لاشك أن للطفولة تقديرها وتبجيلها. الذي يجوز على الكبير لا يجوز للطفل. ومع الثورات العربية والاحتجاجات المتعددة صارت صور الأطفال واضحة. وأخذت الطفولة تتنازع بين كاميرات الإعلام وأسلحة الطغيان. من جهة يخرج المتظاهرون ومعهم الأطفال ومن ثم يقوم النظام السوري بقتلهم واغتيالهم والتنكيل بهم. من المبكر أن يزجّ بالطفولة بكل هذا المستوى من الإيغال. رأيت بعض الصور لأطفال يحملون أسلحتهم ضمن الجيش الحر، وهذا بصراحة فعل اغتيال للطفولة ووأد لها وارتكاب لخطأ جسيم. المعارك للكبار فقط، حتى النساء على المتحاربين أن لا يدخلونهنّ ضمن الجيوش أو الكتائب. أطفال بعمر الزهور يؤخذون إلى معارك أكبر منهم، ويحترقون في حطب صراعٍ هم لا يفهمونه. من الغرائب أن صور قتل الأطفال صارت تنتشر بين الأطفال أنفسهم وهذا مخيف. حين تدخل إلى "الفيسبوك" أو "تويتر" تجد الصور المهولة والمزعجة والتي تعبر عن نماذج الطغيان السوري تجاه الأطفال. هذه الصور على القائمين بشأن المواقع أن لا يسمحوا لها بالانتشار؛ لأنها تقتل البراءة الذاتية لدى الأطفال، إنها صور لمن هم فوق 18 بامتياز. ولا تسأل عن طرق القتل التي اختارها النظام السوري لهم، إنها أبشع من البشاعة ذاتها. فصل للأجساد وتنكيل وحرق وتشويه. فعلاً نحن في زمنٍ عجيب أصبح كل شيء فيه مستباح، حتى الأطفال الذين يمُنع عالمياً أن يكونوا ضمن معارك أو في أفران الحرب ومطابخ النزاع، أصبحوا هم الذين يُستهدفون أولاً من قبل نيران الأنظمة، ويُستغلون بكل أسف من قبل المتظاهرين أو المحتجين. ونقد استغلال الأطفال لا يعني الوقوف مع الطغيان، لأن الطاغية يقتل الأطفال وليس بعد الطغيان من ذنبٍ أقسى من الطغيان، لكنني أنتقد أن يوضع الأطفال في مقدمة الصفوف التي يعرف الناس أنها ستسهدف بالطائرات والمجنزرات والقنابل والدبابات، الأطفال مكانهم البيوت، والذين يحاربون هم الكبار إن أرادوا. في البداية كان الإعلام متساهلاً في نقل صور قتل الأطفال وتشويههم واغتيالهم أحياناً. ومع غليان الحدث السوري خف الاستغلال. صحيح أن الأسد هو قاتل الأطفال، لكن على المحتجين أن لا يعطونه فرصة قتلهم بالشكل الذي يسهل عليه المهمة. من المهم وضع ميثاق شرف إعلامي عربي أو وضع اتفاق مهني عربي بين القنوات والصحف على أن لا تنشر صور الأطفال المخيفة والتي تدمر براءة الأطفال. الطفولة حدودها الدفتر والكراسة واللعبة، والحروب ليست من مهنهم، وحين يقتلون أو يمثل بهم أو يفتك بهم، لا تُنشر الصور على النحو الذي كانت تُنشر عليه في بداية الحدث السوري. يمكن أن تتداول ضمن الأطر القانونية بحيث تصل إلى محكمة الجنايات الدولية أو سواها، غير أن انتشار هذه الصور بالشكل الكبير الذي هو عليه الآن أمر خطير ولا يخدم إلا النظام الذي يريد أن يدخل الرعب حتى في قلوب أطفالنا. آمل أن ندرك حميمية الطفولة وأن نحمي جنابها من هذا الاستغلال العجيب.