياء» فتاة يصل وزنها إلى 100 كيلو غرام؛ وقد حاولت كثيراً أن تقلل من طعامها وأن تبذل حركة أكثر، إلا أنها لم تستطع أن تحقق نجاحاً كبيراً؛ تلك الزيادة في الوزن أوقعتها في الحرج والهجوم من قبل محيط أسرتها وكذلك صديقاتها وبعض تعليقات معلماتها على وزنها الكبير؛ حتى أصبحت تنظر للحياة بنظرة سوداوية، ففي السيارة يطلب منها والدها أن تكون أول من يجلس في المقعد الخلفي حتى لا تزاحم شقيقاتها، وفي مدينة الألعاب تتردد والدتها أن تدعها تلعب في المقاعد الطائرة خشيت أن تقع بفعل وزنها الكبير، وكذلك في السوق لا يجدن خيارات كثيرة لها بفعل المقاسات الصغيرة. حرمان وظيفي وعلى الرغم من أن السمنة أمر بالغ الخطورة على الصحة، إلا أن المقاعد في الفرص الحياتية لأصحاب الأوزان الكبيرة قليلة سواءً كان في المجال الوظيفي أو الترفيهي أو الجمالي أو ربما في الزواج دون النظر إلى أهمية النظر لمثل هؤلاء بالإنسانية المطلقة. ذلك ماتقوله «سبيكة خليفة» التي يصل وزنها إلى 110 كيلوغرامات والتي تخرجت من الجامعة وانطلقت بحكم تخصصها في علم الاجتماع في البحث عن وظيفة في بعض المستشفيات والقطاعات الحكومية، إلا أن القطاعات الخاصة حينما تجري لها مقابلة تلمح إليها بأن الرشاقة مطلب في الوظيفة حتى يكون هناك قبول من قبل العميلات للحديث معها، موضحة «سبيكة» بأنه على بعض قطاعات العمل الفصل بين الإمكانيات العلمية والخبرات وبين الشكل الظاهري؛ خاصة حينما تكون الفتاة تعرف كيف تتأنق بما يتناسب مع المقاييس العامة وليس كما يجب أن يكون الوزن، متحدثة عن تجربتها في التقديم على وظيفة في إحدى المدارس الأهلية والتي قامت مديرة المدرسة بالنظر إليها بسخرية ثم علقت «هل بمقدورك التنقل بين الفصول بسرعة وخفة بهذا الوزن؟»، ما سبب لها إحباطا كبيرا وحرجا أكبر مطالبة باحترام المجتمع لإنسانية البدين بعيداً عن مواصفاته الجمالية. نظرة قاسية.. وتسرد «نجلاء سليمان» حكايتها مع السمنة وعدم قبول المجتمع لها من واقع تجربتها في التقديم على وظيفة في أحد المشاغل النسائية، حيث تعتبر من الفتيات الممتلئات دون زيادة مفرطة في السمنة؛ وحينما تقدمت إلى وظيفة موظفة استقبال في أحد المشاغل وقد كانت متحدثة جيدة وبإمكانيات علمية جيدة؛ أوضحت لها صاحبة المشغل بأنه ينقصها أهم شرط وهي أن تكون رشيقة حتى تستطيع أن ترتدي الثياب الجميلة التي تشجع النساء على التردد على المشغل، مشيرة «نجلاء» إلى أن المجتمع يظلم كثيراً البدينة وكأنها كائن لا يستحق أن يمنح الفرص الجيدة في الحياة؛ فالثياب الجميلة تباع في الأسواق للرشيقات؛ فالبائع حينما تدخل المحل قبل أن تسأل عن سعر السلعة يسارع بإخبارها بأنه لا يوجد مقاسها، وكذلك بعض الأماكن الترفيهية أو بعض المواصلات كالحافلات وكذلك الطائرات يصنعون المقاعد بمقاسات صغيرة وكأن «الإنسان البدين» محذوف من خارطة الاهتمامات، مشيرة إلى أن ابن عمها الذي يتصف بوزن زائد وحينما يسافر يحرج كثيراً من المقعد الصغير والحزام القصير الذي لابد أن يربطه للأمان!. سمينة وحساسة! في حين لم تعلق كثيرا «سارة» على الموضوع واكتفت بقولها «السمينة لا ينظر إليها على أنها أنثى تستحق المراعاة؛ فحينما بكيت يوماً بسبب مشادة بيني وبين زوجي علق زوجي بقوله: سمينه وحساسة كيف تجي»؛ وكأن البدينة كائن لابد ألا يتصف بالمشاعر المرهفة!. مشروع خطبة فاشل وترى «أم عادل» بأن السمنة أمر غير صحي، ولابد من مهاجمته؛ لكن ذلك الهجوم لابد أن يكون على المستوى الغذائي وليس على المستوى الشخصي فتعاني من ابنها البدين والذي يبلغ من العمر التاسعة، إلا أنه يتعرض لسخرية الدائمة من قبل زملائه في المدرسة خاصة في حصة الرياضة؛ حتى أن ابنها بدأ يكره المدرسة، وبدأ يكره الخروج، وكذلك ابنتها التي خطبت لمرتين على التوالي، إلا أنه يتم التردد في إكمال تلك الخطبة بسبب وزنها الزائد، مما سبب لها إحباطا كبيرة، مشيرة «أم عادل» إلى أن ابنتها تبذل الكثير من الجهد في إنقاص وزنها، إلا أن الغذاء وحده لا يكفي خاصة بأن السمنة وراثة في الأسرة والنوادي الصحية مكلفة جداً وتحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة، متمنية فيما لو خصصت حصص للرياضة في مدارس البنات للإسهام من التقليل من السمنة، وكذلك تخصيص أماكن عامة جيدة ومخصصة لسيدات بدل أن يقف المجتمع موقف النقد والجلاد ضد السمين دون النظر إلى احترام إنسانيته. ضغوطات اجتماعية وترى الأخصائية النفسية «د. فاطمة الرفاعي» أنه على المرء أن يتمسك بمقومات الشكل المعتدل ليس فقط من أجل الناحية الجمالية، بل كذلك من أجل الصحة والبعد عن الأمراض، إلا أنه على الصعيد الاجتماعي فإن المرأة السمينة أو الرجل البدين قد يتعرض إلى ضغوطات اجتماعية من الرفض لشكله وربما قلت فرصه في الحياة في بعض الجوانب الوظيفية؛ خاصة الوظائف التي تشترط اللياقة البدنية كشرط أساسي لها فمن غير المعقول قبول رجل بدين بوزن كبير في وظيفة طيار أو موظف في القطاع العسكري أو غيرها من الوظائف؛ فتلك الوظائف تحتاج إلى اللياقة البدنية وذلك لتأدية العمل بشكل جيد، إلا أن المجتمع في التعاطي مع البدين بشكل عام متأثر بمواصفات الجمال حسب ما يصوغها العالم، ففي القديم كانت مواصفات الفتاة المرغوبة لزواج والجميلة هي الفتاة «السمينة»؛ خاصة في الثقافات العربية، ففي أفريقيا الفتاة التي تخطب توضع في معسكر خاص لتسمينها، ولكن المجتمع الآن تغير أصبح يرسم معايير الجمال من خلال الإعلام المقدم في القنوات الفضائية وفتاة الفيديو كليب أصبحت هي معيار الجمال؛ فصناع الموضة أصبحوا هم من يضعون معايير الجمال، مشيرة إلى أن الشكل المقبول هو الأساس؛ فالنحف الشديد مرفوض وكذلك الوزن الزائد الذي يؤدي إلى الأمراض أيضا مرفوض، إلا أن هناك إسقاطا ملحوظا لحق البدين في الكثير من الأماكن، ففي الطائرة المقاعد مصنعة لنحيل مما يضطر البدين لأن يحجز مقعدين حتى يجلس بشكل مريح. الهجوم المضاد! وقالت «د. الرفاعي» إن الإنسان بصفة عامة لابد أن يحصل على الخدمة كاملة بصرف النظر عن جنسه أو شكله، لذلك تلعب البيئة الاجتماعية دورا كبيرا في النظرة للبدينات أو البدناء، فالطفل البدين يتعرض لسخرية من سمنته من قبل بعض الأطفال وذلك نتيجة للنتاج البيئي الذي يتلقى فيه الأطفال المفاهيم؛ فليس هناك صفات معممة لكل إنسان فالاختلاف في المظهر والشكل موجود وتلك سنة الحياة، مع الأخذ بعين الاعتبار مساعدة البدين للتغلب على تلك البدانة عن طريق فتح نوادٍ حكومية تعطي البرامج الغذائية الصحية على أيدي مختصين؛ وتوفر الأندية المجهزة بالأجهزة الرياضية حتى يستطيع التخلص من السمنة الكبيرة؛ مع ملاحظة عدم توفر أماكن مؤهلة لممارسة الرياضة في الأماكن العامة خاصة للنساء؛ بدل إدخال الوجبات السريعة في المدارس والتي تساعد الأطفال على الغذاء غير صحي وبالتالي يقودهم ذلك للسمنة، موضحة بأن هناك حالات من الفتيات المراهقات يأتون للعلاج لديها في العيادة يعانين من الحالات النفسية السيئة، بسبب زيادة الوزن لديهن وعدم قبول المجتمع لهم فيصلون إلى مرحلة لا يفضلون الخروج والاحتكاك بالعالم الخارجي فيتم علاجهن بضرورة قبول الذات كماهي والرضا عنها ثم السعي لتغيير المظهر الخارجي بالسلوكيات الإيجابية في الغذاء بدل التفريغ عن الغضب بالأكل، مؤكدة على أن البدين يستخدم آليات للدفاع عن نفسه كالسخرية من شكله باستخدام النكت ليثير ضحك الغير حتى لا يأتي من يسبقه فيسخر منه، كذلك القصير مثلاً يروج على نفسه بأنه ذكي حتى لا يسبقه أحد بالتعليق على قصره وتلك آليات نفسية للدفاع عن الذات ضد الهجوم.