برحيل خادم الحرمين الشريفين فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - فقدت الأمتان العربية والإسلامية قائداً فذاً أفنى عمره في خدمة بلاده والقضايا العربية والإسلامية. غيب الموت والموت حق علينا جميعاً أبا فيصل الملك الإنسان الذي حمل على عاتقه بناء المملكة الحديثة في مجالات عديدة.. حيث تحقق في عهده - رحمه الله - كثير من الانجازات في زمن قياسي، فالنهضة الحديثة التي تعيشها المملكة واكبت العديد من الدول المتطورة، وهي كثيرة ولا يسع المجال لطرحها في هذا السياق.. وفي خضم هذا المصاب الجلل رغبت في إلقاء بعض الضوء على العلاقات الخارجية التي عمل الفهد - رحمه الله - على تفعيلها من خلال المواقف السياسية الثابتة للمملكة.. ومكانتها العالمية التي حصلت عليها من جراء تلك السياسة المتزنة. فقد وقع عليّ نبأ وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - يرحمه الله - وأنا في طريق عودتي إلى المملكة قادماً من واشنطن، بعد وصولي بساعات قليلة إلى فيينا وبلغني الخبر المفجع.. لكن {إنا لله وإنا إليه راجعون}.. عقب متابعتي لمراسم صلاة الجنازة على إحدى المحطات العربية.. شاهدت نقل تلك الجنازة المهيبة من خلال بعض محطات التلفزة الأجنبية وبلغات عديدة شعرت بأن العالم بأجمعه يعزينا في فقيد أمتنا.. فالمملكة لها مكانة خاصة لدى الجميع كما ذكرت، لقد عمل الفهد - رحمه الله - على تعزيز علاقات المملكة الخارجية فكانت كلمته مسموعة في المحافل الدولية ومشورتها مطلوبة في حل القضايا العالمية ولعل رئاسة المملكة للجمعية العمومية للأمم المتحدة في إحدى دوراتها لخير دليل على مدى المكانة السياسية المتميزة للمملكة. ففي عهده رحمه الله، مدت جذور العلاقات الدولية وفتحت سفارات عديدة في المملكة منها سفارة الاتحاد السوفيتي السابق - روسيا الاتحادية حالياً - والصين الشعبية.. تم توقيع مذكرة تفاهم دبلوماسي معها.. لقد حرص خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله في السعي الحثيث على حل القضايا العربية مثل القضية الفلسطينية التي شغلت فكره منذ أن كان ولياً للعهد حيث أعلن مبادرة السلام من 8 نقاط في أوائل الثمانينات، ثم سعى لإنشاء لجنة القدس التي تلعب المملكة فيها دوراً أساسياً مع عدد من الدول العربية. ومن ضمن المشكلات العربية التي استطاع رحمه الله بحكمته وسعة صدره في التعامل معها قضية الحرب الأهلية في لبنان كا هو صاحب المبادرة في حل تلك المشكلة الشائكة التي استمرت سنوات طوال انتهت باتفاق الطائف. وعاد السلام بعدها يرفرف على لبنان من جديد. وتتوالى الأحداث الخطيرة على المنطقة، غزو العراق للكويت.. حيث سعى - رحمه الله - على العمل الفوري عن طريق الاتصالات الدبلوماسية والمساعي الحميدة لاخراج القوات العراقية من الكويت.. وعندما وجد أن الأمر قد أصبح يهدد دول المنطقة أصدر قراره التاريخي بتشكيل قوات التحالف الدولي لإنهاء الاحتلال العراقي للكويت. أما على الصعيد الإسلامي فمواقفه - رحمه الله - مشهودة لدى الجميع.. فالمملكة سعت إلى وحدة مواقف المسلمين.. عن طريق منظمة المؤتمر الإسلامي وعن طريق علاقاتها المتميزة مع الدول الإسلامية حيث ساهمت سياسته الحكيمة رحمه الله في إجلاء قوات الاحتلال السوفيتي عن أفغانستان - كما ساهمت حكمته وبعد نظره في تهدئة الوضع بين باكستان والهند حول كشمير، وغير ذلك من القضايا السياسية الهامة.. ولا شك أن التاريخ سيذكر كل تلك المواقف السياسية للمغفور له بإذن الله خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز التي كانت لها آثار أيجابية ليس فقط على العالمين العربي والإسلامي ولكن على العالم بأسره.. رحم الله أبا فيصل وأسكنه فسيح جناته.. [email protected]